محمد اليوبي
توصلت المديرية العامة للجماعات المحلية والمفتشية العامة للإدارة الترابية بوزارة الداخلية، بتقارير سوداء حول خروقات وتلاعبات خطيرة شابت عملية تفويت عقارات تدخل في ملكية الأملاك الجماعية بأثمنة بخسة، استفادت منها «مافيا» العقار بالعديد من المدن في إطار تواطؤ مكشوف مع رؤساء المجالس الجماعية أو نوابهم المكلفين بتدبير هذه العقارات، رغم وجودها بمواقع استراتيجية، ما أضاع مبالغ مالية تقدر بالملايير.
وكشفت المصادر أن رؤساء جماعات أغلبهم ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية، قاموا بتفويت عقارات تدخل ضمن الأملاك الجماعية، بهدف تغطية العجز الذي تعرفه ميزانية المدن التي يشرفون على تسييرها، والمثير في الأمر، حسب المصادر ذاتها، هو استحواذ منعشين عقاريين معروفين على بعض العقارات التي توجد بمواقع استراتيجية، ما ينذر بتفجر فضائح من العيار الثقيل تخص بعض الملفات، ولمحاصرة تغلغل «مافيا» العقار داخل المجالس الجماعية، سارعت المديرية العامة للجماعات المحلية إلى إعداد مشروع قانون يتعلق بأملاك الجماعات الترابية، وهو بمثابة نظام قانوني موحد لأملاك الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، وقد تمت إحالة المشروع في صيغته النهائية على الأمانة العامة للحكومة، بتاريخ 3 يوليوز الماضي، بهدف عرضه على مسطرة المصادقة بالمجلس الحكومي ثم غرفتي البرلمان، ويهدف المشروع إلى تعديل وتوحيد النصوص التشريعية المنظمة لهذه الأملاك، التي تتسم بتعددها، وكونها متجاوزة، إذ ترجع إلى عهد الحماية، كما أنها غير مكتملة بفعل غياب مقتضيات خاصة بتدبير الملك العام الجماعي، إضافة إلى تعقيد المساطر وعدم ملاءمة أساليب تدبير الملك الجماعي، مما يؤدي إلى ضعف المساهمة في موارد الأملاك الجماعية في تنمية هذه الجماعات.
ولتجاوز هذه الوضعية، فإن مشروع القانون يهدف إلى تنمية الأملاك الجماعية وتحسين مداخيلها وتحديث أساليب ومساطر تدبيرها وتعزيز المحافظة عليها، ولتحقيق هذه الأهداف، ينص مشروع القانون على تطبيق قواعد الحكامة الجيدة، كإلزامية اللجوء إلى المنافسة كمبدأ عام لتفويت أو كراء الملك الخاص والترخيص بالاحتلال المؤقت للملك العام، مع تقنين وضبط حالات الاتفاق بالتراضي، مع وضع ضوابط لمسك وتحيين ومراقبة سجل المحتويات وعرضه لمداولات المجلس، وجعله وثيقة إلزامية وأساسية لتدبير هذه الأملاك وحمايتها، كما ينص المشروع على اعتماد تخصيص الأملاك العقارية لاستعمال العموم، أو لتسيير مرفق عام كمعيار لتمييز الأملاك العامة عن الأملاك الخاصة، وإقرار مسطرة لتحديد الملك العام للجماعات الترابية بما يعطي ضمانات إضافية لحماية الحقوق المحتملة للغير، مع تشجيع الاستثمار في الملك العام، بمنح ضمانات للمستفيدين من رخص الاحتلال المؤقت، في حالة سحبها لأسباب المنفعة العامة وذلك بإلزام تعليل قرار السحب، ويشترط القانون ضرورة موافقة المجلس الجماعي على الأثمنة الافتتاحية للمزايدات العمومية المتعلقة بالتفويت أو الكراء أو الاحتلال المؤقت للملك العام بإقامة بناء.
وتتولى المديرية العامة للجماعات المحلية، إحصاء أملاك الجماعات الترابية وتحفيظها، وضبط وحماية الأملاك الجماعية وتنميتها، فضلا عن تعزيز الرصيد العقاري الجماعي، وتثمين وتحسين مردودية أملاك الجماعات الترابية. وحسب تقرير لوزارة الداخلية، فإن الإصلاح التشريعي وحده غير كاف لتحسين مردودية الأملاك العقارية للجماعات الترابية، بحيث تعمل المديرية العامة للجماعات المحلية على إجراء إحصاء شامل لهذه الأملاك لمعرفة الرصيد العقاري للجماعات، ووضع برنامج شمولي لتعميم نظام التحفيظ العقاري، لحماية هذه الأملاك من الترامي والضياع، وكذلك تحيين محتويات الأملاك الجماعية، بتقييد هذه الممتلكات التي تمت تسوية وضعيتها القانونية بالسجلات العقارية باسم الجماعات، وكذا العمل على تحيين الرسوم العقارية لهذه الأملاك.
ولمواجهة الاستحواذ على الأملاك العقارية الجماعية، سيتم الشروع في تحفيظ الأملاك غير المحفظة وتحيين الرسوم العقارية للأملاك المحفظة بكيفية تدريجية، لحماية الملكية العقارية الجماعية وتعبئتها لتحقيق التنمية المحلية، وذلك من خلال تطهيرها من الحقوق والتحملات والنزاعات وتأسيس رسوم عقارية تعكس الوضعية القانونية والمادية لهذه العقارات، وضبط سجلات محتويات أملاكها وتحيين البيانات المضمنة بها، حتى تكون مرجعا موثوقا به وشاملا للمعلومات المتعلقة بالأملاك المقيدة فيها وتواكب جميع العمليات الجارية عليها. كما وضعت وزارة الداخلية نظاما معلوماتيا يسمى «أطلس خرائطي» في إطار شراكة مع الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، يوضح موقع هذه الأملاك ومساحتها ورسومها العقارية ومشتملاتها، وسيساهم هذا النظام في تدبير واستغلال الأملاك الجماعية.
وستتولى مديرية الممتلكات بوزارة الداخلية القيام بدراسة ميدانية للاطلاع على الوضعية الجارية لاستغلال الأملاك الجماعية عن طريق الكراء والاحتلال المؤقت، وتقييم مردودية هذه الأملاك واقتراح الحلول الناجعة لإنجاح العملية، فضلا عن مراجعة الأكرية والإتاوات المستخلصة عن الاحتلال المؤقت للملك العام الجماعي لتحسين مردوديتها، وتطبيق المنافسة كقاعدة عامة في استغلال وتفويت الأملاك الجماعية لتحسين الحكامة وتطبيق الشفافية في تدبير هذا القطاع الحيوي، مع تطبيق الآليات القانونية والحكامة الجيدة في تدبير هذه الأملاك ومراقبة تسييرها.