شوف تشوف

الرئيسية

«مذكرات» تبخّرت..

في كل مرة يظهر بالواضح أن بعض الدبلوماسيين والسياسيين الفرنسيين، ممن يفترض أنهم رجال دولة «يا حسرة»، لا يزالون ينظرون إلينا في المغرب بنظرة استعمارية خالصة.

ورغم أننا في زمن الرقائق الإلكترونية والذكاء الاصطناعي و«الهوليغرام»، إلا أن بعض سياسيي فرنسا، بل ومُنظريها سياسيا، لا يزالون يعتقدون أن الرباط مجرد بنايات بيضاء متراصة ونخيل يؤدي إلى إقامة المقيم العام.

بل إن هؤلاء الذين يمثلون اليوم النخبة الفرنسية، ما زالوا يعتقدون أن الصحف الصادرة في المغرب ليست إلا امتدادا لأيام «السعادة»، والمنشورات التي كانت تُنشر فيها قصائد شعرية تتغنى بالوحدة العربية، أيام الاستعمار البريطاني للشرق الأوسط.

هناك اعتقاد راسخ في أوساط مثقفي فرنسا، وهذا أمر لا يريدون الاعتراف به، أن المغرب امتداد للوجود الفرنسي في شمال إفريقيا خلال القرن الماضي، وأن المغاربة ليسوا إلا نتيجة للتفاعل القديم مع الإدارة الفرنسية. في حين أن الأمر يتعلق بمؤامرة سياسية بدأ تفعيلها منذ مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906، وتم الاشتغال عليها بهدوء منذ أيام البعثات التي كانت تُرسل إلى قصري مكناس ومراكش، أيام المولى إسماعيل. هذا السلطان الذي توفي سنة 1727 في قمة تواصله مع حكام فرنسا لتوقيع صفقات تبادل الأسرى، ندا لند.

التطورات الأخيرة التي عرفها موضوع البرلمان الأوروبي، ليست إلا حلقة أخرى في مسلسل طويل بدأ منذ نونبر1955. والذين عاصروا أيام مغادرة الأطر والنخب الفرنسية للإدارات قبل تسليمها إلى المغرب، تمهيدا لتوقيع مارس 1956، لا يزالون يتذكرون كيف تسلمت الأطر المغربية أمثال أحمد بلافريج وعبد السلام بوزيان، الإدارات من الفرنسيين.

فالقاعدة العسكرية في مكناس، التي سلمها الفرنسيون إلى نظرائهم المغاربة الذين تدربوا في فرنسا وتفوقوا على الفرنسيين في مناورات الطيران وتسيير القواعد، لم يتركوا فيها أي شيء صالح للاستعمال، بما في ذلك المصابيح. وبقي الذين عاشوا تلك المرحلة الانتقالية وهم في سن الشباب، يتذكرون كيف أن بعض المسؤولين الفرنسيين رفضوا تسليم وثائق الإدارات إلى الأطر المغربية يدا بيد، ومنهم من تخلص منها في سلة المهملات عمدا، لكي «ينحني الموظفون المغاربة الجدد لانتشالها».

هؤلاء الفرنسيون كانوا يحتاجون إلى درس معمق في العلاقات الدولية، قبل أن يطلقوا الأحكام الاستعمارية المجمدة على المغرب. العلم أثبت أن استهلاك المواد المجمدة يؤثر سلبا على الصحة. والفرنسيون أمضوا قرابة قرن من الزمان وهم يستهلكون أفكارا مجمدة عن المغرب.

حتى أن أحد الرحالة البولونيين، والذي زار المغرب خلال القرن الثامن عشر، كتب مذكرات باللغة الفرنسية، عمد الفرنسيون إلى إخفائها، ولم يجد لها الباحثون المغاربة أي أثر عندما أرادوا، وعلى رأسهم الوزير والدبلوماسي والأكاديمي الراحل عبد الهادي بوطالب، الاشتغال عليها وتحقيق مخطوطها الأصلي.

لماذا أخفى الفرنسيون هذه المذكرات؟ لأن هذا الرحالة البولوني، واسمه «جون بوتوكي» (J. Potocki)  كتب بكثير من التجرد عن المغاربة، وانبهر بعراقة الحضارة المغربية والتاريخ الذي راكمته الدولة المغربية.

وبما أن الفرنسيين أخفوا هذه المذكرات، كيف عرف عبد الهادي بوطالب بأمرها؟ كان هناك دبلوماسي مغربي، اسمه الدكتور عبد السلام الحراقي، اشتغل سفيرا للمملكة المغربية في «فارسوفيا»، بداية السبعينيات، حاول كثيرا الحصول على هذه المذكرات، لكنه لم ينجح في مسعاه، واكتفى بالإشارات التي قدمها مؤرخون فرنسيون إلى بعض مضامينها التي تصف واقع المغاربة، وتجربة الرحالة البولوني، بخط يده، في المغرب.

البولونيون أنفسهم أرادوا الحصول على مذكرات هذا الرحالة الذي ينتمي إلى بلادهم، لكنهم لم ينجحوا في استعادة النص الأصلي لمذكراته عن مهمته في المغرب، خلال القرن الثامن عشر. وقد نادى الكاتب البولوني «ألكسندر بروكنير» سنة 1911 بضرورة الحصول على تلك المذكرات، باعتبارها إرثا بولونيا من حق البولونيين الحصول عليها، وترجمتها من الفرنسية إلى اللغة البولونية، لكن لا شيء من هذا حدث.

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى