النعمان اليعلاوي
صادق مجلس المستشارين بالأغلبية، على مشروع القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، وذلك خلال جلسة عامة تشريعية عقدها، مساء أول أمس الثلاثاء، وذلك بموافقة 36 مستشارا برلمانيا وامتناع 6 مستشارين برلمانيين عن التصويت.
وقال عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، خلال تقديمه للمشروع، إن العقوبات البديلة تشكل وجها مشرقا في تاريخ السياسة الجنائية وأضحت خيارا أساسيا وركيزة من الركائز الأساسية في السياسات العقابية الحديثة، حملت تغييرا عميقا في فلسفة العقوبة ووظائفها عبر تدعيم غايتها الإصلاحية والإدماجية على حساب البعد الانتقامي، مسجلا أن جل الأنظمة الجنائية الحديثة راهنت بشكل كبير على تبني نظام العقوبات البديلة كسبيل لتحديث وتطوير سياستها العقابية، والحد من إكراهات الوضع العقابي القائم نتيجة الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية، والتغلب على مساوئ العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة التي لا تكفي زمنيا لتحقيق البرامج التأهيلية والتكوينية، بل بالعكس تسهم سلبا في إدماج المحكومين بها، بفعل الاختلاط مع من هم أكثر خطورة.
واعتبر الوزير أن اعتماد نظام العقوبات البديلة في المنظومة القانونية العقابية والتأهيلية الوطنية أصبح مطلبا أساسيا دافع عنه العديد من الفاعلين الحقوقيين والقانونيين، وتم استحضاره في العديد من المحطات، منها أشغال هيئة الإنصاف والمصالحة، ومناظرة مكناس حول السياسة الجنائية، والحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، مستحضرا في هذا السياق، دعوة صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى اعتماد نظام العقوبات البديلة، في خطابه السامي بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك والشعب.
وأشار وهبي إلى أنه تم في إعداد هذا النص، استحضار جل المرجعيات والقواعد والمعايير الدولية المعتمدة، وعلى رأسها المبادئ العامة الواردة في قواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية للتدابير غير الاحتجازية، لضمان التوازن بين حقوق المحكوم عليهم وحقوق الضحايا وحق المجتمع في الأمن العام ومنع الجريمة، من خلال توسيع دائرة الاستفادة، مع استثناء الجرائم الخطيرة والأشخاص العائدين، والتنصيص على تدابير إصلاح أضرار الجريمة. كما ارتكزت مضامين مشروع القانون، يضيف الوزير، على توفر الصلح أو تنازل الضحايا في أهمها، وخضوع ذلك لرقابة القضاء، سواء عند تقرير العقوبة البديلة، أو حق المنازعة فيها لتصحيح ما قد يشوب تحديدها، وفق مساطر محددة ومبسطة لإضفاء المرونة، إلى جانب الحرص على مراعاة عدم التمييز عند تطبيقها على أفراد المجتمع، بغض النظر عن وضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية، كما هو الحال بالنسبة إلى العقوبة البديلة المتعلقة بالغرامة اليومية.
وبحسب وهبي، فإن مضامين مشروع القانون لم تغفل أيضا مراعاة كرامة المحكوم عليهم عند تطبيق العقوبات البديلة، وحياتهم الخاصة، ووضعية بعض الفئات الخاصة كالنساء والأحداث والمسنين وذوي الإعاقة، مبرزا أن هذا النص يروم وضع إطار قانوني متكامل للعقوبات البديلة، سواء من حيث تأصيلها وفق القواعد الموضوعية لمجموعة القانون الجنائي المرتبطة بالعقاب، أو من خلال وضع آليات وضوابط إجرائية على مستوى قانون المسطرة الجنائية تهم تتبع وتنفيذ العقوبات البديلة.
من جانبهم، أكد المستشارون البرلمانيون أن مشروع القانون يقدم مفهوما جديدا للعقاب، لإرساء سياسة عقابية متجددة وأكثر فعالية في إعادة التأهيل، بالإضافة إلى الحد من اكتظاظ المؤسسات السجنية. مبرزين أن التصويت على الجيل الجديد من هذه العقوبات، سيعزز الترسانة التشريعية ذات الصلة بإصلاح منظومة العدالة. وأشاد المستشارون بمضامين مشروع القانون والمسار الذي عرفته مناقشة مضامينه، مؤكدين في المقابل على التسريع بإخراج مشاريع القوانين ذات الصلة، سيما مشروع القانون الجنائي والمسطرة المدنية والجنائية، بالإضافة إلى تعبئة الموارد المالية والبشرية لتنفيذه.