شوف تشوف

شوف تشوف

مخاض صعب

داخل الصالونات يتهامس القوم حول الانتخابات المقبلة في ضوء التطورات المتسارعة لأرقام الإصابات بفيروس كورونا وارتفاع أعداد الوفيات، يتساءلون هل سيتم تنظيمها كما قال وزير الداخلية في موعدها، أم سيتم تأجيلها.
في المطبخ الداخلي للحزب الحاكم يحتل هذا الموضوع مساحات واسعة، ومن قرأ قراءة سياسية بلاغ الأمانة العامة للحزب الصادر يوم 26 يوليوز الماضي لا بد أنه توقف عند الفقرة المفصلية التي يقول فيها كاتب البلاغ مطالبا إخوانه بالتفكير في وضع “أرضية تقرير سياسي حول المرحلة تعرض للسياق الدولي والإقليمي والوطني سياسيا واقتصاديا ولبعض المعالم والتوجهات التي تتعين مراعاتها في التدبير السياسي للمرحلة”.
وعندما نتمعن في هذه الدعوة نجدها مطابقة لما أعلن عنه عبد اللطيف المكي القيادي في حركة النهضة التونسية ووزير الصحة السابق عندما نشر قبل أيام على صفحته بالفيسبوك هذه البشارة “نحن مستبشرون وننتظر ولادة نهضة جديدة، نهضة ما بعد الثورة وبعد تجربة المشاركة في الحكم”.
ويبدو والله أعلم أن ثمة مخاضًا عسيرًا داخل حزب العدالة والتنمية لإخراج أرضية تتضمن خارطة الطريق التي سيسلكها الحزب خلال الأيام الصعبة القادمة، للمحافظة على سفينته من الارتطام بالصخور غير الظاهرة التي توجد تحت مياه بحر السياسة الراكد.
وبالنسبة للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذي اكتشف هواية التجول في أسواق الخردة، فهذا المخاض يجب أن يظل في غرف الولادة السرية للحزب وأن يسمعه فقط المعنيون بتفكيك شفراته، ولا يجب أن يتسرب صوت ألم الولادة إلى مسامع الخصوم.
لذلك قال العثماني إنهم في الحزب منشغلون بخدمة الوطن والبعض مشغول بهم وبالانتخابات.
ولعل كاتب بلاغ الحزب عندما استحضر ضرورة أخذ السياق الدولي والإقليمي والوطني بعين الاعتبار أثناء إعداد الأرضية كان يقصد ما يحدث في تونس التي كاد ملتمس سحب الثقة من الغنوشي قاب قوسين من إسقاطه عبر جلسة تصويت سميت بجلسة يوم عرفة، حيث صوت لصالح ملتمس سحب الثقة 97 صوتًا ولم يكن يلزم المعارضة سوى 12 صوتا لكي يمر الملتمس في مجلس الشعب، وما أنقذ الغنوشي هو الأصوات الملغاة، 20 صوتًا، إضافة إلى موقف حزب قلب تونس الذي قاطع جلسة التصويت، وهو العدو التقليدي لحزب النهضة، ما يوازي حزب الأصالة والمعاصرة بالمغرب.
في الأردن، وقبل ثلاثة أسابيع، تم الإعلان عن حل جماعة الإخوان المسلمين.
في الملف الليبي رأينا كيف كانت زيارة وزير الخارجية السعودي للمغرب لافتة، حيث أكد وزير الخارجية السعودي على أن مرجعية مؤتمر الصخيرات صالحة كأرضية للخروج من الأزمة الليبية، وتصريح وزير الخارجية المغربي الذي أكد فيه أن أمن وسلامة السعودية خط أحمر وأن دعم المغرب دائم ومتواصل.
داخليًا يكاد يتفق الجميع على أن تجربة الإسلام السياسي، وتحديدا التجربة المغربية نموذجًا، أثبتت فشلها في التسيير.
فتجربة عشر سنوات أنهكت الحزب وصورته، فقد دفع ضريبة السلطة وأصبح رصيده السياسي مهددا بالإفلاس، لذلك طفا على السطح داخل الحزب نقاش حول احتمالات التراجع إلى الخلف من أجل إعادة قراءة مواقع ومآلات الحزب واختياراته وأساساته الإيديولوجية، والتي يرى البعض أنها لن تكون سوى دفعا بالحزب نحو التطور باتجاه حزب مدني بدون خلفية دينية، وبعبارة أوضح القطع مع استغلال الدين في السياسة.
منطقيًا هذا هو التطور الطبيعي الوحيد الذي يمكن أن يضمن استمرار حزب العدالة والتنمية دون السقوط في المهاوي السحيقة ذاتها التي سقطت فيها الأحزاب المسماة وطنية.
لذلك فهناك توجه داخل الحزب يدعو إلى ضرورة العودة إلى المجتمع بعد القطيعة التي أدخله فيها قياديوه بسبب الاختيارات الحكومية غير الشعبية التي تحملوا مسؤوليتها طوال عشر سنوات من قيادة الحكومة.
عمليًا فالحزب خلق سلسلة قطائع مع الأحزاب والنقابات والباطرونا والمجتمع المدني، والوقت حان لكي ينجز نقده الذاتي وأن يستوعب أنه لا يمثل الشعب المغربي بل يمثل فقط الكتلة الناخبة التي استطاع تشكيلها طيلة 13 سنةً في المعارضة البرلمانية و10 سنوات من المظلومية الحكومية.
وطبعا فقيادة العدالة والتنمية تعرف أكثر من غيرها أن الحزب الأول في المغرب هو حزب المقاطعين وعددهم ثمانية ملايين.
أما الحزب الثاني فهو حزب غير المسجلين وعددهم سبعة ملايين، فيما الحزب الثالث هو حزب العدالة والتنمية الحاصل على مليون و600 ألف، يليه حزب الأصوات الملغاة وعددها مليون و350 صوت.
هذه هي الخريطة السياسية الحقيقية في المغرب، ولذلك فليس صحيحًا ما يقوله حزب العدالة والتنمية من أنه يمثل 32 بالمائة من الأصوات، حيث يعتمد على الكتلة المصوتة وليس الكتلة الناخبة للخروج بهذا الرقم، والحال أن العدالة والتنمية لديه نسبة 7 بالمائة من أصل 22 مليون مغربي يحق لهم التصويت. أما إذا أحصينا فقط عدد الأصوات المسجلة في اللوائح الانتخابية فإن نسبة التمثيلية هي 10 بالمائة، وهي نسبة لا تسمح بادعاء تمثيل المغاربة.
ومع ذلك علينا أن نكون منصفين ومنطقيين وأن نعترف بأنه إذا تم تنظيم الانتخابات غدا فإن حزب العدالة والتنمية يبقى مرشحا قويا للفوز بها لاعتبارات لا علاقة لها بشرعية المنجز بل بضعف منافسيه وغياب بعضهم الكلي.
لكن السؤال المركزي هنا هل الفوز بالانتخابات بالنسبة للعدالة والتنمية يوافق المصلحة العليا بالنسبة للبلد في هذه الظروف الصعبة محليًا وإقليميًا ودوليًا؟
بعبارة أخرى هل من مصلحة الحزب أن يقود تجربة حكومية ثالثة وأن يبقى في الحكم لخمسة عشر سنة متتالية؟
شخصيا لا أعتقد أن الحزب ما زال لديه ما يقدمه كقائد للتجربة الحكومية، فكل ما يمكن أن يقدمه قد استنفده خلال العشر سنوات التي قضاها في التدبير الحكومي.
وحصيلته كما تشهد بذلك الأرقام هزيلة، بل كارثية في بعض المجالات.
في تاريخ المغرب السياسي لم يحدث أن قاد حزب سياسي واحد تجربتين حكوميتين فالأحرى أن يقود ثلاث ولايات حكومية متعاقبة.
وحتى تونس التي لديها دستور متقدم نتج عن ثورة الياسمين ينص على أن قيادة الحكومة تكون للحزب الذي يتصدر الانتخابات ومع ذلك ضمن 13 حكومة عرفتها تونس منذ الثورة إلى اليوم ثماني حكومات كانت تكنوقراطية.
لذلك يبقى خيار الزهد في ترؤس الحكومة حتى في حالة تصدر الانتخابات والاقتصار على المشاركة ضمن الائتلاف الحكومي خيارًا مطروحًا داخل الحزب يمكن أن يفضي إلى نقاش علني حول مآلات المشاركة السياسية لحزب كبير مهدد في شرط وجوده اليوم أكثر من أي وقت مضى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى