عرت دورات أكتوبر الخاصة بالمصادقة على مشاريع ميزانيات الجماعات الترابية، على تدن خطير في مستوى النقاش داخل الجلسات المنعقدة، حيث عاين الجميع كيف تحولت جلسات إلى حلبات للملاكمة والسب والشتم والعنف، فضلا عن تصرفات غريبة ولا أخلاقية، مثل عضو بجماعة ترابية التقطته كاميرات الفيسبوكيين، وهو يدور على زملائه ويطلب منهم شم رائحة فمه، والتأكد من شربه للخمر والسكر من غير ذلك.
والخطير في الأمر هو أن العديد من الأعضاء الذين أتت بهم موجة القاسم الانتخابي، وتمت تزكيتهم من أحزاب دون أدنى معايير التدقيق في السيرة الذاتية والقدرة على تدبير الشأن العام، يعتبرون أن ما يحدث داخل جلسات الدورات، من جرائم يعاقب عليها القانون الجنائي من عنف وسب وقذف وتهديد وتصرفات مشينة وتسفيه لدور الجماعة كمؤسسة دستورية، حقا مكتسبا وطريقة عادية لابتزاز الرؤساء وتهديدهم، لتحقيق أجندات ضيقة تتعلق باقتسام كعكة المال العام والصفقات وسندات الطلب والتدبير المفوض، وقضاء مآرب المقربين والأعيان والأشخاص الذين لهم مصالح تعميرية وغيرها مرتبطة بالجماعة.
سجلت جميع المؤسسات الرسمية، في تقارير لها، أن فئة واسعة من الشباب لا تمارس السياسة، لذلك فإن تمييع وتسفيه دور المجالس الجماعية وتحويل جلسات الدورات إلى ما يشبه عراك رأس الدرب والعربدة والسب والشتم والعنف والتهديد به، يزيد الطين بلة ويقضي على آمال المشاركة الشبابية في العملية السياسية لإعادة الحياة إليها، وتحريك مياه الفساد الراكدة، والسعي إلى تفعيل وتطوير دور المجالس، وفق القوانين التي تنظم المجال.
إن مستوى التدخلات والنقاش داخل أي مجلس جماعي، يمنحك مؤشرات واضحة حول قدرة الجماعة على خلق التنمية والمساهمة في التشغيل، ومدى الاهتمام بالصالح العام، ومواكبة التوجيهات الملكية السامية والمشاريع الحكومية، والحال أن المجالس الجماعية تحتضر وما يتسرب منها من تصرفات صبيانية زنقاوية لا يبشر بخير، ويستحيل معه تجويد خدمة الشأن العام، وإغراء الشباب بالانخراط في العملية الانتخابية.
لقد تحول المنصب السياسي إلى مرادف للاغتناء والمكاسب والمناصب والشبهات، فيما أصبح النقاش السياسي أقرب منه للحلقة إلى أي شيء آخر، فضلا عن تفشي ظاهرة محاربة وتهميش الكفاءات داخل الأحزاب، ومحاولة التوريث، إذ في الوقت الذي حقق فيه المغرب تطورا في آليات العمل السياسي وأصبح يتوفر على دستور يضاهي أفضل الدساتير كنص قانوني، يتحسر الجميع على زمن كانت فيه قامات وزعامات سياسية لم تسجل عليها شائبة وكانت مواقفها واضحة ومبنية على خلفيات سياسية وليس شخصية، على عكس الزمن الرديء الذي نعيشه الآن في المشهد الحزبي، حيث أصبحت السياسة مرادفة لأساليب السب والقذف في تصفية الحسابات الضيقة، وتنفير الشباب من الممارسة السياسية النبيلة، وإطلاق رصاصة الرحمة على تراكمات مهمة في العمل السياسي، بتمييع كل ما يرتبط بقضايا الشأن العام.