ماذا بعد التقارير؟
إنه لأمر صحي أن يصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريره السنوي، حول أوجه صرف المال العام، من طرف المؤسسات والفاعلين العموميين. لكن ماذا بعد إصدار التقرير؟ ماذا حققت التقارير السابقة في محاربة الفساد والضرب بيد من حديد على كل أشكال التطاول على المال العام؟ كم من فاسد قادته تلك التقارير إلى السجن؟ كم هي الملايير التي تم استردادها بسبب سوء التدبير لمسؤولين بالوزارات والجماعات والمؤسسات العمومية؟
المؤكد أن هناك تخمة في التقارير التي يصدرها المجلس الأعلى للحسابات، لكن للأسف في ظل الوضعية البشرية والقانونية التي يعيشها المجلس، ظلت أذرع الفساد بنية ممارسته أو بدون نية مبسوطة تعيث سوء تدبير في المال العام، بينما تصيب بعض تقاريره مسؤولا هنا أو هناك.
إن ما يرغب فيه المغاربة حاليا هو معرفة مآل التقارير المالية وتحريك المساطر القضائية لمحاسبة المتلاعبين بالمال العام، والمتورطين في عمليات الفساد المالي وهم كثر ورائحة ملفاتهم تزكم الأنوف سواء وسط المنتخبين أو المسؤولين المعنيين وكل يوم ينشر غسيلهم على المنابر الإعلامية والتقارير المؤسساتية.
والتخوف هو أن تتحول تقارير المجلس الأعلى للحسابات إلى تقارير إنشائية روتينية، أو نصب تجميلي ليس له أي دور في المحاسبة ولا يثير الرعب داخل أوكار الفساد بل يتعايش معها بكل اطمئنان.
واليوم لا بد مما ليس منه بد، وإلا فإن الفساد بصوره المختلفة سيتحول إلى قاعدة متجذرة فيما النزاهة ستصبح استثناء شكليا لا معنى لها، فالوزير الذي تثبت مسؤوليته في إهدار المال العام ينبغي أن يحاسب، والمسؤول العمومي الذي يتسبب في إفشال استراتيجيات ملكية، كما هو الشأن بالنسبة للأمن المائي والطاقي والصحي ينبغي أن يحاسب، والمنتخب الذي يتاجر في الصفقات العمومية ينبغي أن يحاسب، والبرلماني الذي تتضاعف ثرواته بدون موجب حق ينبغي محاسبته عن الإثراء غير المشروع. هذا ما يعني أننا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما ضربة قضائية حازمة صارمة لوقف هذا العبث المتنامي، وإما أن نتعايش مع الفساد ونعتبره أمرا واقعا وقدرا نازلا لا فكاك منه، وحينها فإنه من الأفضل توفير على الأقل تعويضات المنتخبين والمسؤولين التي تخصص لها ميزانية الدولة 112 مليار درهم، وصرفها على من يستحق من المواطنين.
وبكل الوضوح الممكن، الكرة في ملعب القضاء الذي ينبغي أن يقوم بدوره كاملا في إعطاء معنى لتقارير المجلس الأعلى للحسابات وتحويلها إلى مرجعية للمحاسبة والمساءلة.