مباراة بين فريق البصري وفريق المديوري تنتهي بوضع رئيس الجامعة رهن الإقامة الجبرية
قضاة الملاعب:عبد العالي الناصري (حكم دولي)
حسن البصري:
يعد الحكم من أهم أركان المنافسات الرياضية، صافرته وإشاراته وبطاقاته هي أدوات الردع الأقوى في المباراة، وحين يصدر قرارا فإنه غير قابل للتغيير إلا إذا كان للتكنولوجيا رأي مخالف.
في زمن مضى كان حكام المباريات أكبر سنا ممن يديرون مباريات اليوم، كانوا عنوانا للوقار والحكمة، وكانوا يحملون لقب «أصحاب البذل السوداء»، قبل أن تصبح كل الألوان مباحة إلا اللون الأبيض.
ورغم أنهم يحملون اليوم لقب «قضاة الملاعب»، إلا أنهم يشكلون الحلقة المهضوم حقها في حلقات منظومة الرياضة، لأنهم غالبا ما يكون مجنيا عليهم بسبب هفوات ناتجة عن انفلات الصفارات، إلا أنهم دخلوا عالم النجومية.
في سلسلة «طرائف قضاة الملاعب» سنحاول تسليط الضوء على جوانب خفية من حياة الحكام، من خلال حكايات فيها مواقف طريفة لازالت تذكر في مجالس حاملي الصفارات. وقائع تستحق أن تروى للجيل الحالي من الحكام ولو على سبيل العبرة والاستئناس.
يروي الحكم الدولي السابق عبد العالي الناصري لـ «الأخبار» قصة مباراة تؤرخ لزمن تقاطعت فيه الكرة مع السلطة، أو بتعبير أدق، كانت فيه الكرة تحت وصاية كبار رجالات الدولة، ويستحضر مباراة برسم البطولة الوطنية لكرة القدم في الموسم الرياضي 1993/1994، جمعت النهضة السطاتية بالكوكب المراكشي على أرضية الملعب الشرفي لسطات.
مباراة وزيارة ملكية
«قامت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بتعييني على رأس طاقم تحكيم لقيادة هذه المباراة، توجهنا يوم المباراة إلى مدينة سطات، وفي مدخل المدينة استوقفنا دركيان وطلبا منا تغيير الوجهة لأن تعليمات قد صدرت بمنع السيارات من دخول المدينة فأشرنا إليه بأننا نحمل تعيينا من الجامعة لقيادة المباراة التي ستجمع النهضة والكوكب».
كانت مدينة سطات تستعد لاستقبال الموكب الملكي، وكانت الطرق المؤدية إليها مملوءة تعيش تحت رحمة استنفار أمني، سمح للحكم الناصري بالتوجه إلى الملعب وفي طريقه داست سيارته على الزرابي التي كانت أمام دار عامل المدينة.
وصل طاقم التحكيم إلى الملعب الشرفي بسطات واكتشف أن الفريق المحلي غائب، وأن الفريق الزائر قد حل بالملعب استعدادا لخوض المباراة، لم يكن في الميدان جمهور ولا رجال أمن صمت رهيب يخيم على المكان، وحده حارس الملعب الذي أخبر الحكم بأن المدينة منشغلة بالزيارة الملكية، وأنه يتعذر على النهضة خوض النزال.
«دلني الحارس على مكتب فيه هاتف، فاتصلت بالحكم الدولي بنعلي رئيس لجنة التحكيم، وعرضت عليه الواقعة، لكنه أكد لي بأن مهمته كرئيس لجنة تنتهي عند التعيين، وأن لا شأن له في ما يجري في الملعب، لكنه أعطاني رقم رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم إدريس باموس، فاتصلت به لأحيطه علما بما يحصل في سطات، فكان رده صارما حين طلب مني تطبيق قوانين الكرة».
بعد مشاورات مع لجنة التحكيم ورئيس الجامعة، دخل الحكم الدولي الناصري ومساعداه إلى أرضية الملعب، متبوعين بلاعبي الكوكب المراكشي، أطلق صافرة البداية وأعلن الكوكب منتصرا باعتذار نتيجة غياب الفريق المحلي.
حل بالملعب مسؤولون بالفريق السطاتي وحاولوا تقصي الحقائق، فكشف لهم الحكم عن تطبيقه للقانون، وأكد لهم غياب ما يفيد تأجيل المباراة أو تأخير موعد انطلاقتها. لم تكن المباراة مجرد مواجهة في كرة القدم، بل كانت نزالا خفيا بين فريقين ينعمان بمظلة كبار خدام الدولة، النهضة تحت وصاية إدريس البصري والكوكب في عهدة محمد المديوري. لهذا كان الحكم الدولي مطالبا بإعداد تقرير مفصل للجامعة وتقديم الحساب لوزير الرياضة عبد اللطيف السملالي الذي طالب بتقرير مفصل حول الواقعة.
يقول الناصري: «بمجرد وصولي إلى منزلي شرعت في تحرير تقرير مفصل تضمن كل الوقائع التي حصلت في مباراة لم تجر، أشرت فيه لفحوى اتصالاتي برئيس لجنة التحكيم ورئيس الجامعة»، وضعت التقرير في الكتابة العامة لكن موظفا طلب مني عدم إدراج اسم رئيس الجامعة في التقرير، لكنني كنت مصرا على كتابة القصة من أولها إلى آخرها.
اجتمعت لجنة القوانين والأنظمة في الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وكان يترأسها محمد الجزولي العضو في المكتب المسير للكوكب، وأقرت بهزيمة الفريق السطاتي باعتذار وفق التقرير الذي أنجزته وطبقا للقوانين المعمول بها،
في كتابه «مخزنة الرياضة كرة القدم نموذجا»، للباحث منصف اليازغي نماذج من تصادمات السلطة، خاصة حين يتعلق الأمر بفرق لها قوة دفع من الخلف، وإشارة لما حصل في مواجهة بين النهضة والكوكب. وكان طبيعيا أن تتناقل الدوائر العليا خبر هزيمة فريق إدريس البصري إلى أن وصل ذلك إلى علم الملك الحسن الثاني، الذي بادر وزيره في الداخلية خلال إحدى حصص الغولف بسؤال حول الأسباب الحقيقية وراء الهزيمة باعتذار في قلب الدار، فكان جواب إدريس البصري أن فريق نهضة سطات فضل أن يكون في استقبال الموكب الملكي الذي كان يسير في نفس اليوم في اتجاه مراكش مرورا بسطات والاحتفال بقدوم الملك «فكان الشرف العظيم التضحية بالمباراة في سبيل ذلك».
وتستمر الحكاية
لم تتوقف الحكاية عند مبرر إدريس البصري، بل كان للمباراة شوطها الثاني آخر، حيث إن النتيجة النهائية لهذا السيناريو تمثلت في قرار الملك الراحل بوضع إدريس باموس رئيس الجامعة تحت الإقامة الجبرية بمنزله بالقنيطرة، ولم ترفع عنه إلا بتدخل من الجنرال دو ديفزيون حسني بنسليمان يوم عيد الفطر من نفس السنة، حينما استعطف الملك مؤكدا له على ضرورة وجود رئيس جامعة الكرة باموس ضمن اللجنة المشرفة على ترشيح المغرب لاحتضان كأس العالم 1998، فكان القرار الملكي بمثابة رد الاعتبار لنهضة سطات».
أما على المستوى الإداري فبادرت لجنة الاستئناف إلى إلغاء قرار لجنة القوانين والأنظمة، بإعادة المباراة التي انتقل المراكشيون إلى سطات على مضض لخوضها رغبة من المديوري في طي الخلاف مع وزير الداخلية.
بالعودة إلى طفولة عبد العالي، يتبين أن الفتى بدأ لاعبا في شبان النادي القنيطري، قبل أن تنتقل عائلته إلى الرباط، حيث التحق بوظيفة في مستشفى ابن سينا وهو شاب يافع، وانضم للفريق المهني للمستشفى الذي كان يخوض مبارياته بشكل منتظم في إطار البطولة المهنية. إلا أنه اختار الصفارة وتحول إلى حكم واعد قبل أن يشق طريقه نحو النجومية.
شخصية القاضي
كان عبد العالي سفيرا للصفارة المغربية في المحافل القارية والعربية، قال عنه الحكم الدولي المصري جمال الغندور، إن التحكيم العربي افتقد حكاما يملكون شخصية القاضي، مشيرا إلى الناصري والكزاز وبلقولة ولاراش والعرجون، الذين خاضوا مباريات عديدة في مصر سواء في إطار قمة الأهلي الزمالك أو مباريات إفريقية وعربية.
حين اعتزل الناصري الصفارة، انخرط في المجال الجمعوي، وأصبح رئيسا لجمعية الحكام المغاربة لسنوات، حاملا لزملائه الممارسين والمعتزلين العديد من المكتسبات، بل إنه أصبح عضوا مؤثرا ضمن مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين، وترأس وفد الرياضيين السابقين الذين تم اختيارهم من طرف المؤسسة للتوجه إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج، وكان ضمن البعثة الحكم الدولي بلفتوح.
ساهم الحكم الدولي السابق عبد العالي الناصري باعتباره عضوا في لجنة الشؤون الاجتماعية، في إيجاد حلول للعديد من زملائه الحكام الذين عاشوا أوضاعا اجتماعية صعبة، على غرار دوره كنائب لرئيس جمعية «صداقة ورياضة» التي يرأسها سعيد بنمنصور اللذين يجمعهما التحكيم على اعتبار أن هذا الأخير شغل منصب رئيس لجنة التحكيم في جامعة كرة القدم لفترة طويلة.
عرف عن الناصري جرأته في تناول الشأن التحكيمي في بلادنا، فحين قررت «فيفا» فرض جهاز تقنية «الفار» وشرعت الجامعة الملكية المغربية في اعتماد التكنولوجيا في مباريات القسم الاحترافي، أدلى عبد العالي بدلوه مشيرا إلى أن زاوية الرؤية هي التي تعوز الحكم الذي كان معرضا للخطأ حسب الرؤية، والموقع وحسب المكان والحالة والسرعة عند الخطأ، وأضاف بأن الرجوع إلى «الفار» يمكن من تدارك الخطأ.
وحين أصدرت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم قرارا بتوقيف الحكم الدولي هشام التيازي انتفض عبد العالي في وجه القرار، وطالب علنا برد الاعتبار لهذا الحكم ومستقبلا التحلي بالتريث عند اتخاذ أي قرار. وقال إن الحكم إنسان معرض للخطأ وينبغي تفادي القرارات المتسرعة التي قد تؤثر سلبا لا على الحكم المعني وحده، بل على أسرة التحكيم برمتها، ولابد من الاهتمام بالتكوين على صعيد العصب، وتكوين الحكم يساهم فيه الجميع حتى الفرق، «في كل أسبوع نقف على أخطاء يرتكبها اللاعبون فنيا في التباري فهل ننهي مسار جميع الممارسين الذين يخطئون.. الحكم مستعد للتأديب إذا أخطأ، والأخطاء واردة في اللعبة».
الحكم الدولي المغربي السابق الناصري في سطور
من مواليد 31 دجنبر 1946 بالرباط
-كان لاعبا لشبان النادي القنيطري
و للفريق المهني لمستشفى ابن سينا .
-حكم كرة قدم مغربي ودولي سابق
-أدار العديد من المباريات في مجموعة من المسابقات الوطنية والقارية
نهائي كأس العرش: 1975-1976-1983-1984
نهائي كأس العرب لكرة القدم 1988
كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم 1990
ذهاب نهائي كأس إفريقيا للأندية الفائزة بالكؤوس 1991
كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم 1992
– عضو جمعية الحكام بالاتحاد العربي لكرة القدم في الفترة الممتدة من 2002 إلى 2005
– مدرب وطني ودولي للحكام
– عضو في جمعية الحكام بالجامعة الملكية المغربية لكرة القدم من 2001 حتى 2005
-رئيس الجمعية المغربية للحكام الدوليين
-عضو بجمعية «صداقة ورياضة»
-عضو بمؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين