شوف تشوف

الرأيالرئيسية

متى تموت اللغة؟

 

مقالات ذات صلة

 

 

يونس جنوحي

 

منذ 1973 واللغة العربية واحدة من اللغات الرسمية العالمية، باعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكن إلزامية استعمالها في بعض الأماكن العامة في الدول الأوروبية، والمؤسسات الدولية الأخرى، لم تصبح سارية إلا بعد وصول أفواج اللاجئين السوريين إلى دول مثل ألمانيا وهولندا على وجه الخصوص. إذ إن استقرار عشرات آلاف اللاجئين بشكل جماعي، في مدن هذه الدول، جعل استعمال اللغة العربية ضروريا للتواصل معهم، بل هناك الآن إمكانية اجتياز امتحان السياقة باللغة العربية، وهو الأمر الذي لم يكن متاحا، في السنوات الماضية، رغم وجود جاليات عربية منذ عقود فوق التراب الأوروبي.

وعند تخليد اليوم العالمي للغة العربية، الذي تزامن مع الأحد الماضي، انبرى عدد من المدافعين عن اللغة العربية للتذكير بضرورة استعادة هذه اللغة لوهجها ووضعها في المكانة التي تستحقها.

أما القوميون العرب، وطبعا هناك سفراء لهم في المغرب، فلا تمر مناسبة دون أن يذرفوا الدموع على تراجع استعمال اللغة العربية وإهمالها، رغم أنهم يصرون على تدريس أبنائهم باللغتين الفرنسية والإنجليزية، ويصرون على ضرورة دراسة أبناء الشعب باللغة العربية.

هذا النقاش دار بقوة في المغرب، منذ 2015، بخصوص تعريب المواد العلمية وترك آلاف الأسر القلقة على مستقبل أبنائها تتخبط في حيرة من أمرها، سيما وأن بعض طلبة التخصصات التقنية يعقدون آمالا كبيرة على استكمال تعليمهم العالي في الخارج.

استعادة اللغة العربية لوهجها الذي تستحقه ليس مرتبطا أساسا باستعمالها في تدريس المواد العلمية، بل إن النقاش الحقيقي الواجب خوضه هو سبب خمول المتخصصين عن تجديد هذه اللغة، التي تبقى واحدة من أقوى وأبلغ الألسن التي استعملها الإنسان على مر التاريخ.

أما عندنا في المغرب، فلا حاجة أبدا إلى البكائيات، إذ إن ما قدمه العلماء المغاربة على مر قرون للدفاع عن اللغة العربية والاعتزاز بها، رغم أن جلهم أمازيغ يتحدثون الأمازيغية بطلاقة بل ويُبدعون بها، لم تقدمه أي دولة عربية أخرى للنهوض باللغة وتوثيق قواعدها والدفاع عنها.

قبل تأسيس جامعة القرويين كانت المدارس العتيقة على طول المغرب، من فاس وصولا إلى تخوم الأطلس المتوسط والصغير، في اتجاه قبائل الصحراء. كلها قبائل أسست مدارس عتيقة ونظم علماؤها وطلبتها آلاف الأبيات الشعرية البليغة لتوثيق قواعد النحو والصرف وأصبحت لديهم نظريات مغربية حول استعمال قواعد اللغة، وإلى اليوم لا تزال هناك وثائق ومخطوطات تؤكد هذا المُعطى.

أما مع ظهور الحركة الوطنية المغربية، فقد برزت أسماء أمثال عبد الحي الكتاني وبن الصديق ومحمد العربي العلوي والمختار السوسي وعبد الله كنون، كان لديهم اعتزاز كبير باللغة العربية وألفوا مؤلفات هامة جدا في الدفاع عن دور اللغة العربية ودعوا إلى التمسك بها في مواجهة المد الاستعماري الفرنسي..، بل إن منهم من خاضوا معارك ضارية في الصحف، قبل سبعين عاما، احتجاجا على استعمال الحروف اللاتينية في كتابة واجهات المحلات والعناوين، ووصفوا الظاهرة بأحط النعوت وطالبوا بضرورة إزالة كل ما هو فرنسي من الحياة اليومية للمغاربة واستعمال اللغة العربية بدلا منها.

اختلف السياق، الآن، وأصبح من الضروري استعمال الحروف اللاتينية لإرشاد السياح.

جل برامج البحث المتطورة تستعمل اللغة العربية، وحتى برامج الذكاء الاصطناعي تستعمل اليوم اللغة العربية وتفهمها وتتلقى بها الأوامر وتجيب عنها بطلاقة.

وصدق من قال إن استعادة اللغة العربية لوهجها الذي تستحقه رهين باستعادة الإنسان العربي لكرامته، لكي يكف عن التفكير في «الرغيف» أولا. في النهاية لا تموت إلا اللغات التي تنقرض شعوبها، ولم نسمع أبدا عن لغة ماتت مع بقاء من كانوا يتحدثون بها على قيد الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى