شوف تشوف

الرأيالرئيسية

ماذا عن المقابر الفرنسية؟

يونس جنوحي

 

هل يُعقل أن يقاطع الفرنسيون الانتخابات بعد أن وصلت إلى آخر محطات التنافس على الرئاسة؟

الكتابات التي ظهرت في الشوارع الفرنسية وعلى واجهة بعض المحلات، باللون الأحمر القاني، بكل ما يحمله من إيحاءات بالخطورة، جديرة فعلا بالتأمل.

كُتبت على الواجهات الزجاجية في بعض المحلات العبارة التالية : «Ni Le pen Ni Macron».  العبارة واضحة جدا ولا تحتمل أي تأويل أو قراءات.

«لا لوبان ولا ماكرون». في نظر هؤلاء الذين يمكن اعتبارهم «ساخطين على الوضع» في فرنسا، فإنه لا أحد من اللذين أفرزتهما النتائج النهائية جدير بقيادة فرنسا خلال السنوات المقبلة.

رسوم تسيء إلى شخص «ماكرون» صورته مؤخرا وكأنه أحد «مصاصي الدماء» يقضم خريطة فرنسا واضعا إياها بكلتا يديه بين أنيابه، فيما رسومات أخرى تحاول تقديم «لوبان» على أنها سيدة لا تصلح لقيادة فرنسا بكل ما تحمله من اختلاف ومشاكل.

حسب بعض التحليلات في فرنسا، فإن انقسام اليسار وتدهور قلاعه هو السبب وراء بقاء «لو بان وماكرون» في المرحلة النهائية. هل سيمنح الفرنسيون خمس سنوات أخرى لماكرون؟

ما يهمنا في المغرب أن نسبة من الذين صوتوا لليمين المتطرف، في الدور الماضي، كانوا فرنسيين يعيشون في المغرب. وهذا أمر يستحق فعلا أن نقف عنده.

هل يعقل أن يكون الفرنسيون الذين يعيشون بيننا يحملون أفكارا متطرفة ضد المغاربة؟ الأمر وارد جدا، ما داموا قد منحوا أصواتهم لليمين.

لو كان هناك عاقل واحد بين الذين دعموا نقاط البرنامج الانتخابي القائم على تعميق الهوة بين الفرنسيين، حسب لونهم ودينهم، لطرح سؤالا بسيطا على الذين تقدموا للانتخابات باسم اليمين: ماذا ستفعلون بقبور آلاف الفرنسيين المدفونين في المغرب؟ هل ستعيدون رفاتهم إلى فرنسا بعد أن دُفنوا بين المغاربة قبل سبعين سنة أو أكثر؟

هناك مئات المقابر الفرنسية في المغرب، تتوزع على المدن الكبرى والصغيرة، وتعتبر اليوم آخر العلامات التي تُذكر بفترة الوجود الفرنسي في المغرب. ومن بين هؤلاء الفرنسيين المدفونين في المغرب، نجد شخصيات تحملت مسؤوليات إدارية وعسكرية ومنحها القصر الجمهوري في باريس الاعتماد لكي تزاول مهامها في المغرب. شخصيات أمنية وأخرى سياسية توفيت في المغرب، وكان من الصعب نقل جثامين أصحابها إلى فرنسا لتقرر العائلات دفنهم في المقابر المسيحية الموزعة شمالا وجنوبا، وفي منطقة الأطلس وصولا إلى حدود المغرب الشرقي.

هؤلاء الفرنسيون الذين كان من بينهم حاصلون على أوسمة من رئيس الجمهورية، مثل المبعوثين الإداريين التابعين للإقامة العامة، والذين تولى الرئيس الفرنسي السابق شارل دوغول، ورئيس الخارجية الفرنسي السابق إدغار فور، الذي قاد الاجتماعات مع الوطنيين المغاربة ومع الملك الراحل محمد الخامس تمهيدا للاستقلال منذ 1955.. توشيحهم بأرفع الأوسمة نظير خدماتهم في الإدارات الفرنسية، كلهم دفنوا في المغرب وتعذر نقل جثامينهم إلى فرنسا.

بل إن أول مقيم عام فرنسي في المغرب، وهو الماريشال ليوطي صاحب أرفع رتبة عسكرية في الجيش الفرنسي، دُفن في المغرب، بناء على وصيته، قبل أن تطلق دعوات متكررة لإعادة جثمانه إلى فرنسا وهو ما تم وسط جدل كبير.

على هؤلاء الفرنسيين الذين دعموا وصول «لو بان» إلى المرحلة النهائية، أو الذين صوتوا لصالح «إريك زمور» في المرحلة السابقة ولم يحقق سوى نسبة مخجلة من الأصوات لصالح اليمين، أن يبحثوا عن جواب لهذا الوضع العويص. إنهم يحاولون فصل فرنسا عن سياق حاضرها الحالي. إذ لا يمكن أبدا سحب «الجمهورية الخامسة» من واقع ظلت تكرس له طيلة قرن أو يزيد، وتزرع نفسها في تربة جديدة لا تسع إلا الفرنسيين.

C’est trop tard» »، كما يقال.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى