شوف تشوف

الرأيالرئيسية

ماكرون والظاهرة الديغولية

لطالما شعرت باريس بأنها الأحق بقيادة الاتحاد الأوروبي إلى خيارات، قد لا يقبل بها بعض الأعضاء.

مقالات ذات صلة

ولو نظرنا مليا في التاريخ منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، فإننا سنجد أن الرؤساء الفرنسيين كانوا يتميزون دائما بعلو النبرة ورفع سقف المواقف السياسية، ولا غرو اليوم أن نجد الرئيس ماكرون يعلنها صراحة أن الاتحاد الأوروبي قد أصابه الملل من تلك السطوة الأمريكية على قراراته، مما يجعل البعض يصفه بالتابع الذليل للخيارات الأمريكية.

عندما شاهدت تلك التصريحات، كان الانطباع الأول أن الرئيس ماكرون يهدف إلى أن يصبح الاتحاد الأوروبي بمثابة قطب مواز للولايات المتحدة وروسيا، وعلى ندية مع الصين التي تحتاجها أوروبا كثيرا، وكل ذلك جسده الرجل بقوله: «نرغب في تجسيد رؤية أوروبية في الحياة الدولية».

الرئيس ماكرون منذ انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية لاحظ عليه كثير من المراقبين أنه متردد في حسم مواقف كثيرة، أو بمعنى آخر غير قادر على الانحياز إلى أطراف متضادة في صراعاتها في قضايا كثيرة، فلا هو قادر على نقد مواقف الناتو، حتى لو كان لديه اعتراض مبطن على بعضها، ولا هو يريد الابتعاد عن الصين أو فتح جبهة خاصة مع روسيا، وبالطبع فالموقف في تايوان يصعب معه الإمساك بالعصا من المنتصف.

كل المراقبين انتظروا موقف الاتحاد الأوروبي من تلك التصريحات، وهو الذي لم يتفق حتى الآن على الكيفية التي ستتعامل بها دول الاتحاد مع المواقف الصينية في مختلف الملفات الدولية، وهنا لا يمكننا أن نغفل العبارة، التي اختارها الرئيس ماكرون في هذا الشأن وهي (تجنب مواجهة الصين).

وهنا يتكرر التساؤل، هل أوروبا تتبنى موقف ماكرون؟ والإجابة أننا هنا نلاحظ أن المواقف المؤيدة كانت خجولة، بل اقتصرت على كتل نيابية محدودة التأثير في بلادها، كالحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، مع أحزاب في دول أخرى رأت في كلام ماكرون أنه خطاب استقلال استراتيجي.

لا شك أن الاقتصاد هو ما تحبذ الإدارة الأمريكية فرضه كقطيعة على كل من تصنفهم كمنافسين، والحديث هنا ولا شك عن الصين أولا، حيث تسير الدول الأوروبية في تسلسل ممنهج على النظر في إمكانية قيام علاقات تجارية مميزة وضخمة ومتجددة مع أحد أكبر اقتصاديات العالم، حتى وإن كان حجم التجارة الحالية بين ذلك الاتحاد والصين يقارب التريليون دولار.

بالقرب من الكابيتول بواشنطن لم يمر موقف ماكرون مرور الكرام، حيث هدد السيناتور ماركو روبيو الاتحاد الأوروبي بتركه وحيدا في أزمة تعامله مع القضية الأوكرانية، لكنه ترك الباب مواربا لمن أراد من الاتحاد الأوروبي أن يقول إن هذه التصريحات تخص ماكرون دون غيره من قادة أوروبا.

على المستوى الشخصي أرى في تلك التصريحات مناورة يريد بها ماكرون إقناع الصين بعدم الشراكة مع بوتين في أحلامه العسكرية والاقتصادية، وفي خلاصة لا بد أن يخرج بها من تابع تصريحات ماكرون وغيره من الرؤساء الفرنسيين منذ انتهاء الظاهرة الديغولية، فإن الساسة في فرنسا يطلقون من وقت إلى آخر أصوات نشاز عالية، لا يلبثوا بعد وقت يسير أن يتراجعوا عنها، وكأنهم يريدون القول إن فرنسا موجودة ضمن الكبار الذين كان حظهم أن ينتصروا في الحرب العالمية الثانية، لكن لم يكن حظهم من النجاح الاقتصادي متساويا، كما حظ الصين والولايات المتحدة.

ماريا معلوف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى