شوف تشوف

الرئيسيةملف الأسبوع

مشاهير بدرجة «مقدم» :نجوم دفعتهم الحاجة للعمل أعوان سلطة وآخرون تمت ترقيتهم بأسلاك الداخلية

يختلف عون السلطة اليوم عن سابقه في زمن القواد الأشداء، ليس فقط من حيث الهندام والمستوى التعليمي، بل في مقاربته لعمل جهاز المقدمين الذين وصفهم إدريس البصري يوما بـ«عيون الداخلية التي لا تنام»، قبل أن يستدرك ويقر بأنهم حواس السلطة التي تظل في حالة استنفار.

نحن أمام مقاربة جديدة لدور أعوان السلطة، بعد أن اختص بعضهم في مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي، وتمكنوا من اختراق حميمية سكان الحي، حين يتقاسمون معهم كثيرا من الصور والكتابات والتعاليق. لذا لم نستغرب حين توجت جمعيات المجتمع المدني عون سلطة، تابع لقسم الشؤون الداخلية بعمالة إنزكان أيت ملول، بجائزة «شخصية العام».

من الصعب تصور المشهد السلطوي دون أعوان سلطة، يجسدون فعلا حق الوصول إلى المعلومة، بل صناعتها إذا اقتضى الأمر ذلك، ومن العسير دخول الاستحقاقات الانتخابية دون هذه الفئة التي لطالما سلطت تقاريرها السرية الضوء على نوايا السكان قبل أعمالهم، لذا سيكون من العبث الاستغناء عنهم، سيما وأن الحكومة تستعد لتنزيل نظم الحماية الاجتماعية.

لا يمكن للجان الساهرة على توزيع الصدقات الجارية على الأرامل وقفف رمضان وبطائق «راميد»، وضع لوائح المستفيدات دون المرور عبر المقدمين والشيوخ، الذين يميزون بين المحتاج الحقيقي ومن يمثل هذا الدور. إنهم يتجاوزون دور الإخبار العاجل إلى إجراء «كاستينغ» لكل من يريد الاستفادة من دعم الدولة.

المقدم في المغرب ليس عون سلطة، بل «عود» سلطة وأحيانا حمارها الذي يحمل أسفارا، حيث يركض في كل الدروب مستنفرا كل الحواس، يقرأ العبارات التي يكتبها كتاب وشعراء الحيطان، ويفك لغز العبارات المسيئة للذوق السياسي، وهواة البناء العشوائي ويشم رائحة الإسمنت والآجور، ويعد الكلاب الضالة، ويمارس لعبة الكر والفر مع الباعة المتجولين، ويتعقب الحركات الاحتجاجية العلنية والسرية، ويحصي عدد الضيوف، ويراقب بطون النساء تحسبا لحمل طارئ، ويوزع بطائق الناخبين والمعوزين وهلم جرا.

في الملف الأسبوعي، تسلط «الأخبار» الضوء على فئة بدأت من قعر السلطة، وتمردت على وضعيتها لتتموقع في مربع الوجاهة.

 

حسن البصري

+++++++

 

الفنان أوجود يرفض مهنة مقدم بعد أيام من الاختبار

ولد بوجمعة أوجود سنة 1940 بالدار البيضاء، وتحديدا في المدينة القديمة درب بن حمان، من والد جاء إلى العاصمة الاقتصادية من منطقة حاحا بإقليم الصويرة. انقطع أوجود عن الدراسة مبكرا، ووجد نفسه عن عمر الـ14 سنة منخرطا في الفرق المسرحية، حيث كان يؤدي دور الخادم الذي التصق به لفترة طويلة، إذ نال لقب «عزيزي».

حين كان عمر بوجمعة في الثامنة عشر من عمره، استفاد الشاب القوي البنية من عملية زفاف جماعي أطلقها الملك الراحل محمد الخامس، بعد استقلال المغرب، إذ أنعم على أربعين زوجا بنفقة العرس، وتحمل جميع مصاريف الزفاف الجماعي، الذي شارك فيه بسطاء من الشعب المغربي. استفاد من هذه العملية مواطنون من مختلف المدن، وكان أبرزهم «عزيزي». كما تزوج الفنان بوجمعة للمرة الثانية في بداية الثمانينيات، لكن على نفقته الخاصة، ومن ثمرة زواجه عشرة أبناء، منهم سبعة متزوجون وخلفوا له أحفادا أغلبهم من الذكور.

حين عاد بوجمعة أوجود من الصحراء، بعد مشاركته في المسيرة الخضراء سنة 1975، حظي إلى جانب عدد من المشاركين باستقبال في مقر عمالة الدار البيضاء، وفي أعقابه اقترح عليه مولاي مصطفى العلوي، العامل السابق للمدينة، أن يعمل ضمن أعوان السلطة، فرحب بوجمعة بالفكرة، قبل أن يكتشف أن المهمة التي أسندت إليه ستحوله من فنان إلى مقدم للحي، وسلمته العمالة دراجة نارية تعينه على تنقلاته من المقاطعة إلى مختلف دروب الحي. إلا أن «با عزيزي» سرعان ما استقال من المهنة، حين بدأ يفقد تدريجيا مكانته الاعتبارية كفنان، وحين سأله القائد عن سر الاستقالة؟ أجابه بدون تردد: «لا يمكن أن أوزع الشهادات الإدارية صباحا وأمثل مساء، أريد أن تبقى صورة الفنان حاضرة في نفوس المواطنين، لا صورة مقدم أو شيخ».

شاءت الصدف أن يلتقي بوجمعة أوجود بملك البلاد محمد السادس، في معرض الفرس بالجديدة، حيث كان الفنان المغربي يصب الشاي على الطريقة المغربية لضيوف المعرض. سأل الملك الفنان عن وضعيته، فرد عليه «الله يرزق غير الصحة»، فتلقى بوجمعة دعوة لأداء مناسك الحج إلى جانب خمسة فنانين، وهم: الهاشمي بنعمر، العربي الكواكبي، أحمد الناجي، عزيز موهوب والحاجة فاطمة تحيحيت، تكرم القصر بمصاريف السفر والإقامة بالديار المقدسة.

دعي مرة لحضور تدشين دار للثقافة بالمدينة القديمة بالدار البيضاء، إلى جانب أبناء الحي من مشاهير الفن والرياضة والفكر والسياسة، هناك التقى بالملك محمد السادس الذي سأل عن أحواله وظروفه المعيشية، وقيل له إنه يعاني من ضائقة مالية، فأرسل إليه القصر مساعدة مالية قدرها 10 ملايين سنتيم.

 

إبراهيم كلاوة.. من بطل قومي إلى مقدم متقاعد

يعيش إبراهيم كلاوة اليوم وضعا صحيا مترديا، يتردد عليه بعض اللاعبين السابقين من أجل زيارته، وهو الذي أصبح يراوغ المرض، ما تطلب تدخل مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين التي منحته بعض الامتيازات لتجاوز وضعيته الاجتماعية الصعبة، التي ازدادت سوءا بعد رحيل شقيقه الأكبر، الذي لطالما كان سندا له.

إبراهيم دلاحي الشهير بلقب «كلاوة»، وهو المدافع السابق للمنتخب الوطني لكرة القدم والفائز معه بكأس أمم إفريقيا سنة 1976، تعرض لأكثر من وعكة صحية، لكن وعكته الحقيقية تكمن في حجم الخصاص والهشاشة.

مع شباب المحمدية، أدرك كلاوة أن الفوز بالألقاب مع النادي يخلد اسم اللاعب، ويمنحه قوة أخرى من أجل التنافس الشديد، وأن جيلا من المبدعين لا بد أن يدخل سجل الألقاب الوطنية. حصل على إنجازات كبيرة، حيث حاز على كأس العرش سنة 1975 وكأس الصحراء في السنة ذاتها، وحقق الفوز بلقب البطولة الوطنية سنة 1980، ولعب قبلها نهاية رائعة لكأس العرش سنة 1979، وشكل مع الشباب منافسا عنيدا لكل الأندية.

في خزانة الرياضة الوطنية، فاز بكأس أمم إفريقيا سنة 1976، وكان مكلفا بحراسة النجم الإفريقي بتي سوري واحد من أخطر لاعبي المنتخب الغيني، كما كان له شرف المشاركة مع «الأسود» والفوز بالبطولة العربية بسوريا، كان مسارا رياضيا حافلا بالإنجازات، لكنه عانى من إصابة في الركبة أرغمته على الابتعاد عن ميادين التباري. انتقل بعد سنوات التألق من فريق شباب المحمدية إلى غريمه التقليدي الاتحاد، ولعب له سبع سنوات، قبل أن ينهي موسمه على إيقاع الأعطاب.

وفي نهاية مساره الرياضي، يجد كلاوة نفسه يعيش وضعا اجتماعيا صعبا، لم تمنحه كرة القدم شيئا آخر غير حب الناس، لم يستفد ماديا كباقي اللاعبين، حيث عمل عون سلطة «مقدم» في إحدى المقاطعات، وظل يساعد مدربي فريق اتحاد المحمدية من أجل التغلب على مصاريف المأكل والمسكن. يكتري الرجل بيتا ويعيل بالكاد أسرة تقاوم الزمن، من أجل العيش الكريم من عرق الكرة.

مقدم حضري في المنتخب المغربي لكرة القدم المصغرة

مرت خمسة وأربعون سنة على فوز المنتخب المغربي لكرة القدم بكأس أمم إفريقيا، وانتظر المغاربة أربعة عقود لينالوا الزعامة الإفريقية في كرة القدم داخل القاعة، بعد أن يئسوا من «رحمة الكاف» واستقالوا من حلم الظفر بها خارج القاعة، وانتابتهم نوبة إحباط عمرت طويلا وشملت كل المتجمهرين فوق أرض هذا البلد، الذي لا يحزنه ولا يسعده إلا الراسخون في الفقر.

كل عناصر المنتخب الوطني تعاني من البطالة، مدربها هشام الدكيك حاصل على الإجازة في العلوم السياسية، وعميد المنتخب المغربي عادل هابيل حاصل على شهادة الإجازة، لكنه «حاصل» في وظيفة مقدم حضري، ولولا وجوده مع المنتخب الوطني لدخل متاهات أخرى.

عادل هابيل كان أحد صناع الإنجاز التاريخي للمنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة سنة 2016، حين توج بكأس أمم إفريقيا، كما أنه تألق بشكل لافت في نسخة كأس العالم بكولومبيا سنة 2016، حيث أحرز هدفا رائعا في مرمى منتخب إسبانيا، احتل الرتبة الثالثة في قائمة أفضل أهداف المونديال.

فكرة التدريب كانت تراوده في سنواته الأخيرة مع المنتخب الوطني. وقرر اعتزال اللعب دوليا سنة 2016، بعدما توج بلقب كأس أمم إفريقيا وشارك في كأس العالم، ليشجعه آنذاك المدرب هشام الدكيك على التوجه إلى ميدان التدريب.

في سابقة من نوعها في سلك رجال السلطة، استجابت وزارة الداخلية لملتمس فؤاد المحمدي، عامل إقليم القنيطرة، القاضي بترقية المقدم عادل هابيل إلى منصب خليفة قائد، وذلك على خلفية المجهودات التي بذلها في قيادة المنتخب المغربي، الذي تمكن من الفوز بكأس إفريقيا داخل القاعة التي احتضنتها مدينة جوهانسبورغ، وكان المنتخب الوطني، قد نجح بقيادة عادل الذي يشغل مقدم حضري في عاصمة الغرب، في تحقيق آمال المغاربة.

اطلع عامل القنيطرة فؤاد المحمدي، على ملف عادل هابيل وبعث بإرسالية إلى وزارة الداخلية، بخصوص ترقيته الجديدة، كخليفة قائد بإحدى مقاطعات القنيطرة.

بوجنان.. من شيخ قبائل مسفيوة إلى قائدها

كان الباشا الكلاوي، خلال الأربعينيات، يقدم دعمه للفرنسيين، لأنهم السبب في ما أصبح عليه من قوة وتأثير. وكان السلطان يرد على هذا الباشا بفرض بروتوكول صارم، كان يؤلم كبرياء الرجل، حسب مذكرات لمخابرات الحماية. تقول وثيقة سرية مؤرخة في 11 نونبر 1946 إن «الباشا كان غاضبا جدا من الطريقة التي يسلكها السلطان معه. ويؤاخذ السلطان على تركه ينتظر أربعة أيام كاملة، قبل أن يسمح بلقاء سمع خلاله كلاما غير لائق. فحسب الباشا، هذا التصرف يعتبر نتيجة للمؤامرات التي نسجها الوطنيون، إبان غيابه عن المغرب. ولهذا، فالباشا عازم على محاربة حزب الاستقلال»، بحسب ما جاء في الوثيقة التاريخية.

في غمرة الخلاف بين الباشا والملك محمد الخامس ومع ابنه ولي العهد مولاي الحسن، انتفض مواطنون أغلبهم ينتمون إلى حزب الاستقلال ضد ابن الباشا محمد الكلاوي، قائد مسفيوة، وبأمر من القائد قام شيخ القبيلة الذي كان يدعى قيد حياته، محند بوجنان، بنزع الأعلام المغربية واللافتات التي تأبطها وطنيون، كانوا بصدد التحضير للاحتفال بعيد العرش. قال عون السلطة إن الاحتفال بعيد العرش ممنوع بقرار من الكلاوي، وأضاف أنه لا يسمح بإقامة الاحتفالات في مشيخته. تبرأ محمد الكلاوي من غارة الشيخ، الذي انتابته حالة صرع في مواجهة شبان يحركهم الحس الوطني.

علم القصر بتصرف الشيخ الذي كان يستمد سلطاته من الكلاوي الأب، وليس الابن، وعلى الفور أمر ولي العهد قائد مسفيوة بإجراء تحقيق في النازلة، في الوقت الذي كان عبد الصادق، ابن التهامي، يقدم فروض الولاء في الرباط، وهي آخر مقابلة لفرد من عائلة الكلاوي مع السلطان، قبل الاستقلال.

أجمع الباحثون، خاصة الفرنسي غارفاه في كتابه «مهمتي بالمغرب»، على مباركة الباشا فعل الشيخ، واستند إلى صمت التهامي، حيث وصف الكلاوي منظمي انتفاضة أغمات بالصعاليك، مما أغضب ولي العهد الذي علم بالأمر. لكن الأيام كشفت عن استمرار عون السلطة في منصبه، بعد الاستقلال، حيث التمس الصفح من زعامات حزب الاستقلال، وعين قائدا في قبيلة مسفيوة، في واحدة من مفارقات مشهد السلطة.

 

عون سلطة يحصل على صفة لاجئ سياسي

قبل ثلاث سنوات، حصل مواطن مغربي، كان يشتغل سابقا عون سلطة في الجماعة الحضرية لمدينة الناظور، ويدعى «بلانص» على اللجوء السياسي في إسبانيا. بناء على طلب تقدم به المعني بالأمر سابقا إلى وزير العدل الأسبق، محمد أوجار، يلتمس منه فيه فتح الحدود أمامه لمغادرة المغرب نحو الجارة الشمالية. وظهر عون السلطة عبر صفحته الفايسبوكية، كاشفا عن الأسباب التي دفعته إلى القيام بهذه الخطوة، التي تعتبر الثانية في ظرف وجيز بعد أن قام بالفعل نفسه عون سلطة سابق بمدينة الناظور، بطلبه اللجوء السياسي بمدينة مليلية المحتلة، إذ قال إنه «مهدد بالتصفية»، دون أن يقدم تفاصيل أكثر. فيما ذهبت بعض الكتابات الصحفية إلى تهديده من طرف بارونات المخدرات.

وأشار «بلانص» إلى الاستقبال الجيد الذي حظي به في مليلية، «غادرت أرض الوطن بعد محاولة تصفيتي، باتجاه إسبانيا التي استقبلتني في ظروف إنسانية لائقة، حيث أوجد في مركز للإيواء، في انتظار استكمال الإجراءات القانونية لنقلي إلى إسبانيا».

وحصلت الصحافة المغربية على وثائق محررة باللغة الإسبانية، تثبت حصول الشاب المغربي على اللجوء السياسي، الذي يخول له دخول إسبانيا عبر بوابة مدينة مليلية السليبة. فيما تتحدث مصادر أخرى عن قضاء العون عقوبة حبسية، في السجن المحلي للناظور.

ووصفت صحيفة «إيفاردي دي مليلية»، العون باللاجئ السياسي واعتبرته صيدا استخباراتيا ثمينا، اعتقادا منها أن الرجل كان يشرف على تدبير ملف المهاجرين الأفارقة وبارونات الهجرة السرية.

مقدم على أثير إذاعة مراكش الجهوية

عندما دخل عون سلطة برتبة «مقدم» مقر الإذاعة الجهوية بمراكش آمنا، وتقدم نحو «الاستوديو»، في أثناء بث برنامج إذاعي، معلنا فاصلا سلطويا مكنه من التأكد من هويات المشاركين في اللقاء الأثيري، بدا الأمر وكأنه انفلات أمني، سيما وأن «المقدم» كان في حالة متقدمة من السكر.

قيل إن عون السلطة الذي طالب الحاضرين بالإدلاء ببطاقاتهم الوطنية، وألح على التعرف على هويات الأشخاص الذين يتحلقون حول مائدة إذاعية، وكأنه يحن إلى زمن زواج الداخلية بالإعلام، باعتباره وصيا على أثير المنطقة الترابية التابعة لنفوذه.

يقول شاهد «عيان» إن المقدم ورفيقه الذي يشتبه في انتمائه للقوات المساعدة، كانا في حالتي سكر متقدمتين، وأنهما كانا يعتزمان ولوج علبة ليلية لا تبعد عن مقر الإذاعة إلا بأمتار قليلة، لكن الأمور اختلطت عليهما فدخلا الاستوديو، ولأن وجودهما في عين المكان صادف لقاء فنيا مع «أسمهان المغرب» كريمة الصقلي، صاحبة ألبوم «الحب المحترم»، فإن هذه الأخيرة حاولت إلى جانب ضيوف البرنامج التعامل مع الضيفين بود واحترام.

يحن المقدم والمخزني إلى زمن كان فيه عرض الإذاعة مستباحا من طرف رجال السلطة بكل أطيافهم، بل إن المشهد تكرر في وجدة، حين بعث قائد مقدما إلى مقر إذاعة وجدة الجهوية، وأصر على التأكد من هوية ضيف جيء به للحديث عن واقعة طرد مغاربة الجزائر.

حاول المقدم السيطرة على الوضع، ونبهه حارس خاص بأنه أخطأ العنوان، وحذره من مغبة الرقص على المباشر، قبل أن يمسكه من تلابيبه ويصرخ في وجهه: «هل نصنع أسلحة الدمار الشامل أيها المعتوه؟». حين اكتشف عون السلطة سقوطه في فخ التسلل، قرر كتابة تقرير حول النازلة لرئيسه المباشر، وأعلن نفسه مخبرا في حالة «نشاط» متقدم.

في نونبر 1985، أضاف البصري إلى وزارة الداخلية وزارة الإعلام، وأرسل دورية إلى العمال والولاة والباشوات يوصيهم بوضع عيونهم على التلفاز وآذانهم على الإذاعات، وأن يضعوا المقدمين والشيوخ في حالة استنفار قصوى، تحسبا لأي انفلات أثيري. منذ ذلك الحين أصبحت الإذاعات تحت نفوذ المقاطعات، وأصبح القائد ضميرا مستترا لخلية الإنتاج.

ولى زمن الوصاية، لكن السلطة ظلت حاضرة على الأقل كفزاعة في حقل الإعلام، لذا فقد تابع الرأي العام حكاية عون سلطة تدخل على أثير إذاعة خاصة في برنامج للبوح الحميمي، وقدم بيانات خاصة حول متدخلة كانت تعرض قصتها مع زوجها، قبل أن يفصل المقدم في النازلة، ويؤكد بأن حملها كان غير مشروع، بناء على البحث التفصيلي الذي أنجزه.

بعد واقعة مراكش، أضحت الإذاعة أمام خيارين، إما أن ترحل بعيدا عن «رحبة» الحانات، أو تلحق المقدمين بالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، على سبيل الإعارة.

 

البصري يصدر قرارا بترقية مقدم إلى خليفة في ملف أسني

في 24 غشت عام 1994، اهتز المراكشيون ومعهم المغاربة على وقع أول عمل إرهابي تعرفه المملكة، بعد أن استهدف مسلحون فندق «أطلس أسني» بمدينة مراكش. وخلصت التحقيقات إلى أن منفذي الهجوم الثلاثة هم من جنسية جزائرية.

بعد إلقاء القبض على الجناة، عرض التلفزيون المغربي الأسلحة المحجوزة، كما تم التوصل إلى مخزنها في بيت بأكنول، لا يبعد إلا بأمتار عن مقر الدرك. وقال إدريس البصري للميداوي، يجب تخصيص مكافآت لكل من ساهم في إحباط هذه العملية والحفاظ على أمن البلاد، فرد عليه الميداوي إن رجالاتي يقومون بواجبهم حبا للوطن لا يبتغون مكافآت مادية، فقط يكفيهم رضى جلالة الملك.

لكن عنصرا من أعوان السلطة كان وراء اعتقال زعيم العصابة البوجدلي، حيث استدعاه إدريس البصري إلى الوزارة وهنأه، ومنحه مكافأة مالية هامة، ورقاه من عون سلطة إلى خليفة قائد، فضلا عن ترقية مخزني.

يقول العميد أبو بكر اجضاهيم في حوار سابق مع «الأخبار»، إن البصري أرسل فريقا من المحامين وخبراء القانون ليدرسوا معه تفاصيل مسطرة الاعتقال التي أنجزت بالصوت والصورة، ولأول مرة في تاريخ محاضر البوليس، تتم المسطرة بالوثائق والمستندات الصوتية والورقية وبالصور أيضا.

وتبين أن ما باتت تعرف بقضية أسني التي انطلقت من مراكش ووصلت إلى فاس، تقف وراءها الجزائر التي كانت تعيش في تلك الفترة احتقانا، ولقد وظفت الجارة الشرقية بعض الإسلاميين لزعزعة استقرار المغرب، كما حصل في تمرد تادلة عام 1984، والذي كان يقف وراءه النظام الليبي. ومن تداعيات هذا الملف، إغلاق الحدود البرية بمعبر زوج بغال بين المغرب والجزائر، إلى يومنا هذا.

كان هذا الاعتداء مفاجأة كبرى بالنسبة إلى المغاربة، الذين كانوا يعتقدون أنهم في مأمن من تطور الأمور على نمط ما يجري في الجزائر آنذاك. وشنت القوات الأمنية المغربية عملية مطاردة واسعة في كل مناطق البلاد، للقبض على الجناة بمشاركة أعوان السلطة.

 

الغزاوي يعين مقدمين موالين للاستقلال بسلك الأمن

بعد مشاورات طويلة، استقر رأي الملك محمد الخامس على تعيين الثري محمد الغزاوي في منصب مدير عام للأمن الوطني، بعد طول مشاورات مع ولي عهده مولاي الحسن، ومع قادة حزب الاستقلال وأبرزهم علال الفاسي.

صنع الغزاوي لنفسه اسما في عالم السياسة، وكان دعم الاستقلاليين له لا يخفى على أحد، خاصة وأن علال الفاسي ظل يلح على الملك ويقنعه بأهمية إسناد منصب مدير عام للأمن إلى الغزاوي، وينقل له أخبار سخائه وكيف كان «يغدق على العاملين، الذين كانت أعدادهم غير كبيرة، بل ثمة من ذهب إلى أنه تعمد أن يؤدي بعض الرواتب من ماله الخاص بدل خزينة الدولة، سيما في السنوات الأولى للاستقلال، التي كان المغرب قد بدأ فيها تنظيم هياكله».

كان لولي العهد رأي مخالف لعلال، إذ كان مع الطرح الذي يعطي الأولوية في المناصب الأمنية لخريجي المدارس العسكرية الفرنسية، قبل أن يقتنع محمد الخامس بجدوى تعيين الراعي الرسمي للمقاومة على رأس جهاز أمني كبير. وفي 22 مارس 1956 أسندت إلى محمد الغزاوي صفة مدير عام الأمن الوطني المغربي. وفي 28 أبريل 1956 تم تنصيب المدير رسميا، وبعد مرور شهر صدر ظهير شريف ينص على تأسيس الإدارة العامة للأمن الوطني المغربي، تحت وصاية وزارة الداخلية، «تُحدَث إدارة عامة للأمن الوطني تابعة لوزارة الداخلية». وخلال حفل التنصيب قال الملك للمدير العام للأمن: «لقد استلمنا كما في علمكم سلطات الأمن الوطني بجميع فروعها من الفرنسيين، بغاية إقرار الأمن العام وأمن الأفراد والجماعات، في جو من الثقة والتعاون بين المسؤولين في ما بينهم وبين سائر المواطنين».

وبتاريخ 20 غشت 1956، وبحضور محمد الغزاوي، استقبل الملك محمد الخامس رحمة الله عليه مجموعة من رجال الأمن الوطني، من أجل تعيينهم بعد اجتيازهم لاختبار، وقال لهم: «أهنئكم على فوزكم في الامتحان، الذي أجريتموه والذي أهلكم للقيام بمهمة المحافظة على الأمن، تلك المهمة التي تعلمون ولا شك أنها سامية تقوم على مبدأ تعهد المرء بشرفه على الإخلاص والتفاني في أداء الواجب، بصرف النظر عن كل اعتبار وتمييز. ولا نظن أننا نحتاج إلى تذكيركم بأن واجبكم على العكس مما كان يراد بكم في العهد البائد، أن تشعروا الشعب بأنكم في خدمته ساهرون على راحته، فاجتهدوا في كسب رضاه، وذلك بالإخلاص في العمل، والرفق في غير تهاون، والحزم في غير قساوة. وفقكم الله في مهمتكم، وجعل النجاح مقرونا بأعمالكم».

وكان أول قرار اتخذه الغزاوي هو تعزيز الجهاز الأمني بعدد من رجال حزب الاستقلال أو الموالين له، ومنهم عدد كبير من أعوان السلطة، فضلا عن رجال المقاومة وجيش التحرير، الذين أدمجوا بناء على تعليمات الملك محمد الخامس. أما القرار الثاني، فيكمن في إعفاء 275 شرطيا فرنسيا من مهامهم كموظفين في الأمن العام المغربي.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى