شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرخاصوطنية

مراكش تنفض غبار زلزال الحوز لتستقبل سياحها

زوار قرروا مغادرة المدينة لحظة الهزة وآخرون أصروا على زيارتها دعما للسكان

إعداد: النعمان اليعلاوي

 

بعد أزيد من أسبوع على فاجعة الزلزال الذي هز منطقة الحوز وتارودانت، وخلف المئات من الضحايا زيادة على المصابين، كما أخرج سكان مدينة مراكش السياحية من منازلهم ودفعهم للمبيت في العراء بعد انهيار عدد من المباني القديمة، بدأت المدينة الحمراء تستعيد عافتها من جديد وتنفض غبار الزلزال عن نفسها، لتستقبل سياحها، وهي الوجهة السياحية الرائدة عالميا.

مدينة مراكش التي يقصدها السياح من مختلف دول العالم، فيأتيها الباحثون عن الطقس المعتدل في الربيع والخريف للاستمتاع بجمال الطبيعة، ويزورها محبو التزلج على الثلوج لقضاء أوقات ممتعة في المحطات الجبلية المجاورة، ويقصدها الراغبون في تسلق الجبال لصعود جبل توبقال، أعلى قمة جبلية في المملكة، ورغم حرارة الجو صيفا، فإن سحر المدينة لا يخبو، بل تجدها تغص بالزوار من الداخل والخارج.

غير أن عاصمة السياحة المغربية اكتست بالسواد ليلة الجمعة الثامن من شتنبر الجاري، وساد الرعب زوارها وسكانها، بعدما اهتزت الأرض تحت أقدامهم، وخرج الجميع إلى الساحات والحدائق معلنين عن ليال بيضاء مخافة عودة الهزات الأرضية الارتدادية، فتحولت ساحة جامعة الفناء إلى فضاء لإيواء الفارين من تحت الحيطان مخافة الزلزال.

 

 

ليلة رعب الجميع

يحكي حسن أيت بوعلي، وهو تاجر للألبسة التقليدية بساحة جامع الفنا في مراكش تفاصيل «ليلة الرعب» التي عاشها سكان وزوار المدينة العتيقة لمراكش، بكثير من التأثر، مشيرا إلى أن «لحظة الهزة كنت في السقيفة العلوية للمحل أبحث عن مقتنيات لأحد الزبائن، قبل أن نسمع صوتا غريبا تلته رجة للأرض، فلم أدري كيف نزلت ولا كيف خرجت من المحل أنا وزبائني»، على حد وصف حسن، مشيرا إلى الساحة «هذه الساحة تحولت تلك اللحظة إلى ملاذ لجميع من كان في المدينة العتيقة، رجالا ونساء، كبار وصغارا، كما السياح الذين باتوا في الساحة ككل السكان».

رعب ليلة الهزة الأرضية زاده انهيار صومعة أحد المساجد، كما انهارت أجزاء من رياض سياحي ما دفع قاطنيه من السياح إلى المبيت في ساحة جامع الفنا، وقد أصيب حينها سائحان فرنسيان بجروح بسبب شظايا الانهيار، كما أغلقت بعض الأزقة القديمة في المدينة بسبب الركام الناجم عن تساقط جزء من جدار تاريخي، «الكل كان مرعوبا تلك الليلة، لم نبت في بيوتنا ولم ننم أصلا، الكل كان خائفا والتجار أغلقوا محلاتهم، وبائعو الأطعمة في الساحة جمعوا أغراضهم منهم من سافر صباح السبت للمناطق المجاورة من أجل الاطمئنان على أقاربهم وذويهم»، مبرزا أن «عددا من السياح قرروا المغادرة في أولى رحلة إلى بلدانهم».

 

مزارات سياحية تضررت

يبلغ عدد البنايات التاريخية بمدينة مراكش حوالي 951 بناية حسب أرقام وزارة الثقافة، ولم يكن حال هذه البنايات بمنأى عن حال سكان المدينة، فقد أغلقت أبوابها وردت زوارها، منها من تضرر بشكل كبير بسبب الهزة، كما يوضح جمال أبو الهدى عبد المنعم، محافظ المباني التاريخية بالمديرية الجهوية للثقافة بمراكش، الذي أشار إلى أن «الزلزال كان له تأثير كبير على مجموعة من المباني التاريخية بمدينة مراكش، على رأسها قصر الباهية الذي تضرر بشكل كبير، خصوصا قبة سيدي موسى والتي تعد أقدم مرافق القصر».

وإلى جانب قصر الباهية الذي يعد المعلمة التاريخية البارزة لمدينة مراكش، أكد المسؤول بوزارة الثقافة تضرر قبور السعديين، مبرزا أن «قبور السعديين تضررت أبراجها التي ترجع إلى القرن الـ16 وتعود إلى فترة السلطان مولاي إسماعيل»، ونفس الشيء هم قصر البديع، مبرزا أن «القصر تضررت قببه الداخلية بخلاف الجدران التي تمتاز بقوتها وصلابتها والتي لم تتضرر بشكل كبير».

وبخصوص ترميم المباني التاريخية المتضررة، قال أبو الهدى إن «ترميم المباني الأثرية التي تضررت من الزلزال يحتاج على الأقل إلى شهرين من العمل الدؤوب حتى تعود إلى سابق عهدها»، مؤكدا أن هناك مآثر تاريخية لم تتضرر بشكل كبير كشأن «القبة المرابطية التي تم تسجيل أضرار خفيفة بها وسيتم فتحها في الأيام القليلة القادمة»، مشيرا بخصوص الصوامع والأبنية الدينية إلى أن «مسجد الكتبية فيه بعض الأشغال الطفيفة على المستوى الخارجي ولم تتأثر الصومعة بفضل قوتها وصلابتها على اعتبار أنها مبنية بحجارة متينة ويمتد عمرها لأزيد من 9 قرون».

 

مؤطر

مراكش.. القطب السياحي الأول

تستقطب مراكش ما يقارب نصف النشاط السياحي المحلي بفضل بنيتها السياحية، إذ تضم حوالي 70 ألف سرير في 250 فندقا مصنفا، وأكثر من 1300 دار ضيافة، حسب بيانات 2022، وخلال الخمسة أشهر الأولى من العام الجاري، تم الترخيص لنحو 160 مشروعا للإيواء السياحي بطاقة استيعابية تبلغ 7850 سريرا، وينتظر أن يوفر 5028 فرصة عمل مباشرة، وتعززت البنية الفندقية بفتح 25 مؤسسة جديدة للإيواء.

ووفقا لبيانات مرصد السياحة، بلغ عدد السياح الوافدين إلى مطار مراكش المنارة في شهر يونيو الماضي 265 ألف مسافر، مقابل 77 ألفا إلى مطار المسيرة بأكادير، التي تعد أيضا وجهة سياحية مفضلة للسياح بعد مراكش، وبلغ عدد ليالي المبيت في يونيو الماضي في مراكش 707 آلاف ليلة مقابل 530 ألفا في العام 2022.

وتشير بيانات مرصد السياحة إلى أن عدد السياح الوافدين إلى مراكش في الفصل الأول من السنة الجارية، أي ما بين يناير ويونيو، عبر مطار مراكش المنارة بلغ مليونا و652 ألفا، مقابل 876 ألفا سنة 2022، في حين بلغت ليالي المبيت خلال الفترة نفسها 4 ملايين و384 مقابل مليونين و35 ألفا في الفترة ذاتها عام 2022، كما ارتفعت عائدات السفر من العملة الأجنبية الناتجة عن النشاط السياحي لغير المقيمين بالمغرب إلى 48 مليار درهم مقابل 28 مليار درهم في الفترة ذاتها من السنة الماضية بارتفاع 69 في المائة.

  ثلاثة أسئلة لمصطفى المراكشي*:

 

«يجب التعجيل بترميم المباني التاريخية المتضررة من الزلزال لتحقيق الإنعاش السياحي لمراكش»

 

  • هل تواجه مدينة مراكش ركودا سياحيا، بسبب زلزال الحوز؟

فعلا هناك ركود كبير في القطاع السياحي بالمدينة، بسبب الهزة الأرضية الأخيرة التي ضربت منطقة الحوز ووصل صداها إلى مدينة مراكش، بل إلى المدن المغربية الأخرى، حيث إنه لم نعد نرى ذلك النشاط السياحي الذي كنا نسجله كل عام خلال هذه الفترة من السنة. لقد تراجع النشاط السياحي بشكل كبير جدا، ومعه تأثرت مداخيل المهنيين، حيث إن مدينة مراكش معروفة على الصعيد العالمي، وكنا نستقبل سياحا من عدد من الدول البعيدة كالتشيك وبولندا، لكن اليوم لم نعد نسجل دخول هؤلاء السياح، بل فقط السياح القادمين من الدول المجاورة، كإسبانيا وفرنسا وإيطاليا، وربما سيكون هناك تأثير لهذا الأمر في الأيام القادمة، حيث إن العديد من المآثر التاريخية قد تأثرت بهذا الزلزال، وتم إغلاق عدد منها في وجه السياح، كقصر البديع والباهية وغيرهما، بل إننا سجلنا انهيار أجزاء من بعض الرياضات السياحية، وهذا ما يمكن أن يكون له تأثير كما أشرت على النشاط السياحي للمدينة، فقد أبلغتني سائحة فرنسية قدمت إلى مراكش، أمس، أن الطائرة التي أقلتها كانت شبه فارغة، ونأمل من الله أن يتم العمل على ترميم تلك المآثر التاريخية التي تشتهر بها مدينة مراكش وإعادة فتحها، حتى تعود الحياة إلى طبيعتها، ونتجاوز هذه الأزمة التي سببها زلزال منطقة الحوز.

 

  • ما هي المدة التي يمكن أن يستغرقها الأمر لتعود الأوضاع إلى سابق عهدها؟

لا يمكن الجزم بالمدة تحديدا والتي قد تتطلبها عودة النشاط السياحي إلى سابق عهده، حيث إن الصورة التي ينقلها الإعلام الدولي عن مراكش، زيادة على الانطباع الذي سيكون لدى السياح الذين يوجدون اليوم بالمدينة، سيكون لهما تأثير كبير على إطالة هذه المدة أو التقليل منها، فإن كان الانطباع لدى السياح الذين يوجدون اليوم بمراكش على أن الأنشطة السياحية متوقفة وأن المآثر التاريخية مغلقة، فإن هذا يؤثر على نسبة السياح الذين قد يختارون زيارة المدينة، ولهذا فيجب الإسراع بترميم المباني التاريخية التي انهارت أو انهار جزء منها، وذلك بإطلاق عمليات الترميم في أسرع وقت ممكن، بغية فتحها في وجه السياح، أما في حال ما تم إهمال هذا الأمر، فإن النتيجة ستكون عكسية، وقد تطول أزمة المدينة، حيث إن هذه الفترة من السنة تعتبر بالنسبة إلينا بداية الموسم السياحي في مراكش، على اعتبار أنها تأتي بعد موسم الصيف، حيث يكون الجو حارا جدا في المدينة، وهو الأمر الذي يجعل السياح يتوجهون حينها إلى مدن الشمال الأقل حرارة، وقبل فصل الشتاء الذي تكون فيه مدينة مراكش باردة ما لا يسمح لهؤلاء السياح بالتمتع بأشعة الشمس، وبالتالي فشهرا شتنبر وأكتوبر إلى أواسط نونبر هي الفترة المثالية لدى السياح الراغبين في زيارة المدينة، وبالتالي فقد كانت هذه الفترة في السنوات السابقة تشهد توافدا كبيرا للسياح، وهو ما لاحظناه أيضا حتى في الأيام الأولى لشهر شتنبر وقبل الهزة الأرضية، حيث كان هناك رواج سياحي مهم.

 

  • ماذا بخصوص وجود حملة فرنسية ضد السياحة بمدينة مراكش؟

لا يمكن الجزم أن هناك حملة فرنسية ضد السياحة المغربية، وضد مدينة مراكش بالخصوص، حيث أرى أن السياح الفرنسيين أكثر الجنسيات اختيارا لمدينة مراكش، ويمكن اعتبار السائح الفرنسي أو البرتغالي أو الإسباني (ولاد الدار)، وذلك بحكم القرب من هذه البلدان، حيث لدينا العديد من الزبائن الفرنسيين، الذين ألفوا المجيء إلى مدينة مراكش مرتين أو ثلاث مرات في السنة، ومنهم من يختار شراء التذكارات والمواد التقليدية الطبيعية، كزيت الأركان والصابون البلدي، وبعض مواد التجميل الطبيعية بشكل دوري، كأنه مواطن مغربي، بخلاف السياح الأجانب القادمين من بلدان شرق آسيا أو من شرق أوروبا، حيث إن هؤلاء السياح يقتنون التذكارات والمواد الطبيعية بكميات مهمة، لكن لفترات طويلة. وبالتالي لا يمكن الجزم بهذا الأمر على اعتبار أنه انطلاقا مما عاينت، فسياح فرنسيين جاؤوا خصيصا لمراكش للدعم والسياحة بعد زلزال الحوز، كما لا نغفل أن عددا من المستثمرين في القطاع السياحي في مراكش هم فرنسيون، ولا يمكن للفرنسيين أن يطلقوا حملة ستضر بمواطنيهم، حيث سيكون هؤلاء المستثمرون الفرنسيون أول المتضررين من الحملة إن حصلت.

 

*مختص في الشأن السياحي – مراكش

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى