بقلم: خالص جلبي
في محطة فضائية صرخت متحدثة مغربية: لماذا لا تدلي المرأة بصوتها في الانتخابات في الكويت؟ أجاب كويتي بغضب: هذا طرح علماني؟ أجابت: أنت إذا جاهلي؟ وهذه الواقعة تروي أن المحطات الفضائية في معظمها لا تخرج عن ثلاث: المجون والتضليل والكذب، ولا يمكن أن تلمس موضوعا جديا. وشخصية مثل معاوية أو علي رضي الله عنه أو ابن تيمية أصبحت متعالية فوق النقد ودون الخطأ، فاكتسبت بهذه حصانة تاريخية. وعندما نعجز عن مراجعة ونقد تراثنا نعطيه مناعة، وعدم القدرة على المراجعة يعني عدم القدرة على التصحيح. والتصحيح يعني النمو، والنمو يعني الحياة. وهذا يقول إن النفق مسدود في وجه الثقافة العربية لأي تصحيح، وإنها ثقافة ميتة. وإن قضايا الصراع ما زالت واقفة أيام معركة صفين. وفالج لا تعالج.
وبذلك فإن أي قضية تثار تدخل حلقة مفرغة، فنعيد أفكارا قديمة بكلمات جديدة، ونثير مواضيعا تحرك العداوات أكثر من طرح الحلول، ومن أراد المواجهة فعليه أن يهيء نفسه للقتل بدعوى الردة. وعندما تناقش جيمس سواكرت مع ديدات، كان كل طرف حريص على أن يثبت للآخر أن دينه خطأ. وعندما يجتمع الشيعي مع السني يتخندق كل واحد في جبهة تاريخية، فيمارسان المجاملات ووضع المراهم لمعالجة سرطان قاتل. وما لم تجر جراحات جذرية في التجميل، فسوف يبقى وجهنا مشوها تاريخيا، كما كان عبر القرون، ونحن نزينه بمساحيق أهل السنة والجماعة. وما علينا هو التخلص من التشيع والتسنن، فنتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين، كما فعل الفرنسي روجيه غارودي. وحتى أنا الذي أكتب هذه الأسطر لا أستطيع شرح قضيتي بصراحة، لأنني أعرف أنها لن تنشر. ولذا أكتب مقالتي أربع مرات، فأحتفظ بالأصلية لنفسي ولمن يتحمل فولتاجا فكريا عاليا، وأبعث آخر لينقح بغية النشر. وأمام هذا الهامش المحدود بملعقة الكلام المتاح، فليس علي سوى أن أضغط نفسي إلى حجم خنفسة، فأدخل في الزاوية المتاحة فأمر منها إلى عالم الكلام. وأنا حرمت على نفسي التلقي من الثقافة العربية، وسماع كلام المتحاورين في القنوات الفضائية، وإن حدث عرضا فلغرض الدراسة المخبرية. مثل الطبيب المشرح الذي يدرس جثة ميتة، لتحديد سبب الوفاة وهو المعروف في الطب في صالة تشريح الموتى «Autopsy» ولله البقاء والديمومة. أو ذلك الطبيب الذي يأتي إلى الفيروسات الخطيرة والجراثيم الإمراضية، فيلبس قفازات وقناع، ثم يأخذ لطاخة لمعرفة نوع العامل الإمراضي، فهذا ما أفعله أحيانا كخبير في أمراض الثقافة العربية، في جو موبوء بالجنون والمجون. وعمل المحطات الفضائية لا يزيد على الضحك على العقول، فهي في يد من يمولها، فهي تنفخ في بالونات آلهة السياسة، أو تكرس ثقافة الكلمة المسموعة والصورة، وهي الثقافة البدائية قبل أن يخترع البشر الكلمة المكتوبة. والعلم لا يأتي إلا بالانكباب على الكلمة المكتوبة. ويلعب منظمو البرامج ومن خلفهم من الممولين دور لاعب السيرك، الذي يخرج من القبعات السوداء أرانب بيضاء. وإذا أردت أن أستمع إلى برنامج، فهو «ديسكفري» فازداد علما. وعندما أسمع القوم يتحدثون عن السماح للمرأة بأن توجد كإنسان، أستطيع أن أضحك مع تدفق المعلومات الجديدة عن نهاية كل الذكور. فآخر الأبحاث العلمية التي ظهرت إلى السطح، بعد أن تم تفكيك كامل الكروموسوم الذكري في صيف عام 2003م، المعروف بحرف (Y) باللغة الإنجليزية، عرفنا أنه أصغر بمقدار الثلث من كروموسوم المرأة (X)، وأنه قد خسر ثلثيه في مدى القرون الفائتة، حسب الدراسات ما قبل تاريخية التي أجريت على المادة الوراثية في الهياكل. وعرف أخيرا أن هذا التآكل لكروموسوم (الفحولة) ماض في طريقه بدون توقف. وذهب العالم البريطاني «براين سايكس»، من جامعة أوكسفورد، إلى الاعتراف بأن انقراض الكروموسوم الذكري، مسألة قد بت فيها والسؤال هو متى؟ وبحساب معدل التآكل عبر القرون، قرر عالم الجينات أن الذكور سيختفون من خريطة الوجود، خلال خمسة آلاف جيل، في مدى 125 ألف سنة. وسبب فناء هذا الكروموسوم، هو عجزه عن ترميم نفسه مقارنة بالأنثى، التي تحمل نسخة مضاعفة من الكروموسوم (X). وتترتب على هذا نتائج ثورية، أن المستقبل للأنثى، وأن الذكور هم الأضعف في حلقة الجنس البشري، وهم الأقصر عمرا، والأكثر إجراما، والأشد إدمانا على المخدرات ومعاقرة الخمرة، والأقل تحصيلا للعلم، والأكثر انتحارا وتخريبا. وعرف عن هورمون الذكورة «التستوستيرون» أنه لا يزيد على سم زعاف في الدوران، فيضرب جهاز المناعة، وهو سر قصف أعمار الذكور قبل الإناث، بمعدل 6 ـ 7 سنوات. والطواشي «المخصي» يعيش في المتوسط أطول بـ(13- 15) سنة، حسب التبكير باستئصال الخصيتين. وهذه المعلومات تجعل من يقول بتفوق الذكر المطلق على المرأة، مسنودا بقداسة إلهية من نصوص يساء تسخيرها وتفسيرها تثير الضحك. ويبقى السؤال لماذا تحكم الذكور في السيطرة على المجتمع، فنشأ المجتمع أحول أعرج مشوها، يؤمن بالعنف والقسوة والمخابرات؟ والجواب أن التاريخ لم يبدأ بعد، فمن أصل عشرة ملايين من تاريخ الإنسان لم يكن شيئا مذكورا، ولم تبدأ الحضارة المشوهة إلا منذ ستة آلاف سنة، وأن أمام البشرية 500 مليون سنة، ما لم يقدم الذكور على الانتحار بأسلحة الدمار الشامل، كعهدهم طول التاريخ بالقتل وتطوير السلاح والظلم. ومنه فإن نقل السلطة إلى يد الأنثى، يصبح مهمة تاريخية لإنقاذ نفس الحمق من الذكور من أشباه بوش وبن لادن. وأن التاريخ سيكنس الذكور مع الوقت، لأنهم من (يفسد) في الأرض و(يسفك) الدماء، كما اتهمتهم الملائكة بحق. وهذا يعني أن الخلق لم ينته ويزيد في الخلق ما يشاء. وسيظهر مجتمع إنساني ليس بحاجة إلى كل الذكور والكروموسوم الذكري.
يروي الفيلسوف البريطاني عن حماره (الذكر)، أن النار شبت في الزريبة فأبى الخروج مع كل محاولات إقناعه، حتى تم جره بالحبال والسلاسل وإنقاذه من الموت حرقا.
نافذة:
المستقبل للأنثى وأن الذكور هم الأضعف في حلقة الجنس البشري وهم الأقصر عمرا والأكثر إجراما والأشد إدمانا على المخدرات ومعاقرة الخمرة والأقل تحصيلا للعلم