شوف تشوف

الرأي

ماذا بعد إحراج إثيوبيا؟

سامح راشد

كان متوقعا ذلك التراشق الدبلوماسي الذي شهده مجلس الأمن، مساء الخميس الماضي، بشأن ملف سد النهضة، بين إثيوبيا ومصر والسودان. ما كان غير متوقع ذلك التباين الواضح بين كلمات الدول الأعضاء ومواقفها في مجلس الأمن، فقد جاءت أشبه بمفارقات الدراما السينمائية ومفاجآتها. وجسدت حالة احتكاك حاد، لم يعد مقتصرا على أطراف الأزمة الأصليين، بل يشمل أيضا دولا إقليمية وعالمية. بعض تلك الدول معنية بالأزمة نفسها، لسبب أو لآخر. وبعضها الآخر معنية بمصالحها وبملفات مشابهة تخصها. وبين هذه وتلك دول أخرى لا ناقة لها في الأزمة ولا جمل، لكنها حرصت على تسجيل موقفها في تلك الجلسة التاريخية.
بالتأكيد، لم يتوقع أحد في القاهرة أو الخرطوم أن تنبري روسيا للدفاع عما اعتبرته «حقا» لإثيوبيا في بناء السد، بل والتحذير من استخدام القوة والاعتداء على ذلك «الحق». فيما لم يكن أحد ينتظر من إيرلندا أو فيتنام أو جزر سانت فنسنت أن تبادر إلى تسجيل مواقفها التي جاءت متوازنة ومحايدة، وإن لم تكن هي المواقف المأمولة مصريا وسودانيا، لكن دلالتها في حالة التصويت على أي قرار أن تلك الدول لن تقف ضد القاهرة والخرطوم وستلتزم الحياد.
كان لافتا أيضا ذلك الحذر الصيني، بالإحجام عن تبني موقف واضح. على الرغم من (أو ربما بسبب) أن الصين شريك أصيل في مشروع بناء السد. ولها في المقابل مصالح اقتصادية ودفاعية ضخمة مع القاهرة، ومعنية بشدة بالاستقرار في هذه المنطقة شديدة الحساسية والأهمية لمصالحها واستثماراتها، خصوصا في مشروعات الطاقة النفطية.
مقابل هذه المفاجآت، تبنت الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا مواقف متوقعة. وعبرت كل منهما عما يمكن اعتباره حيادا إيجابيا، أو لنسمه «الحياد المتحفز» بالنأي عن الانحياز إلى جانب أي طرف، على أن يكون ذلك مصحوبا بمتابعة دقيقة وحرص على تسوية الأزمة سلميا.
وراء هذه التشكيلة المتباينة من المواقف حسابات ومصالح وعلاقات، وبالتالي دوافع مختلفة من دولة إلى أخرى. لكن قراءة تلك المواقف لا تفيد فقط في تحديد الصديق وتمييزه من العدو، الأهم أنها تكشف بعضا من الظاهر، وكثيرا من المخفي في سياسات تلك الدول. وهو ما يساعد بدوره على استشراف مواقفها المستقبلية، وربما تحركاتها، حال حدوث تطورات مهمة في الأزمة، فالقواعد الإجرائية في عمل مجلس الأمن تتضمن القيام بمشاورات واتصالات قبل طرح مشروعات القرارات للتصويت. لكن الجلسات الرسمية، العامة والمغلقة، هي التي تضمن توثيقا رسميا لمواقف الدول تجاه الأزمات، سواء في وضعها القائم وقت الجلسة أو المحتمل لاحقا.
توقع صاحب هذه السطور في زاويته، الأسبوع الماضي، أن القاهرة والخرطوم ستعودان من جلسة مجلس الأمن خاليتي الوفاض، إلا أن الحد الأدنى الذي على الدولتين تحصيله من تلك الجلسة وما تضمنته من مواقف بعضها مفاجئ، هو وضع خريطة واضحة لتلك المواقف والتحسب لها ولأي مواقف أخرى قد تستجد في المستقبل القريب. هذا بالطبع في ظل واقع أن جلسة مجلس الأمن ليست نهاية المطاف، ولا تعني بحال انتهاء الأزمة أو السكوت عما تسعى إليه إثيوبيا من فرض أمر واقع يصعب تغييره لاحقا، وأن الدولتين لن تقفا عند هذا الحد، ولن تسمحا لأديس أبابا بالمضي في استكمال مشروع السد بشكل منفرد، إلا باتفاق حاكم أو بإجراء عقابي. وفي الحالة الأخيرة، سيكون لتحليل محددات (وأبعاد) تلك المواقف التي انكشفت في مجلس الأمن أهمية كبيرة في توجيه بوصلة تحرك القاهرة والخرطوم، إلا إذا كان غرض التوجه إلى المجلس فقط إبراء الذمة وإحراج إثيوبيا في القاعة المكيفة لمجلس الأمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى