شوف تشوف

الرئيسية

متسولون مغاربة يدعون أنهم لاجئون سوريون للنصب على المواطنين

كوثر كمار
يضطر العديد من السوريين اللاجئين بالمغرب إلى التسول من أجل تسديد مصاريف الكراء وبحثا عن قوتهم اليومي، إذ يحظون بتعاطف كبير من لدن المغاربة الذين يمدون لهم يد المساعدة. هذا الأمر دفع بعدد من المتسولين المغاربة إلى انتحال صفة اللاجئين باعتمادهم على حيل ماكرة من أجل جمع التبرعات. «الأخبار» تقتفي آثار عدد من اللاجئين بالمغرب وتكشف أساليب انتحال صفتهم.
كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحا، من بداية الأسبوع الماضي. بالقرب من أحد المراكز التجارية الكبرى بحي الرياض بالرباط، صادفنا العشرات من النساء السوريات برفقة أطفالهن، يتسولن المساعدة من المتسوقين الذين يجودون عليهن ببعض الطعام والنقود.
هذا المشهد بات يتكرر في أكثر من مدينة وهو ما يثير حفيظة المتسولين المغاربة، فالتعاطف الذي تحظى به اللاجئات السوريات خاصة يجعل هؤلاء يدخلون في عراك معهن، مثلما عاينت ذلك «الأخبار»، طوال اليوم الذي قضته رفقة اللاجئات.

أساليب ماكرة
الحظوة التي ينالها اللاجئون السوريون لدى المتصدقين من المارة أججت غضب العديد من المتسولين المغاربة، الذين رأوا في ذلك منافسة تؤثر على دخلهم اليومي. وبعيدا عن الشجارات المتكررة، اهتدى بعضهم إلى حيل ماكرة من أجل التسول باسم اللاجئين السوريين عن طريق انتحال صفتهم، وهو ما أكدته العديد من النازحات من بلاد الشام.
أمينة فتاة سورية تبلغ من العمر ثلاثة عشرة سنة، صادفناها تجلس على الرصيف أمام مركز للتسوق بحي الرياض، وتذرف دموع الحسرة على خديها المحمرين بعدما تعرضت للضرب من قبل متسولة مغربية.
تحكي أمينة في حديثها مع «الأخبار» أن العديد من المتسولات المغربيات ينتحلن صفتهن، إذ يحملن معهن جوازا مزورا من أجل كسب استعطاف المواطنين المغاربة والنصب عليهم، وتروي أن متسولة مغربية تستخدم أساليب ماكرة من أجل انتحال صفة اللاجئات، إذ ترتدي عباية سوداء وتضع عدسات زرقاء على عينيها، كما تحمل معها غلافا لجواز سفر سوري مدعية أنها نازحة ولم تجد مكانا يأويها في حين أنها نصابة.
«بعدما تبادلت أطراف الحديث مع المتسولة حول المدن السورية والأوضاع التي تعيشها، اكتشفت أنها تجهل ما يقع كما أنها لا تتقن اللهجة السورية، وعندما أظهرت لها أني علمت بأنها تنتحل صفتنا صرخت في وجهي وضربتني وجرتني من شعري»، تقول أمينة مضيفة: «قالت لي إنها مغربية وحرة في ما تفعل وأن لديها الحق في التسول كما يحلو لها في بلدها».
وتؤكد أمينة أنها لم تكن تمارس التسول بسورية، حيث كانت نجيبة في دراستها، إلا أنها فجأة وجدت نفسها مشردة رفقة أسرتها بعدما فرت من جحيم الحرب فاضطرت لخوض رحلة سفر طويلة بحثا عن بلد آمن.
وفي الوقت الذي كانت تتحدث فيه أمينة معنا قاطعت حديثها لاجئة متحدثة إليها بالكردية، فتغيرت تعابير وجه أمينة، قائلة بكل ثقة «لن أتوقف عن الحديث فالجميع يجب أن يعلم أننا اضطررنا للتسول من أجل تسديد مصاريف الكراء والأكل وأن بعض المتسولين المغاربة يحاولون تشويه سمعتنا».
«لارا»، سيدة سورية من جوبة، تبلغ من العمر خمسة وثلاثين سنة، أكدت هي الأخرى خلال حديثها مع «الأخبار»، أن العديد من المتسولين بالمغرب ينتحلون صفة اللاجئين، إذ يدعون أنهم من عائلات سورية فرت من لهيب الحرب والدمار، وتريد المساعدة من أجل توفير المأكل والمشرب وبعض الملابس، وبالتالي يتمكنون من جمع الأموال وإعادة بيع الملابس والأفرشة التي يحصلون عليها من خلال تضامن الناس وتعاطفهم. وتضيف أن بعض النساء يختفين تحت النقاب ويدعين أنهن أرامل وفقدن أزواجهن في الحرب.
وتحكي «لارا» أن عددا من المتسولين يقومون بابتكار حيل جديدة للنصب على المواطنين كرش أرجلهم بالسكر
و»الدوا الأحمر»، حتى يتجمع عليها الذباب، وكلما كان في نظرهم منظرها مقززا أكثر كلما كان عطف الناس عليهم أكبر، بينما آخرون يدعون أنهم مبتوري القدمين، إذ يقومون بثني أرجلهم وحزمها بحزام متين، وارتداء ملابس فضفاضة يضعونها على أرجلهم، كي يوهموا المواطنين بأنهم مصابون بعاهة مستدامة جراء الحرب بسوريا.
وعبرت «لارا» عن استيائها بسبب انتحال صفة اللاجئين السوريين والنصب باسمهم، وتؤكد أنها لولا فرارها من جحيم الحرب لما ولجت عالم التسول، فهي مضطرة لأداء ألفين درهم شهريا كسومة كرائية بحي ميلانو بمدينة تمارة والذي يأويها رفقة أبنائها الخمسة.

كراء الأطفال
يستغل عدد من المتسولين الأطفال من أجل استمالة قلوب المواطنين وكسب تعاطفهم خاصة عندما يعلمون أنهم لاجئون سوريون.
ويقوم اللاجئون المزيفون بكراء أطفال تتراوح أعمارهم ما بين سنة وخمس سنوات، مقابل مبلغ محدد سلفا لليوم.
«راضية»، متسولة مغربية صادفناها بالقرب من مسجد السنة بالرباط، تؤكد خلال حديثها مع «الجريدة» أن عددا من المتسولين يكترون الأطفال بحوالي مائتي درهم لليوم الواحد، وقد يرتفع سعر الطفل عندما يكون ذا ملامح جميلة وبرئية من أجل تحويله إلى لاجئ سوري، ثم تردف أن ممتهني التسول يجنون أموالا كثيرة من وراء هؤلاء الأطفال الذين ينحدرون من أسر فقيرة.
وترى راضية أن المرء يضطر للتسول عندما يكون في حاجة ماسة إلى ذلك، كتسديد مصاريف الكراء والدواء، ولكن الأمر يصبح نصبا واحتيالا عندما يتم كراء الأطفال والاحتيال على المواطنين.
بعد الرباط، حولنا وجهتنا إلى مدينة الدار البيضاء، وتحديدا إلى مدار حي ريفيرا وشارع غاندي، حيث صادفنا سيدة تدعى «حنان»، تعرف نفسها على أنها لاجئة سورية لكسب تعاطف أصحاب السيارات والمارين بالشارع.
فجأة اقتربت منها صحافية «الأخبار» وطلبت منها بعض المال، مدعية أنها فرت من جحيم الحرب بسوريا. كانت رفقة بعض أبنائها، كما يبدو في الظاهر، لكن بعدما طلبنا منها رؤية جواز سفرها، ارتبكت وطلبت منا الحديث معها في وقت لاحق. لكن بعد إصرارنا على ذلك، كشفت لنا عن غلاف جواز سفر سوري مدعية أن الشرطة المغربية سحبت منها جواز السفر.
وتحكي «حنان»، بلهجة سورية ركيكة ممزوجة بالدارجة المغربية، أنها ولجت التراب المغربي عبر موريتانيا، وذلك منذ حوالي سنتين، حيث استقرت بحي فرح السلام بالبيضاء. وتضيف أنها تكتري غرفة بستمائة درهم شهريا، إذ اضطرت للتسول بعدما كانت تشتغل خادمة وتحصل فقط على خمسمائة درهم شهريا، ثم تردف أنها تحصل من خلال التسول على أضعاف ما كانت تحصل عليه أثناء العمل.
لم تكن حنان تتسول بمفردها، بل دأبت على التسول رفقة طفلة صغيرة شقراء ذات عينين زرقاوين، لا تشبه والدتها، وهو ما أثار شكوكنا تجاهها عندما تحدثت بالدارجة قائلة: «دوري معايا عافاك اختي».
عندما سألنا حنان عن سبب ادعائها وانتحال صفة لاجئة سورية بدأت تضحك قائلة: «هاي مش بنتي» ثم ذهبت إلى حال سبليها رافضة متابعة الحديث معنا.

sori

غجر سوريا
بسبب استغلال وانتحال صفة للاجئين السورين بشكل مهول، ظهرت العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي أسسها سوريون مقيمون بالمغرب من أجل نصرة قضية اللاجئين السورين والدفاع عن حقوقهم في العيش الكريم، وفي مقابل ذلك توجد صفحات فايسبوكية تحارب بعض اللاجئين السورين الذين يمارسون التسول. ومن بين هذه الصفحات صفحة تحمل عنوان: «سوريين في المغرب لمحاربة المتسولين الغجر»، مما دفع البعض إلى اتهام صاحب الصفحة بالعنصرية تجاه هذه الفئة من المجتمع السوري.
وجاء في تعليق ناشط «فيسبوكي» سوري مقيم بالمغرب على الصفة ذاتها، أن الغجر السوريين يتسولون باسم الثورة السورية، وذلك بسبب ظروف الحرب التي تعرفها الجمهورية السورية، إذ ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﺋﻼ‌ﺕ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﺠﺰﺍﺋﺮﻳﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﺟﻮﺍﺯﺍﺕ ﺳﻔﺮ ﺳﻮﺭﻳﺔ. ﻭﻗﺪ ﺗﻬﺎﻓﺘ ﺍﻟﻤﻐﺎﺭﺑﺔ ﻣﻦ ﻓﺎﻋﻠﻲ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﻫﻴﺌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ﻭﺫﻭﻱ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺍﻟﺮﺣﻴﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻳﺪ ﺍﻟﻌﻮﻧ ﻭﺇﻳﻮﺍﺋﻬﻢ، ﺑﻞ ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ ﻟﻬﻢ ﻋﻦ ﻣﺄﻭﻯ ﻭﻋﻦ ﻋﻤﻞ ﻟﺮﺏ ﺍﻷ‌ﺳﺮﺓ.
وأضاف ﺃﻥ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻨﻬﻢ بدؤوا ﻳﻤﺘﻬﻨﻮﻥ ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ، ﻭﺟﻤﻊ ﺍﻟﻨﻘﻮﺩ ﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ، ﻭﻳﺨﺘﺮﻋﻮﻥ ﻗﺼﺼﺎ ﻭﺃﻛﺎﺫﻳﺐ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﺳﺘﻌﻄﺎﻑ ﺍﻟﻤﻐﺎﺭﺑﺔ، ﻭﺍﺳﺘﻐﻼ‌ﻝ ﻃﻴﺒﺘﻬﻢ ﻭﺗﻌﺎﻃﻔﻬﻢ ﻣﻊ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ، مردفا ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻜﺘﺮﻱ ﺳﻴﺎﺭﺓ ﻳﺘﺴﻮﻝ ﺑﻬﺎ ﻭﻳﻄﻮﻑ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﺷﻤﺎﻻ‌ ﻭﺟﻨﻮﺑﺎ.
واستدل صاحب الصفحة ببيان صادر عن ﺗﻨﺴﻴﻘﻴﺔ ﺍﻟﻼ‌ﺟﺌﻴﻦ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﻴﻦ ﺑﺎﻟﻤﻐﺮﺏ والتي ﺣﺬﺭﺕ، بحسب تعبيره، ﻣﻦ هؤلاء ﺍﻟﻐﺠﺮ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﺟﻮﺍﺯﺍﺕ ﺳﻔﺮ ﺳﻮﺭﻳﺔ. ﻭﻳﻮﺟﺪ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﻤﻐﺮﺏ، إذ إن البعض منهم ﻟﻴﺴﻮﺍ ﺻﺎﺩﻗﻴﻦ ﻭﻳﻤﺘﻬﻨﻮﻥ ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ، ﻭﻫﻤﻬﻢ ﺍﺳﺘﻐﻼ‌ﻝ ﻗﻠﻮﺏ ﺍﻟﻤﻐﺎﺭﺑﺔ ﻟﺠﻤﻊ ﺍﻟﻨﻘﻮﺩ، ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﻬﺮﻭﺏ إلى أوربا في ما بعد.

أفارقة ينافسون متسولي المغرب
إلى جانب السوريين يشكل الأفارقة منافسا قويا بالنسبة للمتسولين المغاربة والذين لا يستطيعون الدخول في صراعات معهم بسبب تميز المنحدرين من جنوب الصحراء ببنية جسمانية قوية.
«مامادو» شاب سنغالي صادفناه جالسا بالقرب من باب مراكش بمدينة الدار البيضاء يتسول من المارة.
ويحكي «مامادو» في حديثه مع «الجريدة»، أنه فر من جحيم الفقر ببلده آملا في أن يذهب إلى أروبا، ليحقق أحلامه ويتزوج بحبيبته.
ويضيف «مامادو»، أنه اضطر للتسول بعدما رفض العديد تشغيله، بسبب عدم توفره على أوراق الإقامة، ويردف أن العديد من المغاربة يجودون عليه ببعض الطعام والمال، إلا أنه لم يخف تذمره من بعض المتسولين المغاربة الذين يضايقونه وينهالون عليه بعبارات السب والشتم.
ويحكي أنه قبل أربعة أشهر دخل في مشادات كلامية وتشابك بالأيدي مع متسول مغربي، وذلك بعدما طلب عدم التسول في مكانه الخاص، قبل أن يقوم أصدقاء «مامادو» الأفارقة بالدفاع عنه وضرب المتسول المغربي.
يقول بسخرية: «منذ أن ضرب أصدقائي المتسول لم يعد يضايقني وأصبحت أنا صاحب المكان».
يحتل العديد من المهاجرين الأفارقة ملتقيات الطرق وبعض الأسواق من أجل التسول بشكل جماعي مما يؤدي في بعض الأحيان إلى حدوث مشادات فيما بينهم.
وبالرغم من صدق أو كذب عابري السبيل يظل المغاربة شعبا معروفا بالكرم والتضامن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى