مدرب من بلاد الغال
يبتلع مدرب الوداد بن يامين جان توشاك في شهر واحد رواتب جميع مستخدمي النادي، فهو يعيش أزهى أيامه في المغرب، يغير مكان إقامته من فندق فخم إلى آخر يفوقه فخامة، لا يرد له طلب لأنه مدرب أجنبي يملك الحصانة الكروية.
ولأنك مدرب مستورد من بلاد الغال، فإنك غال والطلب رخيص، والويل ثم الويل لمن رمقك يا مستر توشاك بنظرة غضب أو «توشاك» أو أزعجك، أو سألك عن سر هزائم أشبه بضربات الرصاص المطاطي لا تزعزع مكانة فريقك في الصدارة.
يتقاضى المدرب الويلزي 45 ألف دولار شهريا، معفاة من جميع الاقتطاعات الممكنة، ويملك صلاحيات واسعة لتغيير مقر إقامته متى شاء، فجميع الفنادق المصنفة تحت تصرفه، وعندما يحن إلى جبن أمه وقهوتها، يركب الطائرة دون استئذان ويصل الرحم، وحين يعود يستقبله سائقه الشخصي وينقل له تهاني الرئيس على سلامة السفر.
لكن للأمانة، فإن هذا المدرب لا يتقاضى منح الفوز والتعادل في المباريات، فباقتراح من وكيل أعماله فضل تحويل حوافز بالتقسيط إلى منحة بالجملة في نهاية الموسم، بينما يشتغل مساعدوه دون حوافز تذكر إلا ما في قلوبهم من حب دفين للون الأحمر، الاستثناء الوحيد هو مساعده الإسباني أولفارتي الذي يتقاضى شهريا عشرة آلاف دولار فقط.
يفضل جان توشاك الجلوس في مقهى «السي ابراهيم» التي لا تبعد عن مقر إقامته إلا ببضع خطوات، هناك يفضل مشاهدة مباريات الدوري الإنجليزي دون سواه، وحين يصادف مباراة مقدمة برسم البطولة المغربية، يطلب من النادل تغيير القناة، وكأن بينه ومباريات الدوري المحلي عداوة. وحين يعود إلى الفندق يتوقف في خمارته بضع ساعات للتزود بالنبيذ الشروب، قبل أن يركب المصعد وهو يغني ليلاه الويلزية طبعا.
حسب رواية الوداد، فإن شركة «سامير» هي التي تسدد راتب المدرب الويلزي، وإذا صدقنا هذه الرواية، فإن توشاك جزء لا يتجزأ من أزمة شركة تكرير النفط، العاجزة عن أداء مستحقات عملائها باستثناء مدرب الوداد الذي لا يهمه ما إذا كان العمودي، رئيس مجلس الشركة، يغرق أو يتنفس تحت الماء.
حين عرض البرتغالي وكيل اللاعبين المدعو ريبيري، على رئيس الوداد صفقة شراء مدرب اسمه توشاك، طمأنه حول العرض وقال له «بيع ومقال»، مع ضمانة سنة على غرار الأجهزة الإلكترو منزلية. بدا هادئا في أول أيامه مع الوداد، وحين فاز باللقب تكبر وتجبر، وقال أنا وبعدي الطوفان، فأصبح في عامه الثاني محاطا بكل وسائل البذخ بينما تضطر منظفة الملعب إلى الاستعانة بمنتدب قضائي لتدوين واقعة تأخير صرف راتب شهري دون الحد الأدنى للكرامة، فيما يلجأ أغلب المستخدمين إلى الصمت ويعتبرونه حكمة حين تتأخر رواتبهم ويصبحون في عداد الأحياء الذين لا يرزقون.
في ندوة صحفية أعقبت إحدى مباريات الوداد، سألت توشاك عن سر تغيير ثلاثة لاعبين دفعة واحدة، فتخلص الرجل من برودة الدم التي تميز أهل بريطانيا، وثار في وجهي وشرع في تلقين الصحافيين أبجديات اللقاء الإعلامي، قبل أن يسألني عما إذا كانت لي نية الاستحواذ على منصبه، ما دمت اقتحمت عوالم تقنية اعتقد أنها حكر على التقنيين.
قلت لتوشاك: اطمئن لا خوف على منصبك، لن يزاحمك صحفي مهما بلغت نباهته التقنية، لكن إذا كنت مصرا على ذلك فشرطي الوحيد أن أتقاضى راتبك نفسه، فضرب كفا بكف وهم بالانصراف.
يصر رؤساء الأندية على الاهتمام بـ«الفيترينة» فيغدقون المال والامتيازات على لاعبي ومدرب الكبار، أما مؤطري الفئات الصغرى فيذرفون أمامهم دموع الخصاص، ويعرضون شهادة الاحتياج ويذكرونهم بمخطط ترشيد النفقات.. لذا كان مشهد مدرب صغار الرجاء مثيرا للشفقة حين جمع لاعبيه الأطفال في نهاية الحصة التدريبية وطلب منهم رفع أكف الضراعة إلى الله والتفضل بدعاء مستجاب كي يفرج عن الرواتب ويزيل ضيق الحال. تحلق الأبناء حول مدربهم وصاحوا بصوت طفولي مسموع: «الله يرحم الوالدين».