محمد الفاسي.. وزير التعليم الذي تزوج مليكة الفاسي فأنجبا وزيرا للسكنى
ولدت مليكة الفاسي سنة 1919 في فضاء علم ودين، فوالدها المهدي الفاسي كان قاضيا جاب كثيرا من مدن المملكة من قبيل فاس ومكناس والفقيه بن صالح وبرشيد. ولأن مليكة ولدت في وسط ذكوري وكانت الفتاة الواحدة في دار القاضي، فإن والدها أصر على إلحاقها بكتاب لتعليم القرآن الكريم كان مخصصا للفتيات، قبل أن تنتقل لاستكمال تعليمها على يد علماء الفقه من أصدقاء والدها، سيما حين أصبح الأب المهدي مديرا لجامعة القرويين بفاس.
لم يخرج محمد الفاسي عن التقاليد الفاسية في الزواج، حيث ارتبط، وهو في سن مبكرة من شبابه، حيث اختار له والده القرب من عائلة «القاع والباع»، وتقرر أن يرتبط بمليكة الفاسي التي يتشارك معها في «الجد» عبد الواحد الفاسي. ولأن عائلة الفاسي متشعبة ومتداخلة، فقد أصبح من الصعب الحسم في تضاريس العائلة التي تربط مصاهرات في ما بينها، وتنجب أبناء وأحفادا بأسماء الأجداد نفسها.
تزوجت مليكة الفاسي في ريعان شبابها بمحمد الفاسي. الزوج كان واعدا وتنبأت له العائلة بشغل المناصب لأنه كان يعد سلفا لهذا الأمر. في حين كان محكوما على زوجته مليكة الفاسي، أن تقف عند زوجة الوزير، رغم أنها كانت تنشط سياسيا. فقبل أن يكون اسمها ضمن الأسماء التي طالبت باستقلال المغرب في وثيقة 11 يناير 1944 الشهيرة، وعمرها لم يكن يتجاوز 25 سنة.. كانت لها ميولات سابقة نحو التعاطف مع حزب الاستقلال الذي كان ينتمي إليه أغلب أفراد العائلة، إن لم نقل كلهم.
قبل محمد الفاسي الارتباط بزوجة فيها بذور الزعامة، حيث كانت من المناضلات في مجال النهوض بالمرأة المغربية، ولم تكن تترك الفرصة تمر دون أن تطالب، عبر حزب الاستقلال، بإدماج الفتاة المغربية في الحياة العصرية، وناضلت أكثر من أجل السماح لها بمتابعة دراستها بجامعة القرويين في الأربعينيات والخمسينات من القرن الماضي. وهي الدفوعات التي عبرت عنها أيضا من خلال كتابات صحفية في كثير من المنابر، خاصة صحيفة «العلم»، ناهيك عن نضالها في محراب العمل الخيري حين ترأست بعض الجمعيات الإحسانية.
انتقلت مليكة الفاسي إلى مدينة الرباط للاستقرار رفقة زوجها، وكان بيتها مكانا لعقد اجتماعات أعضاء الحركة الوطنية السرية.. كانت لها علاقة وطيدة بالملك محمد الخامس وزوجته الأميرة عبلة، نظرا لمكانة زوجها محمد الفاسي الذي كان يشغل منصب مدير للمدرسة المولوية وأستاذ يلقـن الأمراء والأميرات مبادئ الدين الإسلامي واللغات.. حيث كان محمد الخامس يحرص على حضور دروسـه.
وأبرزت مليكة الفاسي، في أحد حواراتها التلفزيونية، أن الإعلان عن وثيقة المطالبة بالاستقلال خلف ردود فعل قوية لدى المستعمر الفرنسي الذي طارد أعضاء الحركة الوطنية، فاستشهد العديد ونفي علال الفاسي إلى الغابون، واعتقل محمد الفاسي وآخرون.
«كانت تقف خلف زوجها عندما وصل إلى الوزارة أول مرة سنة 1956 عند تعيين أول حكومة مغربية. كان الجو العام وقتها محتقنا، خصوصا داخل منازل آل الفاسي، لأنهم كانوا يريدون تمثيلية أكبر في أول حكومة مغربية. وبما أن مليكة الفاسية لم تكن بعيدة عن السياسة ولم تحصر نفسها في المطبخ شأن أغلب النساء المغربيات، فقد كانت مرتاحة نسبيا لأن زوجها اختير ليكون أول وزير للتعليم في تاريخ المغرب، على الرغم من أن أبناء عمومتها وإخوانها لم يظفروا جميعا بوزارات، وهو ما كان مخيبا لآمال الأسرة في البداية. لكن وصول محمد الفاسي إلى وزارة التعليم وبعدها إلى وزارة الثقافة، شكل انتعاشة حقيقية للوسط العائلي القريب».
أنجبت مليكة الفاسي أربعة أبناء، أولهم سعيد الفاسي، الذي سيصبح في ما بعد وزيرا للسكنى، ومعه ستنال مليكة لقب «زوجة الوزير وأم الوزير»، والابن الثاني هو عبد الواحد على اسم جده، وسيصبح عضوا في الديوان الملكي، وهكذا سيكتمل نفوذ الأم مليكة الفاسي وسط العائلة، لأن ابنها صار عضوا داخل الديوان الملكي. ستنجب مليكة الفاسي ابنتين أيضا، إحداهما أمينة الفاسي، التي ستصبح أستاذة جامعية.