ماذا بعد «تحرير» الرمادي؟ ولماذا هدد البغدادي إسرائيل فجأة؟
اقتحام وحدات من الجيش العراقي مدعومة من الحشد العشائري، وبغطاء جوي أمريكي، مدينة الرمادي، ورفع العلم العراقي فوق المجمع الحكومي في وسطها، يشكل نكسة كبيرة لـ«الدولة الاسلامية»، وانتصارا أكبر لحكومة السيد حيدر العبادي، هي في حاجة ماسة إليه في وسط المعارضة القوية التي تواجهها حاليا من خصوم من مختلف المذاهب والأعراف (الأكراد).
من الواضح أن هناك اتفاقا بين القوتين العظميين، أمريكا وروسيا، إلى جانب حوالي مئة دولة من الشرق والغرب والشمال والجنوب، على تصفية هذه «الدولة» مع نهاية العام الميلادي الجديد، وقصقصة معظم أجنحتها في العراق وسورية، كمقدمة للقضاء عليها نهائيا، وبدأ تنفيذ هذا الاتفاق في تعزيز الجيش العراقي بالتدريب والتسليح، وتقوية شوكة قوات «البشمرغة» الكردية، مما أدى إلى استعادة جبل سنجار وتكريت وبيجي، وتجفيف منابع الدعم المالي من خلال قصف الشاحنات، وآبار النفط الواقعة تحت سيطرة «الدولة الاسلامية».
وإذا صحت الأنباء التي تحدثت عن اعتقال أبو عمر الشيشاني القائد العسكري لقوات «الدولة الاسلامية» مع عشرين آخرين من المسؤولين البارزين فيها، أثناء عملية إنزال أمريكي كردي جنوبي كركوك، ومقتل ألف مقاتل في معركة استعادة الرمادي، فإن الهزيمة تبدو باهظة جدا، ولكن من المؤكد أيضا، وفي الوقت نفسه أن عملية التحرير كانت كذلك أيضا، مع أننا لم نسمع حتى الآن، حجم الخسائر في صفوف القوات العراقية، والحشد العشائري المشاركة فيها.
الجيش العراقي الذي خاض هذه المعركة سيستعيد الثقة بنفسه، وقدراته، بعد هزيمته أمام بضعة مئات من «الجهاديين» في الموصل والرمادي، وفراره بالآلاف من أمامهم، وتسليم المدنيين دون قتال حقيقي، الأمر الذي عرضه للكثير من الانتقادات، داخل العراق وخارجه، ودفع أشتون كارتر وزير الدفاع الأمريكي إلى «غسل يديه» من هذا الجيش، والقول بأنه لا يملك إرادة القتال.
لا نعرف حجم مساهمة القوات الأمريكية في تحرير مدينة الرمادي من قوات «الدولة الاسلامية»، أو الدور الذي لعبه «المستشارون» الأمريكيون في هذا المضمار، فهناك أكثر من خمسة آلاف من هؤلاء في العراق حاليا، واعترف الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإرسال قوات خاصة إلى العراق قبل شهر، والطائرات الحربية الأمريكية هي التي وفرت الغطاء الجوي، فما المانع من وجود قوات تقاتل أو تدير المعارك على الأرض.
التسجيل النادر الذي وجهه أبو بكر البغدادي إلى إسرائيل وتوعدها بهجمات، وقال فيه «ما نسينا إسرائيل لحظة، وبإذن الله لن ننساها.. وقريبا قريبا بإذن الله تسمعون دبيب المجاهدين تحاصركم طلائعهم في يوم ترونه بعيدا ونراه قريبا.. وسيكون حسابكم عسيرا»، هذا التسجيل يكشف استشعار زعيم «الدولة الاسلامية» بالخطر وضيق الخناق عليه وعلى قواته.
فهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها البغدادي عن إسرائيل، وتوعدها بحساب عسير، وتجاهله للقضية الفلسطينية طول الأعوام الثلاثة الماضية، وتبرير ذلك بانشغاله «بالعدو القريب»، وتأجيل مرحلة مواجهة «العدو البعيد» عرضه ودولته للعديد من الاتهامات بموالاه الاسرائيليين والأمريكان من قبل الكثير من الأنظمة وجيوشها الإلكترونية المنتشرة بكثرة على وسائط التواصل الاجتماعي، والسعودية منها بالذات.
السؤال الذي يتبادر إلى أذهان الكثيرين بعد هذا الانتصار الكبير للقوات العراقية في استعادة مدينة الرمادي التي تشكل مفتاح العاصمة بغداد، عما إذا كان بداية النهاية لـ«الدولة الاسلامية» وبدء العد التنازلي لأفول نجمها، وربما زوالها؟
من السابق لأوانه الإغراق في التفاؤل، وإن كان من حق المنتصرين أن يرقصوا طربا ونشوة في المجمع الحكومي في الموصل، فهذا الانتصار ربما يتبخر بسرعة إذا ما عم الغرور أصحابه، وأعماهم عن رؤية الأسباب الحقيقية لنمو «الدولة الاسلامية» وإيجاد الحاضنة الشعبية لها، وهي ممارسة سياسة التهميش والإقصاء الطائفي، ولعل منع مشاركة ميليشيات شيعية في عملية تحرير الرمادي، أحد المحاولات للاعتراف بهذا الخطأ والعمل على تجنبه، وعدم تكرار التجاوزات التي حصلت في تكريت في مناطق أخرى في محافظة صلاح الدين.
انسحاب مقاتلي «الدولة الاسلامية» وتمترسهم في مدينة الموصل، باعتبارها آخر، وأهم معاقلهم في العراق، سيجعل من معركة استعادة السيطرة على المدينة، أو «تحريرها»، «أم المعارك»، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، ويبدو أن المسألة باتت مسألة أيام معدودة، لكنها لن تكون معركة سهلة، وقد لا تنتهي بالسرعة نفسها التي انتهت بها معركة الرمادي.
السؤال الآخر المهم هو عن الخطة B التي توجد في جعبة التحالف الروسي الأمريكي التي ستطبق في حال الانتصار المفترض على «الدولة الاسلامية»، وما هي البدائل لها، وللحاضنة التي تمثلها وتستمد قوتها منها، والسؤال نفسه يمكن أن يتم طرحه بالنسبة إلى «الدولة الاسلامية» نفسها، وعن خططها البديلة، وإذا كانت تملكها، في حال تشديد الخناق عليها والقضاء عليها بالتالي؟
لا نعتقد، ومن خلال متابعتنا لما حدث في ليبيا والعراق واليمن، أن التحالف الأمريكي يملك أي خطط بديلة لمرحلة ما بعد الاحتلال والدمار والقتل، وتغيير الأنظمة، والشيء نفسه ينطبق على الدول أو الحكومات الدائرة في فلكه.
بدائل «الدولة الاسلامية» معروفة وهي مواصلة أعمال العنف والإرهاب، والعمل تحت الأرض، وتوسيع دائرة الهجمات، والتحول إلى الأعمال والهجمات والتفجيرات الثأرية الانتقامية، وهزيمتها في الرمادي والرقة والموصل في حال حدوثها، وهو أمر قد يحتاج إلى سنوات، قد لا تعني اختفاءها كليا، إذا استمرت الأسباب التي أدت إلى صعودها.
صحافي ياباني زارني في لندن لإجراء لقاء معي حول كتابي الجديد Islamic State The Digital caliphate، قال لي لماذا تتعمد أمريكا الإقصاء والتهميش مع العرب والمسلمين، خاصة بعد احتلالها لأرضهم، وتغييرها لأنظمتهم؟ واستطرد قائلا: «أمريكا بعد احتلالها اليابان بعد الحرب العالمية الثانية أعادت بناء اليابان، وأغرقت قوات الجيش الياباني المحلول بالمكافآت المالية والرواتب والتقاعد المريح؟ فلماذا لم تفعل ذلك مع العراقيين، وجنود الجيش العراقي الذي احتلته؟».
أجبته بالقول لأنها تكره العرب والمسلمين وتعتبرهم خطرا عليها، ألم يقل الرئيس السابق جورج بوش الابن إنه يشن حربا صليبية على العرب والمسلمين أثناء إرسال قواته لاحتلال العراق؟
دونالد ترامب المرشح الرئاسي الجمهوري للرئاسة عبّر بصوت مرتفع وصريح عن هذه السياسة عندما طالب بمنع المسلمين من دخول أمريكا، وتقدمه الكبير في استطلاعات الرأي على أقرب منافسيه، خير دليل على ذلك.. وما خفي كان، وسيكون أعظم.