مانويل بينيا فنان إسباني يقتني عقارا ويحوله إلى مسرح ثم يهديه لزوجته اسبيرانسا
حسن البصري
لم يكن أحد يعتقد أن مسرح «سرفانتيس» في طنجة بني بمبادرة فردية وأن التمثيلية السياسية الإسبانية في المدينة لا يد لها في هذا الصرح، بخلاف باقي المرافق الاجتماعية والثقافية التي تكون الحكومات مساهمة فيها بناء أو تجهيزا أو تدبيرا.
في يناير 1911، أقنع مقيم إسباني اسمه مانويل بينيا أحد الملاكين الإسبان ويدعى أنطونيو غاليغو، بقبول عرض اقتناء قطعة أرضية غير بعيد عن ميناء المدينة، قال إنه سيخصصها لبناء مشروع غير مدر للربح. وفي 2 أبريل من السنة نفسها وضع حجر الأساس للمشروع الذي هو عبارة عن مسرح كبير. تجمع كثير من الروايات على أن مانويل قرر إهداء المسرح لزوجته دونيا اسبيرانسا، كعربون حب وأن يفتتحه بعرض على شرفها.
في كتابه «طنجة قرن من التاريخ» يتوقف المؤرخ إسحاق يوسف الصياغ، عند هذه المعلمة، فيقول: «مسرح سرفانتيس الكبير اعتبر هدية قدمت من طرف أحد الإسبان المقيمين بالمدينة يدعى مانويل بينيا، إلى زوجته دونيا اسبيرانسا، تيمنا بحبها، كما يسمى أيضا مسرح سرفانتيس الكبير».
اتصل مانويل بمصلحة التجهيز الإسبانية في طنجة، حين كان يبحث عن مهندس معماري قادر على وضع تصميم لمعلمة ثقافية كبرى، فاهتدى إلى دييغو خيمينيت أشهر المهندسين في تلك الحقبة، هذا الأخير وعد بإنهاء الأشغال بعد أقل من عامين، وعلى امتداد هذه الفترة ظلت اسبيرانزا أوريانا وزوجها مالك المسرح آنذاك يترددان على الورش ويتابعان البناء عن قرب، إلى أن أوفى المهندس بوعده حيث اكتمل البناء سنة 1913، وأقيم احتفال بالمناسبة كان فيه الزوجان مانويل ودونيا في ما يشبه حفل زفاف.
ويضيف الصياغ في الكتاب نفسه أن المسرح ساهم، بعد افتتاحه، في «تحول جذري للمشهد الفني والثقافي في مدينة طنجة، حيث لم يعد من الضروري السفر إلى مدريد أو باريس لرؤية أروع المسرحيات».
كان المسرح يتسع لـ1400 شخص عند افتتاحه، ومن الأسرار التي يحفل بها هذا المسرح تجهيزه بتقنية تسمح له بتحريك مقاعده للتحول إلى شكل دائري فاسحة المجال لتقديم عروض راقصة، حيث تعتبرها كثير من المصادر من الأسرار التي لم تتم إماطة اللثام عنها، باعتبار البناية ظلت مغلقة لعقود.
عاش المسرح عصره الذهبي في فترة الخمسينات من القرن العشرين وكان يعد لمدة طويلة أكبر مسارح شمال إفريقيا وأشهرها، إذ استقطب أسماء بارزة من فناني تلك الحقبة التي كانت فيها مدينة طنجة تحت الإدارة الدولية، وكانت تقيم فيها ساكنة أوروبية كبيرة خاصة من الإسبان، الذين وصل تعدادهم إلى ثلاثين ألف شخص. ومن بين المشاهير الذين وقفوا على خشبة مسرح «سرفانتيس»، المغني أنطونيو كاروزو، والمغنية باتي أدلين، إضافة إلى فرق موسيقى الفلامينغو الإسبانية الشهيرة بداية القرن الماضي، وتقول العديد من الروايات إن مالك المسرح وزوجته وافقا على التبرع ببعض مداخيله لجبهة التحرير الجزائرية أثناء حرب الجزائر.
مات الزوجان وتوفيت معهما المعلمة الثقافية، لتتحول إلى بناية مهجورة آيلة للسقوط، ضمته إسبانيا لأملاكها قبل أن تغلق المسرح في ستينيات القرن الماضي. وفي فبراير من العام الماضي، قامت إسبانيا، مالكة الأرض والمبنى، بنقل ملكيته للمغرب في شكل هبة لا رجعة فيها بموجب بروتوكول وقع بالرباط، خلال حفل ترأسه الملك محمد السادس والعاهل الإسباني الملك فيليبي السادس.