شوف تشوف

سري للغاية

مارفين هاو : الرباط سحرتني وإدارة «راديو ماروك» أمرتني بعدم الحديث مع المغاربة نهائيا

الأمريكيون لم يكونوا يتقبلون فكرة أن تعمل امرأة مُراسلة للبلاد من الخارج وهكذا تحديتُ الواقع وقررت الاستقرار في المغرب يوما فقط قبل موعد رحيلي عنه نهائيا

رغم أن «مارفين هاو» صحافية مخضرمة، وراكمت تجربة عمل صحافي منذ سنة 1950 إلى حدود اليوم دون توقف، حيث لا تزال تشتغل لصالح صحيفة «نيويورك تايمز» الشهيرة، إلا أنها ترددت كثيرا قبل الموافقة على إجراء هذه المقابلة مع «الأخبار» لكي تتحدث لنا عن تجربتها الإعلامية في المغرب ما بين سنوات 1951 و1954.
تقول إنها اهتمت كثيرا بالواقع السياسي في المغرب مع بداية الخمسينيات، حيث إنها كانت تسكن في منزل مسؤول عسكري فرنسي في مدينة فاس سنة 1950 في إطار برنامج تعلم اللغة الفرنسية لكي تشتغل مراسلة للصحافة الأمريكية في فرنسا.
سألناها عن سبب اختيارها العمل في الخارج، رغم أنها تقول إن الولايات المتحدة وقتها لم تكن تتقبل أن تشتغل النساء مراسلات صحافيات خارج الولايات المتحدة. تُجيب «مارفين» بالقول: «دعني أقول لك إنني مغامرة، ولا أحب النمطية، لقد أردت كسر تلك القاعدة التي لم تكن تسمح للنساء بهذا النوع من العمل الذي يتطلب الشجاعة والخروج عن المألوف».
تقول «مارفين هاو» في مذكراتها التي نشرتها سنة 1954 إن رحلتها إلى الرباط لم تكن أبدا متوقعة. عند توديعها للأسرة الفرنسية التي أقامت معها سنة 1950، قررت أولا أن تقوم بجولة في فاس حيث تعرفت على المدينة وبدأ لديها فضول لاكتشاف المغرب الحقيقي الذي كان يرفض المسؤول العسكري الذي استضافها أن تتعرف عليه. تقول «مارفين هاو» أيضا إنها كانت فقط تريد مغادرة المغرب والعودة إلى باريس للبحث عن فرصة عمل مراسلة لصحيفة أو مجلة أمريكية. لكنها سمعت عن مقر «Radio MAROC» وأرادت أن تزور المقر من باب الفضول فقط. تقول: «لم أخطط نهائيا للعمل في المغرب. كان موعد الرحلة بالباخرة في اليوم الموالي لوصولي إلى الرباط. لكن الجولة التي قمت بها في الراديو جعلتني أذهب وراء حدسي».
تستحضر مارفين هاو هذه الأجواء: «رغم أنني كنت أهم بالمغادرة إلا أنني كنت محظوظة جدا. لأن الولايات المتحدة الأمريكية وقتها كانت قد وقعت اتفاقية مع فرنسا لإقامة أربع قواعد عسكرية، ولم يكن هناك اتصال كبير بين الأسر العسكرية والمغاربة. وكبادرة صداقة بين الفرنسيين والأمريكيين، اقترحوا تخصيص برامج أخبار وموسيقى على أمواج «راديو ماروك» للترفيه عن الجنود في القاعدة الأمريكية وأسرهم أيضا.
كانت مديرة البرنامج أمريكية، وهي أرملة عسكري فرنسي، ومساعدتها كانت زوجة ضابط في البحرية الأمريكية، وكانت لديها خبرة في التلفزيون، وقد وافقت على توظيفي لأنني ببساطة كنت الأمريكية الوحيدة التي جاءت إليهم».
تعترف «مارفين هاو» بأنها كانت تظن في البداية أن الطريق أمامها سوف يكون مفروشا بالورود. كانت تعتقد أن مجرد تسرب فكرة الاستقرار في المغرب سوف يعني أن أبواب Radio MAROC سوف تُفتح أمامها تلقائيا. وأن الأمريكيين في القاعدة الجوية في القنيطرة أو الأمريكيين الذين يستقرون في مدينتي الرباط والدار البيضاء، على قلتهم، سوف يُدمنون صوتها وإطلالتها باللغة الإنجليزية على الأثير.
كانت «مارفين هاو» قد خرجت بفكرة عميقة من مدينة فاس التي استقرت بها السنة التي سبقت وصولها إلى الرباط. أمضت سنة 1950 كلها في ملاحظة حجم العنصرية التي يكنها الفرنسيون للمغاربة رغم أنهم كانوا يعيشون وسطهم. قالت في مذكراتها إن أسرة المسؤول العسكري كانت تعتبر المغاربة «صنفا» بشريا متأخرا، وأن الفرنسيين جلبوا الحضارة إلى المغرب وبالتالي يحق لهم الهيمنة على الحياة الاجتماعية والسياسية للمغاربة.
والحقيقة، تواصل «مارفين هاو»، أن الشعب المغربي ضارب في التاريخ ولديه حضارة مستقلة وتاريخ خاص ولديه نخب من المتعلمين والشباب الذين التقتهم وتجولت معهم في فاس بعد انتهاء إقامتها في منزل أسرة المسؤول العسكري الذي لم تُشر لاسمه نهائيا في مذكراتها، وفضلت أيضا عدم الإشارة إليه أثناء تسجيل المقابلة معها لصالح «الأخبار».
تقول: «لقد كانت هناك عنصرية مقيتة جدا ضد المغاربة. كما أنني وجدت نفسي أمام إقصاء فرنسي لكل ما هو مغربي حتى في الصحافة. لقد قالوا لي في «راديو ماروك» عندما أردت بدء العمل، بشكل مباشر: «ممنوع التطرق إلى السياسات المغربية». وقالوا لي أيضا: «لا تواصل مع المغاربة. التواصل سوف يكون مسموحا فقط مع الشخصيات السامية المغربية والموظفين المغاربة الذين يعملون في الإدارة الفرنسية والذين تم اختيارهم بعناية».
هل ستقتنع «مارفين هاو» بالقواعد الفرنسية الصارمة؟
شابة أمريكية حسناء، ومحبة للحياة، وبطموح صحافي أرادت من خلاله، بالإضافة إلى العمل في «راديو ماروك» الرسمي، التعاون أيضا مع الصحافة الأمريكية وكتابة مقالات بالإنجليزية عن المغرب والمغاربة، سوف يضع علاقتها بالإدارة الفرنسية على المحك بكل تأكيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى