محمد اليوبي
بعدما فجرت جريدة «الأخبار» مجموعة من الاختلالات بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، أكدت رسالة وجهها موظف مسؤول بالمندوبية إلى المندوب السامي، مصطفى الكثيري، وجود هذه الاختلالات، بل أكثر من ذلك فضح تورط مسؤولين آخرين في اختلاسات مالية مرتبطة بصفقات.
وفي تطورات جديدة لملفات ما يطلق عليها «اختلاسات سندات الطلب»، حصلت «الأخبار» على وثيقة مسربة، عبارة عن رسالة جوابية عن استفسار من المندوب السامي، مصطفى الكثيري، لرئيس قسم الدراسات التاريخية بالمؤسسة، يكشف من خلالها عن معطيات خطيرة للرد على التقرير الثقيل، الذي وضع على مكتب المندوب السامي، من قبل اللجنة التي شكلها الأخير للتقصي حول القنبلة التي فجرها رئيس مصلحة التكوين في المؤسسة، والتي فضح فيها، عبر رسالة رسمية إلى رئيس الإدارة، خروقات واختلالات مالية وإدارية تهم سندات طلب وصفقات أشرف عليها رئيس القسم المذكور، بحكم تدبيره لملف سندات طلب متعلقة بتجهيز العديد من المتاحف التابعة للمؤسسة بصور ومعروضات وإطارات ولوحات فنية.
ففي رده على استفسار وجهه إليه المندوب السامي تحت رقم 5071 بتاريخ 14 شتنبر 2023، كشف رئيس القسم عن معطيات صادمة تورط رؤوسا أخرى داخل المؤسسة في الاختلاسات المالية، بعدما فضح الطريقة التي تتم بها عملية تفويت الصفقات وسندات الطلب، ومنها إقراره واعترافه بتفويت صفقة سندات طلبيات عمومية لشركة برسم السنة الموالية حتى قبل الإعلان عن طلبات العروض، وذلك بعلم وموافقة من المندوب السامي نفسه، ومن الفضائح التي كشفت عنها الوثيقة، كذلك، اتهامه اللجنة المشكلة للتحقيق بتعمد إخفاء المعلومات المتعلقة بسنة 2023 لتورط أسماء أخرى بالملف بما فيها أسماء من داخل لجنة التحقيق نفسها.
ولم يقدم رئيس القسم أجوبة مقنعة عن سر النقص الحاصل في العشرات من الصور والإطارات واللوحات، ذلك أنه، في جوابه وتبريره لسبب نقص ونسخ الصور موضوع سند الطلب رقم 18.2021، ارتأى الحديث عن أوراق لاصقة عوض الجواب عن السؤال الواضح في رسالة المندوب عن مآل 43 صورة كما هو متضمن في سند الطلب وليس ملصق كما أجاب هو، وهذا الأمر أكدته رسالة المندوب السامي رقم 5332 بتاريخ 27 شتنبر 2023 (تتوفر «الأخبار» على نسخة منها)، الذي اعتبر أن التبرير عن النقص غير مقنع فالحالتان مختلفتان .
وبشأن التوقيع على الإشهاد بالتوصل بجميع الصور والإطارات رغم عدم صحة الأمر، لم ينف ذلك وإنما برره بكونه ليس الوحيد الذي وقع على الوصولات، فقد حاول توريط رئيس مصلحة التكوين وتنشيط الفضاءات الذي فجر القضية، كونه هو الآخر كان يعلم بعدم صحة التوصل بالطلبية، وأنه وقع بإشهاد توصله بالطلبيتين كاملتين وإيداعهما بالمستودع بشكل كاذب، أو أنه وقع دون معاينة حقيقية، وهذا أمر خطير يبين بالملموس حجم الاستهتار لدى المسؤولين بالمؤسسة وحجم الفوضى والعشوائية داخل المؤسسة.
ورغم سعي رئيس القسم المذكور إلى إلصاق التهمة برئيس المصلحة، إلا أنه لم يستطع نفي أن 160 صورة مؤطرة لا أثر لها على أرض الواقع، رغم التوقيع المسبق بالتسلم، حيث اتهم رئيس المصلحة بتصفية الحسابات الشخصية معه و«أنه يتهادى بالأرقام جزافا» والدليل أنه نفخ في الأرقام بشكل مبالغ وزاد من تلقاء نفسه 20 صورة مؤطرة، وهذا في الحقيقة لا يغير من واقع وجود تلاعبات واختلالات في شيء.
وحسب الرسالة ذاتها، فالنقطة الأخرى التي لم يستطع رئيس القسم المذكور إيجاد جواب أو تبرير لها، تتعلق بغياب 313 إطارا للصور موضوع سند الطلب رقم 40. 2022، حيث سيفجر قنبلة أخرى بعدما ورط المسؤول المذكور معه المندوب السامي، بالتأكيد والإقرار على أنه كان يعلم بحيثيات الأمر، وأنه سبق وأن وافق عليه، بعد اقتراحها في مذكرة مرفوعة له بتاريخ 24 نونبر 2022، وربما هذا ما يبرر سبب حرص المندوب على عدم اتخاذ أي قرار تأديبي أو قضائي في حق المسؤول موضوع الشبهات مخافة توريطه، بل ويبرر حتى رفضه المطلق فتح تحقيق عن السنوات السابقة، رغم كل المطالب والدلائل التي تشير إلى كون القضية تعود لأزيد من سبع سنوات على الأقل، أي منذ تولي الشخص موضوع التحقيق المسؤولية في القسم وليس فقط السنتين موضوع تقرير رئيس المصلحة.
وأشارت الوثيقة إلى أن تلك الإطارات لم تتوصل بها المؤسسة هي الأخرى، رغم أن رئيس القسم وقع وصولات استيلامها، بل هذا المسؤول سيفجر قنبلة من حيث لا يدري حين قال بصريح العبارة «أنه كان ينتظر (في سنة 2022 آنذاك) سحب الصور برسم السنة الموالية 2023»، أي قبل حتى الإعلان عن طلبات العروض حول سندات الطلب، مما يعني أنه متأكد من أن الشركة نفسها هي التي ستعهد لها الصفقة، في تلاعب واضح وخرق سافر لكل المقتضيات القانونية، وهذا لوحده يقتضي فتح تحقيق مستقل .
وفجر رئيس القسم قنبلة أخرى، وهذه المرة عندما سيوجه اتهاما إلى رئيس اللجنة بأنه تعمد إخفاء المعلومات التي تورطه هو الآخر، أي المعلومات التي تخص ثلاثة طلبات عمومية عبر سندات الطلب عن سنة 2023، وهي السنة التي بدأ فيها الأخير مهامه على رأس مديرية الدراسات التاريخية والأنظمة والإحصاءات، حيث اتهمه بالعلم المسبق بكل التفاصيل والحيثيات، بل الأكثر من ذلك أنه وقع على الفاتورة المجسدة للخدمة المطلوبة حتى دون التأكد من حقيقة ذلك على أرض الواقع.
واتهم رئيس القسم اللجنة المكلفة بالتحقيق بتجاهل سند الطلب رقم 5.2023 المتعلق بـ 120 صورة مؤطرة مخصصة للفضاءات المتواجدة بالجديدة وأزمور والبئر الجديد، والتي شابها تضارب غير مقبول في العدد، حسب الوثيقة، حيث وجه اتهاما مباشرا بتعمد تجاهل ذلك لأن مسؤولا باللجنة المكلفة بالتحقيق يتحمل المسؤولية ومتورط فيها هو الآخر. ومن غرائب ما كشفت عنه اللجنة في التقرير وأورده المسؤول في معرض تقديم تبريراته وأجوبته، غياب سجلات مضبوطة وقاعدة معطيات واضحة لهذا القسم، وبرر المسؤول ذلك بأن اللجنة المركزية لم يسبق لها أن سألت عن هذه الملفات، ما يبين مرة أخرى حجم الفوضى والعشوائية التي تحكم تدبير هذه المؤسسة بمختلف أقسامها ومصالحها ووحداتها الإدارية.