حسن البصري
شاءت الأقدار أن أتابع مباراة المنتخب المغربي ونظيره الكونغولي من محل حلاقة في دربنا القديم، لم أكن أتصور أن الحلاق قادر على تحويل صالونه إلى استوديو تحليل تقني لمباراة في كرة القدم، وأن لسانه ومعرفته بالكرة يسعفانه في تقريب ثلاثة زبناء، كنت واحدا منهم، من أدق تفاصيل المواجهة الكروية.
قد تغامر برأسك حين تضعه رهن إشارة حلاق يده على زناد المقص وعيناه على شاشة التلفزة، وقد تصبح المغامرة أخطر حين تمنحه ذقنك وتنحني له منفذا تعليماته.
خلال سير أطوار المباراة التي عرفت اكتساحا هجوميا من طرف المنتخب الوطني، كان حلاقنا يتوقف للحديث عن حلاقي نجوم كرة القدم، وكلما توقفت الكرة عن الدوران حول نفسها يقدم وصلته الإشهارية، ويحدثنا عن آخر تسريحات شعر اللاعبين.
وفي الوقت الذي نحتج فيه إزاء تدخل بدني قوي من لاعب كونغولي ضد مغربي، تجد الحلاق مهتما بـ«الراسطة» الكونغولية وروادها.
نسي صاحبنا مطالبه بتطعيم المنتخب المغربي بلاعبين محليين، وحين فتح حارس منتخب «الأسود الحمر» بوابة عرينه لتلقي سيل من الأهداف، تخلى عن توصياته، خاصة بعد أن سجل اللاعب أيوب الكعبي هدفا جميلا، بعد تمريرة على المقاس من زميله عز الدين أوناحي. صاح الحلاق: «ها المنتوج المحلي تمريرة من ولد حي للامريم لولد لهراويين».
خلال سير أطوار المباراة سيصرف حلاق دربنا النظر عن الصبي المساعد، فيحوله إلى لاعب احتياطي يفرح لفرحة مشغله ويحزن لحزنه، أعفي الفتى من مهمة كنس المكان من الشعر الساقط، ومن حالة التأهب التي يعيشها في الأيام العادية، حين يقف كالصنم خلف الزبون.
بين الفينة والأخرى يسمح الحلاق لزبون في دكة الانتظار بإبداء رأيه في خطة الركراكي وسلوك زياش، لكنه يناقش آراءه من موقع العارف بخبايا المنتخب.
حين انتهت الجولة الأولى تذكر الحلاق أن حلاقة رأسي وذقني دامت شوطا كاملا، فانبرى يبحث عن عطر ينهي به الحصة، قبل أن يختم مهمته كما بدأها بعبارته المعهودة «بالصحة والراحة».
في ما بين شوطي المباراة سيسمح لنا الحلاق بالحديث عن مستجدات سوق الأغنام، عن الأسعار الملتهبة التي تصنف عيد الأضحى في خانة «لمن استطاع إليه سبيلا»، وفي نشرته الاقتصادية شهادات زبناء اكتووا بنيران أسعار الخرفان.
طلب مني الحلاق استكمال الجولة الثانية في محله الذي تحول إلى استوديو تحليلي، شكرته على دعوته الطيبة، لكنني قررت مغادرة المكان، وقد حمدت الله وشكرته على نجاتي من ضربة مقص منفلتة، سلمته واجب الحلاقة في غفلة عن باقي الزبناء، وتمنيت لبديلي الصحة والعافية والنجاة من مكروه شفرة الحلاقة ووخز المقص.
ولأن الحلاق ودادي الانتماء، أحمر الأهواء، فقد ودعني باستشارة حول خليفة الرئيس الحالي عبد المجيد البرناكي، مستغربا حول المدة القصيرة التي قضاها على رأس نادي الوداد الرياضي.
قلت له إن المنصب أشبه بكرسي الحلاق الذي مهما كان فخما ومريحا، إلا أنك مغادره لا محالة، فقال إن الوداد أحوج إلى رئيس له حمولة فكرية في الدماغ وصنبور دعم، «لا نريد رئيسا يتعلم الحلاقة في رؤوس اليتامى».
حلاق دربنا المتيم بالكرة وبعشق الوداد يفتخر بزبائنه من نجوم الكرة، يروي لنا كيف كان يحلق رؤوسهم في معسكرات الفريق، ولا يتردد في تسريب بعض أسرار الرؤوس التي أينعت وحان قطافها. لكن صالونه في زقاق حينا بدون نجوم يختص في قص الشعر وحلق الذقون، ولا تشمل خدماته ما تعرفه الصالونات المصنفة من عناية بالوجه وتدليك فروة الرأس والرقبة وغيرها من الخدمات الموازية.
نصيحة: لا تسلموا رؤوسكم للحلاقين أثناء مباريات الكرة.