مثقفو اليسار يطلقون رصاصة الرحمة على هولاند
في الحادي عشر من يناير الماضي٬ نشرت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية نداء حمل توقيع 50 شخصية تنحدر أساسا من مجال الثقافة، دعت فيه إلى عقد انتخابات تمهيدية لاختيار مرشح يمثل قوى اليسار في الانتخابات الرئاسية لعام 2017. ومن بين الأسماء الوازنة التي أمضت النداء٬ دانيال كوهن بينديت٬ النائب في البرلمان الأوروبي٬ توماس بيكيتي٬ عالم الاقتصاد وصاحب الكتاب الشهير «الرأسمال في القرن الواحد والعشرين»٬ وعالم الاجتماع ميشال فيفوركا والروائية ماري ديسبليشن وغيرهم. عبر هؤلاء عن رغبتهم في إنعاش روح النقاش السياسي الذي عرف في ظل رئاسة هولاند انتكاسة حقيقية.
ورأى الموقعون في هذه الخطوة أفضل طريقة لإيقاف نزيف اليسار وتراجع القيم التي يدافع عنها. كما اعتبر هؤلاء أنه «لا يمكن ترك المجال لليمين ولليمين المتطرف لتنشيط وتوجيه النقاش حول مستقبل البلاد». كما جاء في النداء أن هذه التمهيدية هي بمثابة شرط ضروري لممارسة ديمقراطية نابعة من الرغبة في توطيد ركائز المواطنة الحقة. ويعلن الموقعون عن رفضهم الاستسلام أمام اللامساواة الاجتماعية٬ انحطاط البيئة٬ التمييز العرقي والوهم الديمقراطي.
في البداية٬ تعامل قصر «الإيليزيه» والحزب الاشتراكي مع المبادرة بنوع من الازدراء، حيث صبت الردود في اتجاه تصريح السكرتير العام للحزب الاشتراكي٬ جان ـ كريستوف كامباديليس القائل: «إن كان من مرشح لليسار فهو فرانسوا هولاند… ولا نقاش في الموضوع».
من جهته، دعا جان ماري لوغين٬ المكلف بالعلاقات مع البرلمان٬ موقعي النداء إلى «استشارة طبيب»، فيما أطلق عليهم البعض الآخر «التآمريون». غير أن جناح ما يسمى «الرافضين» للإصلاحات التي تصب في مصلحة أرباب العمل والليبرالية عموما٬ ساندوا هذه المبادرة التي تترجم في نظرهم الديمقراطية والمطالب التي يناضلون من أجلها داخل الحزب. أما الحزب الشيوعي، الذي يروم تمتين قاعدته وتوسيع مجال اليسار إلى قوى أخرى غير الثنائي الحزب الاشتراكي ـ البيئيين٬ فيرى في هذا النداء فرصة ذهبية لإسماع صوته. لكن ضغوطات الرأي العام الذي يساند بنسبة 81 في المائة منه هذه المبادرة، حسب استطلاع أجرته صحيفة «ليبراسيون»٬ كان حافزا قويا دفع بالمحافظين من الاشتراكيين إلى تغيير رأيهم من دون تحديد موقف نهائي. وعليه وضعت العريضة أو النداء فرانسوا هولاند أمام معارضين جدد ومن نمط غير مألوف٬ ينتمون في أغلبيتهم إلى ما يسمى النخبة المثقفة التي انسحبت أو جمدت نشاطها النقدي كي لا تحرج رئيسا محسوبا على اليسار. اليوم تخطت بعض من هذه العناصر المثقفة هذا الحاجز للخروج إلى الساحة وللإعراب عن تذمرها من الاختيارات التي انتهجها هولاند في مجالات الاقتصاد٬ الثقافة٬ الاجتماع٬ البيئة إلخ… وشدد المثقفون على أن التردي الثقافي الذي عرفته الثقافة في فرنسا بعد هجمات الحادي عشر من يناير، ساعد على طفرة واستحواذ مثقفي اليمين أو المحافظين الجدد (من إيريك زمور إلى فينكلكروت، مرورا ببرنار هنري ليفي ميشال أونفري إلخ…)٬ على الإعلام بشتى أصنافه٬ فيما غاب أو غيب صوت مثقفي اليسار.
إنها نهاية حقبة سياسية وبداية سلك جديد يرغب مثقفو اليسار في أن يلعبوا فيه دورا توجيهيا. هكذا نظم بعض الموقعين طوافا في ربوع فرنسا لفتح حلقات نقاش مع مختلف الشرائح الراغبة في التغيير. وهي بمثابة حملة انتخابية تمهيدية للتوعية والتوجيه. وبذلك يكون هؤلاء الناشطون قد سحبوا السجاد من تحت أقدام جميع المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية. يأتي التعديل الأخير الذي قام به هولاند بإعادة استقطابه لعناصر من حزب الخضر بغية توسيع قاعدته٬ (يأتي) كآخر مناورة من طرفه لإفشال خطة الموقعين على النداء والتقدم في هيئة البديل اليساري الوحيد في أفق رئاسية 2017. لكن هذه المناورة مرشحة للفشل لأن هولاند، وبسبب تفاعلات الأزمة الاقتصادية٬ وتوريط فرنسا في نقاش عقيم من حول إسقاط الهوية٬ وبسبب حالة الطوارئ٬ خسر٬ قبل تنظيمه٬ رهان التمهيدية٬ وخسر معها إمكانية تقدمه للانتخابات الرئاسية.