شوف تشوف

شوف تشوف

مسلسل تركي اسمه خاشقجي 2.2

 

سجل الاغتيالات والتصفيات والاختطافات التي استهدفت معارضي الأنظمة وكاشفي الأسرار المزعجة، ممن كانوا من المقربين في الملأ الأعلى يسترقون السمع والبصر لعورات الحاكمين فانقلبوا إلى معارضين في الخارج يهددون بكشف المستور، طويل عريض ولن يقفل طالما هناك سلطة وصراع حولها.

والذين يعتقدون أن ما حدث في قنصلية السعودية بتركيا هو حكر على العرب فهو واهم، فكل الأنظمة التي لديها أعداء يهددون سلامتها الداخلية تلجأ إلى هذا الأسلوب، الفرق كما قال ترامب في السيناريو فقط.

وكم من معارض توفي بسكتة قلبية في الظاهر أما في الحقيقة فقد كانت السكتة مبرمجة وحتى أشهر الأطباء الشرعيين لن يهتدي إلى المادة التي سببت السكتة، والتي تختفي من الجسم في ثوان.

وضمن أكبر المستفيدين من “المسلسل التركي” نجد الرئيس الأمريكي الذي لا حاجة لشرح طريقة عمله في هذا الباب، فالرجل لا يتكلم سوى لغة المال ولا يفهم أي لغة دبلوماسية أخرى غير لغة التريليونات، ولا يجب أن ننسى أن أمريكا تحتكر ستين بالمائة من مجموع واردات السعودية من السلاح، فيما الباقي تتوزعه فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وكندا وتركيا.

وترامب يحترم على الأقل على وضوحه وليس مثل بعض الرؤساء الأوربيين المنافقين الذين عندما يريدون سرقة دولة ما يلجؤون إلى تغطية ذلك بخطابات عصر الأنوار وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات وحقوق الحيوانات والحشرات.

مثلما تريد ألمانيا أن تفعل بهذا الملف، والتي قررت وقف صادراتها من الأسلحة للسعودية، وعندما ذهبنا نبحث عن قيمة هذه الصادرات لم نعثر على شيء، ولذلك فهي تشهر هذا الملف لدفع السعودية إلى عقد صفقات معها مثلما تصنع ذلك مع بريطانيا وفرنسا وأمريكا وتركيا وإسبانيا وكندا.

وطبعا فألمانيا ليست بحاجة إلى صادرات الأسلحة للسعودية لكي تنقذ اقتصادها، مثلما هو الحال بالنسبة إلى فرنسا وإسبانيا، فألمانيا ميركل لديها 300 مليار دولار فائض الميزانية، فيما فرنسا الماكرونية تغرق في عجز قدره 40 مليار دولار، ولذلك قال ماكرون إن وقف بيع السلاح للسعودية مسألة ديماغوجية، وكأنه يقول لجارته ميركل “كون كنتي فبلاصتي كون ماشي غادي غي تهبطي كواريك، كنتي غادا تهبطي حاجة خرى”.

العالم يسير بهذه الطريقة، المصالح تبرر كل الجرائم في حق الأفراد والجماعات والدول، يكفي أن تدفع للكبار لكي تحصل على الإذن للقيام بما تريد، شرط أن يكون لديك سيناريو محكم، أما الضمير العالمي وغير ذلك من الخزعبلات فهي شعارات لدغدغة عواطف جمهور الجزيرة وقنوات محور تركيا التي تتعهد جمهورا بالملايين بالرعاية وتعطيه المهدئات والمهيجات حسب نوع الجلاد ونوع الضحية.

ما حدث لجمال خاشقجي فيه درس لقبيلة الصحافيين العرب، الذين منهم صنف لا يعرف حقيقة أي دور يريد أن يلعبه، هل دور الصحافي الوطني المحايد الذي يخبر ويحلل بموضوعية بعيدا عن أية أجندة دولية، أم دور الوسيط الذي ينقل الأسرار والملفات التي كان مطلعا عليها إلى دول لديها حسابات سياسية مع وطنه الأم، بغض النظر عن طبيعة النظام السائد في هذا البلد.

عندما يختار الصحافي أن يتخندق إلى جانب محور مكون من دول لديها عداوة مع بلده، بعدما اطلع على أسرار وخبايا كثيرة وخطيرة خلال اشتغاله مع أقطاب نظام بلده، فعليه أن يكون مستعدا لكل الاحتمالات، لأننا لا نعيش في عالم مثالي، بل في عالم إجرامي، تحكم بعض دوله، التي تتلفع بوشاح الديمقراطية، عصابات منظمة على شكل أنظمة.

وما حدث لخاشقجي يحدث باستمرار لصحافيين في روسيا وأوربا الشرقية، وحتى في تركيا نفسها فعدد الصحافيين المعتقلين يصل إلى 319 صحافيا مما يجعل من تركيا أكبر سجن للصحافيين.

والدرس الأهم الذي يجب أن تستفيد منه جميع الأنظمة العربية هو ذلك الذي قدمته قطر من خلال أذرعها الإعلامية وعلى رأسها قناة الجزيرة.

فمنذ دخول جمال خاشقجي مقر قنصلية السعودية بتركيا والقناة تركز عدسات مصوريها وصحافييها ومراسليها ومحلليها على السعودية والإمارات ومصر، جاعلة من هذه الدول وأنظمتها مادة للسخرية والتندر.

والذين تتبعوا التغطية، أو بالأحرى “التعرية” التي خصصتها قطر لجيرانها الذين حاصروها، سيفهم أهمية الإعلام، أو ما يسمى “القوة الناعمة”، في الحروب المعاصرة، حيث رأينا كيف كانت تتلقف القنوات القطرية كل المعلومات التي كانت تقدمها المخابرات التركية حول الجريمة جاعلة من الموضوع مادة دسمة تقطرها نقطة نقطة لمشاهديها على مدار الساعة.

فهذه القنوات والجرائد والمنصات الرقمية ليس الهدف من خلقها، كما قال عزمي بشارة، تغطية الحدث بل صنعه والتحكم في مساراته، وهؤلاء الإعلاميون والمحللون الذين يظهرون في هذه القنوات والمنصات الرقمية، وكثير منهم مغاربة، ليسوا صحافيين قطعا، بل هم جنود بعقيدة قطرية إخوانية في جيش مدرب على خوض حروب المستقبل التي تدار داخل استوديوهات التحرير وخلف الكاميرات والحواسيب والهواتف الذكية.

وهذا ما لم يفهمه بعد إعلام الدول التي تواجه قطر، والغارق في حملات التبجيل والتفخيم والتأليه لولاة الأمر والنهي، والحال أن المرحلة تتطلب إعلاما ذَا مصداقية، ينتقد عِوَض أن يمدح، وينصح عِوَض أن يتشفى، ويدافع عن المصالح العليا للوطن عِوَض أن يكون متآمرا في طابور خامس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى