محمد الخامس انتزع وعدا باستقلال المغرب من روزفلت في لقاء آنفا
يونس جنوحي
الكل كانوا ضد فرنسا. لقد رأينا كيف كان رد فعل المغاربة على السلطات، خصوصا على الجيش. كان الجنرال «نوغيس» قائدا ناجحا وشعبيا، لكنه، الآن، ارتكب غلطة نزولا عن أوامر «فيشي». فقد عارض عمليات إنزال الحلفاء، وبعد نجاح العملية عُزل بشكل غير رسمي، ولولا أنه هرب لما أفلت من الاعتقال. وحتى ذلك الحين، كان الفرنسيون يستحوذون لوحدهم على التقدير المغربي. أما الآن تراجعت هيبتهم.
استغل الوطنيون الفرصة لتسوية خلافاتهم مع فرنسا بشكل مؤقت، وجعلوا من أنفسهم حزبا مستقلا أطلقوا عليه اسم حزب الاستقلال. كان برنامج الحزب يهدف إلى تحقيق استقلال معتدل خلال فترة انتقالية، بالاتفاق مع فرنسا. مرة أخرى كان الجواب هو اعتقال القياديين. هذه المرة اندلعت مظاهرات وأعمال عنف في عدد من المدن، وهو ما أدى إلى إزهاق للأرواح.
ومع ذلك، فإن نهاية الحرب، بالإضافة إلى تحسن الوضع الاقتصادي، والإصلاحات التي تم تنفيذها، أو قُدمت كوعود أو أخذت بعين الاعتبار، كلها أسباب اتحدت لتلطيف الأجواء.
تبنى الفرنسيون عددا من الأفكار الليبرالية. سُمح للمعارضين بالعودة، خُففت الرقابة، بُوشرت التحركات الاستكشافية الأولى للبحث عن اقتراحات لممثلين سياسيين، ثم، بعد ذلك، وجد الوطنيون حليفا جديدا، هو السلطان.
لم يكن سيدي محمد الخامس أكبر أبناء أبيه سنا، لكنه كان المفضل عند الفرنسيين سنة 1927، فقد كانوا يفترضون أن صغر سنه سيجعل شخصيته سهلة الانقياد. لقد دعم فرنسا بإخلاص ولم يتزعزع أبدا حتى في أحلك أيام الحرب. وكيفما كانت آراؤه بخصوص الحركة الوطنية المغربية، فقد أبقاها لنفسه. عندما طالب حزب الاستقلال سنة 1943 باستقلال البلاد تحت حكم السلطان، لم يُبين للقياديين أي تشجيع. ومن جهة أخرى، أعلن عن نيته التعاون مع الفرنسيين في سلسلة من «الإصلاحات في إطار الحماية الفرنسية».
ومع ذلك، فإن مؤتمر الحلفاء في الدار البيضاء، وخاصة اجتماعه مع الرئيس روزفلت، أثّر فيه بقوة. تحدث الرئيس من منطلق ميثاق المحيط الأطلسي، واستنكر الاستعمار، مستعملا المصطلحات الأمريكية التقليدية، ووعد ببذل قصارى جهده لضمان استقلال المغرب بعد الحرب.
بدا واضحا أن هذه المحادثة كان لها تأثير كبير على السلطان. وحتى ذلك الوقت، كانت جميع اتصالاته الخارجية تحت الوصاية الفرنسية، وكان هذا أول حديث خاص يجريه مع رئيس دولة قوية.
من الممكن أن يكون السلطان أولى اهتماما كبيرا بكلمات الرئيس التي قد تبدو لسياسي متمرس بلا معنى تقريبا.
لقد أخبرني بعض قادة حزب الاستقلال أنهم، منذ تلك اللحظة، صاروا متأكدين من دعم السلطان المطلق لهم، وهو ما جعلهم يدخلون في موجة من الصراعات الداخلية.
ومع ذلك كله، كان الحذر السمة الأساسية لسياسة السلطان الرسمية، التي لم تفارقه الآن. لقد سمح للأحداث بأن تتطور في إطار نمطها الخاص. كان واضحا أنه تأثر بأحداث سنة 1944، عندما لم يتخذ الفرنسيون موقفا حازما على الرغم من اندلاع أعمال الشغب التي صار لها بُعد قومي، في الرباط وفاس.
ربما أخطأ السلطان في تفسير تردد الفرنسيين، لأن فرنسا كانت وقتها في حالة حرب، وبالتالي فإنها كانت ضعيفة جدا داخليا. ومع ذلك لم يتدخل إلا في أبريل سنة 1947، لكي يتعامل مع الوضع، عندما اندلعت الأحداث، وكان السبب هو شجار جندي سنغالي مع سيدة مغربية.