محمد الأبيض : خاطفو المانوزي حصلوا على مكافأة سخية وامتيازات
حاوره: يونس جنوحي
كنت تتوقع أن يتم تفتيش السيارة؟
+الجواز الدبلوماسي يضمن معاملة تفضيلية على الحدود مع الجزائر. وبالتالي كانت مسألة تفتيش السيارة أمرا مستبعدا. إلا أن تعرّف الشرطي الجزائري على الراكب الثالث معنا أخّر عملية العبور من منطقة «زوج بغال».
أريد هنا أن أستوضح منك أمرا. هل كان الحسين المانوزي مخدرا؟ هل تعرض للتعذيب؟
+لم أكن مع الخاطفين. أنا كنت في إيطاليا عندما وقع الاختطاف في تونس ولم أحضر تفاصيل العملية. وجوازي الدبلوماسي يؤكد هذا الأمر. إذ إنني لجأت إلى هذه المراوغة حتى لا أحضر يوم الاختطاف، لكن رئيس فرقة الاختطاف أصر على حضوري الفوري.. إلا أن الحسين المانوزي عندما رأيته في صندوق السيارة مكبلا لإدخاله بالقوة إلى المغرب، لم تكن بادية عليه أي علامات عنف في الحقيقة.
أقصد في اللحظات التي كنتم فيها في النقطة الحدودية «زوج بغال».
+لم تصدر عنه أية مقاومة في الحقيقة. ولو أنه أصدر صوتا أو ضجيجا في الصندوق لأمر الشرطي بفتحه وربما تم إنقاذه. لكنه لم يتحرك في الحقيقة.
بقينا ننتظر في السيارة. حاولت النزول لكي أتبين ما يقع لكن الشرطي الجزائري أمرنا بالانتظار إلى أن يحصل على الموافقة بعبورنا عبر الراديو.
خمنت أنه أخبر رؤساءه بأنه يشك في أحد الركاب، لأنه كان متأكدا من أنه شرطي. ولاحقا تأكدت فعلا أن الشرطي الجزائري كان في السابق يعيش في الرباط، وفعلا كان يرى الراكب الثالث في شرطة المرور بمدينة الرباط، ولا أحد يدري كيف تحول من شرطي بسيط إلى عضو في فرقة عمليات تابعة للأجهزة السرية.
كيف انتهى الترقب إذن؟
+انتهى الترقب بعودة الشرطي الجزائري وفي يده جوازات سفرنا. وبدا أن جوازي الدبلوماسي قد لعب دورا كبيرا في السماح لنا بالعبور. كانت العلاقات المغربية- الجزائرية سنة 1972 متوترة وربما لم يكن المسؤولون الأمنيون يريدون تعقيد الأمور معنا، خصوصا وأن السيارة أيضا تحمل ترقيما دبلوماسيا.
أعاد الشرطي إلينا الجوازات وواصلنا الطريق. كان قائد الفريق يأمرني في كل لحظة بالإسراع. وكنت أحتج عليه وأخبره أنه ليس رئيسي في العمل وأنه يتعين عليه ألا يحدثني بلهجة الأمر.
لقد كان أحد أكبر الدوافع التي جعلتني أذعن للخاطفين وأرافقهم هو رغبتي في الاطمئنان على السلامة الجسدية للحسين المانوزي. فقد كان قائد الفريق يتحسس مسدسه المخفي بعناية أسفل ملابسه في كل لحظة. ولو أن شرطة الحدود في زوج بغال فتشوه لوجدوا السلاح معه. وتوتره ربما قد يجعله يقرر قتل المانوزي في أية لحظة. لكني فهمت من خلال الأحداث أن الأوامر التي كانت لديهم تقتضي نقله حيا سالما إلى الرباط.
وصلتم إذن إلى الرباط. كيف انتهى الأمر؟
+بالنسبة لي انتهى الأمر عندما وصلنا إلى المغرب. وقال لي رئيس الفرقة إن مهمتي انتهت. وفعلا ذهبت إلى مقر وزارة الخارجية لكي أتفقد بعض الأوراق الإدارية، وغادرت المغرب على الفور.
كنت أعرف أنه لم يكن مسموحا لي بالسؤال عن مصير الحسين المانوزي، لكني سمعت أنهم احتفظوا به للتحقيق.
هذا يعني أنك أصبحت عضوا في الفرقة الخاصة للجنرال الدليمي؟
+لا هذا ليس صحيحا. الجنرال شخصيا كان يكلفني ببعض المهام في الخارج. لم يسبق لي أبدا الاشتغال في قضية سرية في المغرب. كل المهام التي قمت بها لصالح المخابرات كانت في الخارج.
غادرت المغرب صوب تونس؟
+كنت وقتها قد طلبت نقلي إلى إيطاليا.
لماذا إيطاليا وليس أي مكان آخر؟
+لأن زوجتي كانت إيطالية، وأيضا لأنني رغم أنني كنت في تونس، إلا أنني كنت أزور روما بانتظام. وهناك سبب رئيسي آخر، يتعلق بالجنرال الدليمي. لقد كان يريد أن يضعني في إيطاليا وأشتغل في السلك الدبلوماسي بشكل عادي، لكن معه لكي أراقب تحركات الليبيين هناك، وأيضا الجزائريين. لقد كانت تحركات كثيرة معادية للمغرب تجري في إيطاليا في عهد العقيد القذافي.
خلال اشتغالك في تونس وترددك على الحدود الليبية.. هل شهدت عمليات اختطاف مماثلة؟
+كنا نراقب التحركات على الحدود وأكتب بشأنها التقارير.
وقضية الحسين المانوزي كانت أقوى ما وقع في الحقيقة..
أريد أن أوضح معك نقطة بخصوص تلقي الحسين المانوزي أموالا من الجنرال الدليمي. هل كانت هناك نية لاستقطابه من طرف الجنرال؟
+لو كانوا يريدون استقطابه للتجسس مثلا على المعارضة لما أرسلوا الفرقة الخاصة لاختطافه، وربما حاولوا معه بطرق أخرى. المساعدات المالية التي نقلتها له في مناسبات متقاربة من الجنرال الدليمي كانت مجرد مساعدة من الجنرال له وكان يخبرني أن أبلغ المانوزي رسالة مفادها أن يهدئ قليلا من الأنشطة المعارضة للمغرب، خصوصا في إذاعة صوت ليبيا الشهيرة.
أما أن يكون الأمر محاولة لاستقطابه أو «شرائه» فهذا أمر لم أقله ولم ألمح له لا من قريب ولا من بعيد، وحتى الجنرال الدليمي لم يطلب مني هذا الأمر.
ربطتني بالحسين المانوزي علاقة إنسانية وطيدة وشاركته لحظات لا تُنسى. هذا ما أستطيع قوله.
كيف تلقيت خبر فراره من المعتقل سنة 1975؟
+وقتها كنت في إيطاليا وتأسفت كثيرا في الحقيقة لتواصل مأساته. أريد أن أشير إلى مسألة مهمة بشأن ملف اختطاف الحسين المانوزي، وهي أن أفراد الفرقة التي تكلفت باختطافه حصلوا على تعويض مالي سخي جدا.
كم؟
+لا أستطيع إعطاء رقم. إلا أن أحد مصادري القوية في العمل أكد لي أن الإدارة صرفت تعويضا سخيا للأفراد الذين شاركوا في اختطاف الحسين المانوزي في تونس، ورئيس الفرقة أصبح مسؤولا أمنيا كبيرا في عهد إدريس البصري. والمفاجأة أنهم وضعوا اسمي وأخذوا تعويضا باسمي أيضا. رغم أنني كنت خارج المغرب ولم أحضر ولم أتسلم أي شيء.
لو أخبروك في ذلك الوقت هل كنت لتأخذ المكافأة؟
+لم أفكر في الموضوع حقيقة. كنت قد طويت الصفحة وحاولت الابتعاد عن تلك الأجواء، لكن الجنرال الدليمي كان يأمرني بالتعاون مع مكتبه، بالإضافة إلى عملي في السفارة.