شوف تشوف

الرأي

محاربة الأمية الثقافية

يونس

هناك خصومة مثيرة بين النخب السياسية في المغرب وكل ما يُطبع. لا نقول هذا الكلام بمناسبة المعرض الدولي للكتاب في نسخته الحالية هذه الأيام، وإنما لأن حالة المرافق الحزبية المرتبطة بالثقافة وعالم النشر، مثيرة فعلا للرثاء.
لا حاجة طبعا لكي نذكر بأن الحزب الذي يقول إنه يتوفر على أكبر قاعدة والحاصل على أغلب أصوات الناخبين لا يتوفر على جريدة ناطقة «بحال الحزب». أي أن هؤلاء الذين ينتمون إليه يستخسرون في حزبهم ثمن نسخة يومية تبقي الجريدة على قيد الحياة. وإلا لماذا توقفت بشكل مفاجئ عن الصدور. كان عليهم الإبقاء على الجريدة ولو لنشر صفحة أو صفحتين لركن التعارف. لكنهم اختاروا الإبقاء فقط على الواجهة الإلكترونية للحزب، وهذا الأمر يشرح كيف أن القيادات السياسية لم تعد تنظم الندوات ولا تؤلف المنشورات، كما في بقية دول العالم المحترمة التي سبقتنا إلى الأنترنت، حتى لا يتحجج هؤلاء باكتساح الأنترنت كتبرير لعدم توفرهم على إنتاج فكري وأدبي يجسد النخبة المثقفة داخل الحزب.. فالسبب راجع بالأساس إلى الضحالة وانحدار المستوى الثقافي للنخب.
لقد ولى زمن المجلات الثقافية في المغرب، والتي كان يكتب داخلها كبار مشاغبي شبيبة اليسار المعارض وقتها، قبل أن يتم تدجين اليسار وتُقتل الثقافة على أيدي المثقفين الذين أصبح كل همهم، خلال نهاية التسعينات، هو الانتساب إلى ديوان وزير الثقافة وحضور الأمسيات التي تتكفل بها الوزارة، وإصدار المطبوعات التي تُطبع من المال العام في إطار دعم المشاريع الثقافية.
الليبراليون أيضا أصبحوا مهترئين تماما مثل الشقق المفروشة المطلة على البحر. في غمرة الانشغال بالبحث عن موطئ قدم داخل صف الذين يقتسمون الكعكة، فات هؤلاء الليبراليين أن يتزودوا بمضادات الأكسدة التي يفرضها الوقوف الطويل في الطابور وعدم إغلاق النوافذ في الوقت المناسب.
الإسلاميون الذين كانوا، يا حسرة، يعانون من التضييق ويطبعون كتبهم سرا، أصبحوا الآن يكتفون بالمطبوعات القادمة من الشرق والتي يخصص لها مال البترول ميزانيات محترمة جدا لطبعها في طبعات أنيقة، بغض النظر عن مضمونها. ولم يعد أحد يناقش حلول المشاكل الاجتماعية بقدر ما يحاولون صياغة الردود على بعضهم البعض والاصطفاف بين قطبي الصراع بين القوى المتحكمة في سياسات الشرق الأوسط.
باستثناء بعض الحالات القليلة جدا، لماذا لا يبادر الوزراء السابقون إلى وضع تجاربهم في القطاعات التي اشتغلوا بها بين أيدي القراء، ليقولوا للجيل الجديد ما يجب فعلا أن يسمعه بخصوص المشاكل المركبة التي يعاني منها الاقتصاد، بدل هذه المسرحيات المضحكة التي يقودها رئيس حكومة سابق، لديه الوقت الكافي لكي يصبح «يوتوبور» وينافس الشبان والمراهقين على «الطوندونص». ولن تستغربوا نهائيا إذا جاء يوم تسمعون فيه رئيس حكومة سابقا يدعوكم إلى ضغط زر المشاركة في قناته لكي يصلكم الجديد.. كل شيء وارد ما دام الحزب لا يتوفر على جريدة يكتب لنا فيها افتتاحية كأي سياسي محترم، ويقتنيها أنصاره ومعارضوه لأنهم يحترمون بالأساس فعل الكتابة.
يبدو أننا سوف نؤدي مستقبلا ضريبة أكبر على هذه القطيعة المريعة بين السياسيين والشأن الثقافي. الموجة الرقمية لا يمكن، بالمعايير الحالية، أن تقوم بهذه المهمة. أولا لأن جمهورها يهرب من السياسة نحو الافتراضي، ولن يقبل أن تتبعه تلك الوجوه إلى العالم الموازي الذي يتنفس داخله. ثم لأن السياسيين يعانون من إفلاس كبير على مستوى المشاريع الفكرية.. وهذا سبب كاف للحكم على تجاربهم السياسية.
تأملوا هذا الوضع.. رئيس حكومة بدأ حياته في مكتبة بين الكتب، وانتهى وحيدا في زاوية بالصالون، يتحدث إلى كاميرا هاتفه النقال.
صدق من قال إن سياسيي اليوم لا يحملون الأقلام إلا لتوقيع «البونات» أو لحل «السودوكو»، ما دامت الكلمات المتقاطعة تحتاج إلى قدر من الثقافة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى