شوف تشوف

الرأي

مصر أمام خيارين

عبد الباري عطوان
عادت أزمة «سد النهضة» تفرض نفسها بقوة في ظل التراجع الإثيوبي عن الاتفاقات التي جرى التوصل إليها أثناء زيارة آبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، إلى القاهرة منتصف العام الماضي، وتضمنت تعهدا إثيوبيا بعدم المساس بحصة مصر من المياه، ولكن الجانب الإثيوبي تراجع عن هذه التعهدات، باعتبار أن هذا القرار سيادي ومن اختصاصِ الدولة الإثيوبية وحدها. وزراء الري في السودان ومصر وإثيوبيا عكفوا في اجتماعهم بالخرطوم على بحث كيفية التوصل إلى حل مرض لجميع الأطراف، ولكن يبدو أن إصرار الجانب الإثيوبي على موقفه سيؤدي إلى أحد احتمالين، إما لجوء مصر إلى التحكيم الدولي، أو اللجوء إلى الخيار العسكري. الولايات المتحدة حليفة الطرفين، استشعرت احتمالات تفاقم هذه الأزمة، وزيادة حدة التوتر بين أطرافها، وأصدرت بيانا أعلنت فيه دعمها للمفاوضات الثلاثية الجارية حاليا، للتوصل إلى اتفاق «يحفظ حقوق الجميع لتحقيق الازدهار والتنمية الاقتصادية المستدامة، بالإضافة إلى احترام دول وادي النيل لبعضهم البعض في ما يخص حقهم في المياه».
البيان الأمريكي يتسم بـ«الغموض» وجرى انتقاء كلماته بعناية فائقة بحيث يرضي جميع الأطراف، فلم ينص مطلقا على احترام اتفاقيات توزيع المياه الدولية التي تحصل مصر بمقتضاها على النصيب الأكبر، وإنما على «الاحترام المتبادل لدول وادي النيل لبعضهم البعض في ما يخص حقهم في المياه»، وهي صيغة فضفاضة حمالة لكل الأوجه.
الحكومة المصرية، وفي ظل وجود تقارب في الموقفين السوداني والإثيوبي، طلبت دخول طرف رابع حيادي لتسهيل عملية التفاوض، ويبدو أن المقصود هو الولايات المتحدة باعتبارها الوسيط المقبول من كل الأطراف، علاوة على ثقلها السياسي والاقتصادي، ونفوذها الكبير على جميع الأطراف.
مصر التي تبلغ حصتها من مياه النيل حوالي 55.5 مليار متر مكعب سنويا، في مقابل 18 مليار متر مكعب للسودان، دولة المصب الأُخرى، من مجموع 84 مليار متر مكعب هي مجموع حجم تدفق مياه نهر النيل سنويا (150 مليار متر مكعب أخرى تتبخر بفعل الحرارة سنويا)، تريد أن لا تتأثر حصتها هذه مطلقا من جراء ملء خزان سد النهضة، تجنبا لأي أضرار أو حتى مجاعات وانخفاض إنتاج الكهرباء في السد العالي.
الاقتراح المصري الذي رفضته إثيوبيا يقضي بأن تقدم إثيوبيا 40 مليار متر مكعب سنويا من المياه إليها على مدى سبع سنوات، وهي الفترة المقترحة لملء خزان سد النهضة، وبقاء مستوى المياه في سد أسوان عند 165 مترا فوق سطح الأرض.
الرئيس عبد الفتاح السيسي أكد في تصريحات صحفية، قبل أسبوع، أنه «لن يتم تشغيل سد النهضة بفرض الأمر الواقع، ولا بد من الحفاظ على حصة مصر المائية كاملة»، واتهم إثيوبيا باستغلال ضعف مصر بسبب أحداث عام 2011 للمضي قدما في إقامة سد النهضة، الذي سيكون له تأثير كبير على مصر وأمنها المائي والقومي. تهديد الرئيس السيسي واضح ولا يحتاج إلى تفسير، فتخفيض حصة مصر من المياه يعني «إعلان حرب» لا يمكن أن يمر دون التصدي له بكل الوسائل، وبدأت أصوات سياسية وعسكرية داخل مصر تروج لحتمية الحل العسكري وتدمير السد الإثيوبي إذا لم يتم احترام المطالب المصرية، لأن مصر التي زاد عدد سكانها عن 100 مليون نسمة تحتاج إلى حصص مياه أكبر، وليس تقليصها، و95 في المائة من أراضيها صحراء قاحلة، ومياه النيل بالنسبة إليها ومواطنيها، مسألة حياة أو موت. ما نعرفه أن إسرائيل هي التي حرضت إثيوبيا على بناء هذا السد، وقدمت لها القروض والخبرات الهندسية في هذا الصدد من أجل تهديد أمن مصر، وتقليص حصصها المشروعة من المياه، ولا نستبعد أن تستمر الدولة العبرية في دعم الموقف الإثيوبي من خلال حث الطرف الأمريكي على تبني هذا الموقف، خاصة أن إثيوبيا كافأتها بالاعتراف بها وتوثيق علاقاتها بدول إفريقية أخرى، واستضافة بنيامين نتنياهو رئيس وزرائها في أديس أبابا، ومخاطبة اجتماع لمنظمة الوحدة الإفريقية.
المصيبة أن الخلافات العربية المتفاقمة، وعداء بعض الدول لحكومة مصر الحالية، ودفعها إلى تبني الموقف الإثيوبي، واستثمار المليارات في بناء سد النهضة، من منطلق النكاية والمناكفة، وهذا موقف مُعيبٌ بكل المقاييس، يزيد من تعميق الأزمة، فسد النهضة مشروع موجه ضد مصر، كل مصر، وستكون آثاره السلبية في حال عدم وقفها، تهديدا ليس لمائة مليون مصري فقط، وإنما كل الأجيال المصرية المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى