ماتوا دفاعا عن فلسطين
في كتابه «العلاقات المصرية المغربية من 1956 إلى 1981»، تطرق الباحث المصري حسن البدوي إلى تفاصيل مشاركة القوات المسلحة الملكية المغربية في حرب الجولان وسيناء، وقال إن سعد الدين الشاذلي كان قد زار المغرب في 9 فبراير 1972، وناقش تفاصيل مشاركة الجيش المغربي في الحرب ضد إسرائيل، بل وتابع استعراضا لفيلق مغربي، بتنسيق مع الملك الحسن الثاني، لانتقاء القوات اللازمة لمساندة مصر وسوريا.
وعن تلك القوات يقول الملك: «لقد أرسلت تجريدة عسكرية إلى الجولان قبل اندلاع الحرب بستة أشهر، ووضعتها تحت إمرة القيادة السورية، وأمرت ضباطي بأن لا يبعثوا إلي بأي خبر كان، حتى ولو وضعوا في حالة استنفار، وقد نفذوا أوامري بالحرف. فلم أكن أود في حالة تسرب الخبر أن تنسب إلينا مسؤولية ذلك. أو يقال إنني أرسلت قواتي لكي أعطي لوجودها طابعا سياسيا، يمكنني بفضله الحصول بعد ذلك على مقابل مادي».
وبلغ عدد جنود التجريدة المغربية في سوريا، بحسب ما نشرت جريدة «الأهرام» المصرية، قرابة ستة آلاف مقاتل مع عدة دبابات ومدفعية ومدرعات قتالية، وكانت الكتيبة المغربية تضم خيرة ضباط وجنود المدفعية المغربية، الذين كان أغلبهم من ثكنة الرشيدية ومن مدرسة الدار البيضاء بمكناس، تحت إمرة الجنرال عبد السلام الصفريوي. وكانت البعثة مكونة من: 5450 جنديا و30 دبابة و12 طائرة و4 طائرات «ف- 5».
مرت سنوات طويلة لتبدأ تسريبات عن سر ارتفاع عدد شهداء القوات المغربية مقارنة بعساكر الدول الأخرى، وقيل إن عدد الشهداء فاق 170 عسكريا من كل الرتب، وتبين من خلال بعض الكتابات أن مؤامرة قد حيكت ضد قواتنا وهي في قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، حين حلقت الطائرات الإسرائيلية وقامت بقصفها، دون أن تكون محمية من الطيران السوري أو القوات السورية، ما أدى إلى استشهاد العشرات أغلبهم دفنوا في مقبرة الشهداء بالقنيطرة.
«الأخبار» تعيد ترتيب مشاهد شهامة مغاربة استرخصوا أرواحهم دفاعا عن عروبة مفترى عليها.
مصطفى طلاس يستشعر النوايا الانقلابية لأوفقير قبل حرب الجولان
في مذكرات «مرآة حياتي» للكاتب السوري العقيد مصطفى طلاس، الذي شغل طويلا منصب وزير الدفاع السوري ونائب رئيس أركان الحرب السوري في حرب الجولان عام 1973، والتي صدرت عن دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر في دمشق، كشف قيدوم رجال الجيش السوري في الفصل الأربعين من المذكرات الذي اختار له كعنوان: «إلى المغرب العربي» تفاصيل زيارته إلى المغرب، حيث اختار مصطفى طلاس أن يبدأ رحلته المغربية في سفر ذكرياته بالتذكير بأن أولى زياراته إلى المملكة كانت عام 1969، بمناسبة انعقاد المؤتمر الأول لمنظمة المؤتمر الإسلامي عقب حريق المسجد الأقصى، حيث كان ضمن الوفد السوري الذي ترأسه الرئيس نور الدين الأتاسي، باعتباره رئيس الأركان العامة للجيش والقوات المسلحة.
في هذه الرحلة تعرف طلاس على وزير الدفاع والداخلية المغربي آنذاك، الجنرال محمد أوفقير، خلال عشاء أقامه الأمير مولاي عبد الله، «كان برفقة زوجته أم فراس لمياء الجابري، التي ترتبط بصلة قرابة شديدة بفائزة الجابري، والدة علياء الصلح، زوجة رئيس وزراء لبنان الأسبق رياض الصلح، ووالدة لمياء الصلح، زوجة الأمير مولاي عبد الله».
لاحظ الوزير السوري بعد الانتهاء من العشاء أن الجنرال أوفقير يضع على عينيه نظارته السوداء، فاستفسره عما إذا كان يعاني من مرض على مستوى العينين، فنفى الجنرال ورفع النظارات ثم أعادها، علما أنه كان يعاني من مرض في عينيه يرجع لإصابته خلال الحرب العالمية الثانية، أثناء عمله ضمن الجيش الفرنسي من مخلفات قنبلة أضرت بملامح وجهه وعينيه.
بعد ذلك ينطلق وزير الدفاع السوري الأسبق للتحدث عن الكيفية التي أبلغ بها الملك الحسن الثاني بشكوكه حول شخص الجنرال أوفقير، ومما جاء في الفصل الذي اختار له عنوان «إعلام العاهل المغربي بنوايا الجنرال أوفقير»: «توصلت إلى استنتاج وقناعة راسخة بأن هذا الإنسان يتآمر على الملك الحسن الثاني، ويعد للإطاحة به بالتعاون والتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، حتى يتم إخضاع المغرب للسيطرة الأمريكية التامة».
زار المسؤول السوري علياء الصلح في بيتها ببيروت، وطلب منها إبلاغ الحسن الثاني بالمقلب الذي ينتظره، إذ قال لها: «إن الأمانة ثقيلة وأريد أن أريح نفسي من حملها، وأعتقد أنك أفضل من يحمل الأمانة، فقالت: «أنا جاهزة»، قلت لها: «إن لدي هاجسا لا يخطئ، وهو أن الجنرال أوفقير، وزير الدفاع والداخلية المغربي، يعد الترتيبات اللازمة للإطاحة بالملك الحسن الثاني، وأرجو أن تنقلي هذه المعلومة إلى العاهل المغربي، وأن تقولي له إن حدس اللواء طلاس قلما يخطئ»، فشكرتني على هذه البادرة، ووعدتني أنها ستتوجه إلى الرباط، بعد غد، في أول طائرة من بيروت إلى المغرب».
وأضاف اللواء السوري أنه بعد أن فشل الانقلاب، تذكر الملك المعلومات التي قد أرسلت إليه من سوريا منذ حوالي ثلاث سنوات، والتي أعلمته بنوايا الجنرال أوفقير الخبيثة تجاه الأسرة العلوية، ثم تذكر أمرا مهما قلته هو أن الطائرات لا يمكن لأحد أن يسمح بمدها بـ«الذخيرة»، إلا بقرار من الملك أو ووزير الدفاع.
خلال المفاوضات حول تفاصيل التجريدة المغربية التي قرر المغرب إرسالها إلى سوريا، دار حديث هامشي بين الحسن وحافظ، إذ أثنى الملك الحسن الثاني على المسؤول العسكري السوري، وقال مازحا لحافظ الأسد: «اطمئن لن تطالك يد الانقلابيين بوجود طلاس معك».
بعد فشل الانقلاب، تذكر الملك المعلومات التي قد أرسلت إليه من سوريا منذ حوالي ثلاث سنوات، والتي أعلمته بنوايا الجنرال أوفقير الخبيثة تجاه الأسرة العلوية
وزير الخارجية السوري: «كنا نحارب الحسن الثاني لكنه دعمنا في الحرب ضد إسرائيل»
أكد عبد الحليم خدام، الرجل القوي في النظام السوري السابق ووزير خارجية هذا البلد لسنوات طويلة، أن العلاقات بين سوريا والمغرب قد عرفت في الستينات انحباسا، سيما أمام المد البعثي والناصري، قبل أن تعود إلى طبيعتها عام 1972.
يقول عبد الحليم إنه قام بجولة في شمال إفريقيا في شهر مارس من السنة نفسها، زار خلالها كلا من تونس والمغرب والجزائر ثم موريتانيا، وكان الهدف من الزيارة شرح الوضع بمنطقة الشرق الأوسط، وإخبار هذه الدول بعزمنا على خوض الحرب ضد إسرائيل وطلب الدعم منها.
حل خدام بالرباط قادما إليها من الجزائر، وكان المغرب يعيش حالة احتقان سياسي ويحاول تدبير مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري للصخيرات. يقول عبد الحليم في حوار صحفي: «كانت الصورة التي نحملها عن الملك الحسن الثاني صورة مخيفة، عن ملك يقمع ويقتل، لكن بعدما جلست إليه وجدت أنه رجل حداثي وعميق، وقد أبان عن عاطفة قوية تجاه سوريا وحرص على دعمها، وقال: «نحن ليس لدينا بترول، لكن لدينا قوات سنرسلها لمساندة سوريا والمشاركة في الحرب إلى جانبها». أنا لم أصدق نفسي من الغبطة حين سمعت قوله، وأحسست كما لو أنني قطفت نجمة من السماء، الحسن الثاني سيرسل قوات لمساندة سوريا، في حين أننا كنا نحاربه ليل نهار».
اعترف خدام بدعم سوريا للمعارضة من خلال نواة لحزب البعث تشتغل بشكل سري، كما دعم الأسد الطلبة المغاربة المحسوبين على التيارات اليسارية، ومكنهم من منح دراسية في جامعات دمشق.
خلال اللقاء الذي جمع عبد الحليم خدام بالحسن الثاني، قال الملك إن المملكة المغربية تلقت ضربات من طرف الأسد، مضيفا أن المغرب سيضمد كل الكدمات فقط لأن القضية العربية فوق كل اعتبار، مشيرا إلى أن المملكة هي أبعد بلد عن سوريا جغرافيا، إلا أنها الأقرب عرقيا ووجدانيا، لأن الرابطة العلوية تجمع الشعبين.
اعترف خدام بنجاح الزيارة التي قام بها إلى المغرب، وما ترتب عنها من تأثير قومي كبير، وسيكون المغرب أول بلد يرسل قواته إلى سوريا، حيث وصل الجنود المغاربة إلى دمشق، قبل بداية الحرب بعدة أشهر، ووضعوا تحت إمرة الجيش السوري.
خدام: «لم أصدق نفسي من الغبطة حين سمعت قوله، وأحسست كما لو أنني قطفت نجمة من السماء، الحسن الثاني سيرسل قوات لمساندة سوريا»
الحسن الثاني يختار الجنرال الصفريوي قائدا للتجريدة المغربية
عاشت الثكنات العسكرية حالة تأهب بناء على تعليمات ملكية، فالملك قرر إرسال جنود مغاربة إلى صحراء سيناء، أياما قليلة قبل اندلاع الحرب بين العرب وإسرائيل، بعدما تم تجميع المجندين داخلها في 14 ماي 1973، أي حوالي ستة أشهر قبل بداية حرب أكتوبر. كان الملك الحسن الثاني قد حسم في مشاركة المغرب، واحتضنت الرباط خلال ذلك اليوم استعراضا عسكريا للتجريدة المغربية التي ستغادر إلى سوريا، وهو الاستعراض الذي تزامن مع احتفالات الذكرى 17 لتشكيل القوات المسلحة الملكية، وفيه اختار الملك باعتباره القائد الأعلى للجيش وأركان الحرب، الجنرال عبد السلام الصفريوي قائدا عاما للبعثة العسكرية.
خلال الحفل سلم الحسن الثاني إلى الجنرال الصفريوي بزيه الميداني وعلى رأسه الخوذة العسكرية، راية التجريدة المغربية، لحظات بعد توجيه الملك الأمر اليومي للقوات المسلحة الملكية، وخطابا خاصا قال فيه:
«تجريدتنا ستسافر بعد قليل للالتحاق بالواجهة للدفاع عن الوطن العربي. منذ تأسيس الجيش الملكي لم أعش ساعة تأثرت فيها أكثر مما تأثرت في هذه الساعة، وأنا أسلم التجريدة المغربية علمها الأصيل وعليها أن تظهره في أحسن مظاهره، وأبهى عناوينه. عليها أن تجعلنا نحن هنا نفتخر به ونفتخر بمن سيستشهد حوله».
وكان الجنرال عبد السلام الصفريوي الذي اختيرا قائدا عاما للتجريدة، من أشهر جنرالات تلك المرحلة من تاريخ المغرب، وكان صهر الجنرال أحمد الدليمي. ويوصف الصفريوي بأنه من العسكريين الأوفياء للملك، وكان من المستهدفين، وفق ما ورد في كتاب «ضباط صاحب الجلالة»، لمحجوب الطوبجي، الذي كان مساعدا للصفريوي في حرب الجولان، إبان محاولة انقلاب 1971 في قصر الصخيرات، فأصيب برصاصة في ركبته.
بعد حرب أكتوبر تقلد الجنرال الصفريوي عددا من المناصب، منها عامل أكادير ووجدة، ثم الدار البيضاء، كما عين قائدا للواء الخفيف للأمن، ومديرا للأكاديمية العسكرية الملكية، وانتهى به المطاف العسكري على رأس الحرس الملكي، وفي السلك الدبلوماسي، حيث كان سفيرا للمغرب لدى المملكة الهولندية.
الملك الحسن الثاني: «منذ تأسيس الجيش الملكي، لم أعش ساعة تأثرت فيها أكثر مما تأثرت في هذه الساعة، وأنا أسلم التجريدة المغربية علمها الأصيل»
العلام.. الرجل الذي نجا من انقلاب الصخيرات فاستشهد في الجولان
ولد عبد القادر العلام بمدينة سيدي قاسم يوم 20 شتنبر 1926، تلقى تعليمه العسكري بين مكناس وبوردو، شارك في حرب الهند الصينية وفي حرب الرمال، ونجا بأعجوبة من الموت في انقلاب الصخيرات، حيث أصيب في ذراعه، وبعد شفائه أرسله الملك الحسن الثاني إلى الجولان بسوريا للمشاركة في حرب أكتوبر، كقائد لفيلق عسكري تحت إمرة الجنرال عبد السلام الصفريوي.
شارك المغرب في المجهود الحربي العربي ضد إسرائيل بستة آلاف جندي وإمكانيات لوجستيكية عبارة عن دبابات ومدفعية ومدرعات قتالية، وسرب طائرات «إف – 5». رغم أن المغرب كان يعرف في تلك الفترة احتقانا سياسيا بعد انقلابي 1971 و1972، بل إن الجيش المغربي غادر البلاد صوب سوريا في اليوم الموالي لإعدام القادة العسكريين المتورطين في انقلاب الطائرة.
قامت التجريدة المغربية باستعراض عسكري في الرباط، قبل التوجه إلى سوريا عن طريق البحر، ووصلت إلى ميناء اللاذقية السوري، ومنه توجهت إلى مرتفعات الجولان، حيث تحصنت قبيل اندلاع الحرب، وبمجرد وصول اللواء المغربي كلف العقيد العلام بتسليم رسالة إلى الرئيس السوري حافظ الأسد، علما أن الصفريوي هو قائد التجريدة.
تقول رواية تاريخية سردها لحسن لعسيبي، الباحث في تاريخ المغرب: «إن المغرب أدى فاتورة مثقلة بالخسائر البشرية والمادية، حيث قتل أزيد من 170 جنديا مغربيا في جبل العرب السويداء»، وقيل إن «لواء التجريدة المغربية» قد تم إبادته بالكامل على يد دروز سوريا بالشمال وليس على يد الجيش الإسرائيلي. وقيل أيضا إن مؤامرة قد حيكت من أجل القضاء على جنود أشاوس، لكنهم لا يعرفون طبيعة المكان الذين يقاتلون من أجله إلى جانب وحدات عراقية، ساعدت المغاربة على تحرير جبل الشيخ.
وعلل الخبير العسكري محمد لومة في شهاداته على المعركة، سقوط الجنود المغاربة تباعا في الجولان، بـ«الفرق الشاسع بين المؤسسة العسكرية المغربية ونظيرتها السورية، حيث إن الأداء العسكري لجيش مغربي ينهج العقيدة الفرنسية سيكون ضعيفا جدا حينما سيتعامل مع نظير له يعتمد العقيدة السوفياتية كالجيش السوري، علاوة على عدم تمكن الجنود المغاربة من اللهجة المحلية لأهالي منطقة هضبة الجولان».
مات العلام في ساحة المعركة، وعثر في جيبه على مصحف كريم ظل يقرأه أثناء الحصار ويمني النفس بالفرج، قبل أن ينهي القصف حياته، ويتقرر دفنه في مقبرة بمدينة القنيطرة السورية، وتحديدا في قرية الست زينب. ولقد حظي قبر العلام وغيره من شهداء الجولان بزيارة الملكين الحسن الثاني ومحمد السادس، الذي كتب في سجل المقبرة: «أترحم بخشوع على أرواح شهدائنا الأبرار في معركة الجولان»، كما يقول الباحث حمادي الغاري.
إن الدور المتميز الذي قامت به التجريدة المغربية التي قاتلت في معارك تحرير الجولان السوري المحتل جعل من العلام نجما في هذه الحرب، ويحكي شقيقه أن عبد القادر كان قاب قوسين أو أدنى من إلقاء القبض على «موشي دايان»، أثناء زيارة هذا الأخير إلى أحد الفيالق الموجودة بساحة الحرب، فشاهده عبر المنظار وزحف نحوهم بسرية وقتل العديد من الجنود الإسرائيليين، فيما نجا «موشي دايان» من الأسر الذي كان سيسقط فيه على يد العقيد العلام. يعتبر عبد القادر العلام من الوجوه والأسماء الخالدة التي طبعت تاريخ المغرب عامة ومدينة سيدي قاسم خاصة، وهو يعتبر بحق بطلا وطنيا استشهد في ساحة الشرف على شريط الجولان في أكتوبر 1973، ودفن بمدينة القنيطرة السورية.
الدور المتميز الذي قامت به التجريدة المغربية التي قاتلت في معارك تحرير الجولان السوري المحتل، جعل من العلام نجما في هذه الحرب
ليلة سقوط الجنود المغاربة في جبل الشيخ
أثارت المشاركة العسكرية المغربية جدلا كبيرا لدى عدد من المراقبين العسكريين والسياسيين، سيما بعد سقوط مجموعة من الجنود المغاربة في ساحة الحرب. ويروي محمد لومة، خريج الكلية الحربية السورية، والذي كان يراقب الحرب حينها من لبنان من موقعه كقائد عسكري لقطاع العرقوب التابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أنه «تم الإيقاع بالجنود المغاربة في «ثغرة»، كان من ورائها اللواء السوري حلاوة ذو الأصل الدرزي، عندما دخل في صفقة مع الإسرائيليين، وفتح بموجبها «ثغرة» بالليل لهجوم صامت من أجل اختراق الصفوف السورية، فكانت الضربة القاضية للمغاربة الذين فوجئوا بالهجوم، فسقط منهم عدد من القتلى والجرحى»، وهكذا (يضيف لومة) أصبح الهجوم صاخبا، بعدما تم استعمال الدبابات، المدفعية والرشاشات الثقيلة. غير أن الجيش السوري استطاع مواجهة الموقف، وأعدم في اليوم الموالي القائد حلاوة، الذي اعتبر خائنا. وفي هذا الصدد نفى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في برنامج «زيارة خاصة» على قناة «الجزيرة»، اتهامات بعض الأوساط للخيانة الدرزية في حرب أكتوبر، كانت الفاتورة باهظة حوالي 170 شهيدا.
ويرى لومة أن إدماج الفوج المغربي في نسيج عسكري من ربع مليون بعقيدة مغايرة، أمر مستحيل، بالرغم من وصول التجريدة المغربية بحوالي ستة أشهر قبل بداية الحرب، بسبب البون الشاسع بين المؤسستين العسكريتين. حينما سقط الجنود المغاربة تباعا في موقعة «جبل الشيخ» بالجولان السوري، لم يستسغ الراحل الحسن الثاني عدم علمه بموعد انطلاق حرب أكتوبر. يقول الضابط المغربي محجوب الطوبجي في كتابه «ضباط صاحب الجلالة» إن الحسن الثاني كان غاضبا بشدة على الجنرال عبد السلام الصفريوي الذي ترأس التجريدة المغربية، لعدم إبلاغه بتوقيت بدء الحرب، فبرر الجنرال موقفه بصعوبة التواصل عبر الأجهزة السلكية مخافة اكتشاف العدو للمواقع العسكرية، وإفشال الخطة المصرية السورية المعدة سلفا من طرف القيادة المشتركة.
ونظرا لكثرة الضحايا تقرر دفنهم في مدينة القنيطرة إلى جانب زملائهم العرب من مسيحيين ومسلمين. وهو ما تعبر عنه شواهد القبور التي ما زالت ماثلة في مدخل مدينة القنيطرة بمقبرة الشهداء.
في كتابه «كسرة خبز»، يتحدث سامي الجندي، وزير الإعلام السوري الأسبق المنشق عن النظام، عن الواقعة فيقول: «لم أُخفِ أبدا أن النظام في سوريا كان يعد لهزيمة وليس لاسترداد فلسطين، كي يبقى الثوري الوحيد وسيد المناخ الثوري العربي». وقال عبد الرحمن الأكتع، وزير الصحة السوري آنذاك: «كنت في جولة تفقدية في الجبهة، وفي مدينة القنيطرة بالذات، عند إذاعة بيان سقوط القنيطرة وظننت أن خطأ قد حدث فاتصلت بوزير الدفاع حافظ الأسد وأخبرته أن القنيطرة لم تسقط ولم يقترب منها جندي واحد من العدو، وأنا أتحدث من القنيطرة. دهشت حقا حين راح وزير الدفاع يشتمني شتائم مقذعة، ويهددني إن تحدثت بمثلها وتدخلت في ما لا يعنيني، فاعتذرت منه وعلمت أنها مؤامرة. وعدت إلى دمشق في اليوم الثاني وقدمت استقالتي».
لومة: «تم الإيقاع بالجنود المغاربة في «ثغرة»، كان من ورائها اللواء السوري حلاوة ذو الأصل الدرزي، عندما دخل في صفقة مع الإسرائيليين»
الحسن الثاني يخالف البروتوكول ويزور قبور شهداء حرب الجولان
حسب رواية الكاتب الصحافي عبد العالي جدوبي، الذي رافق الحسن الثاني في جولة إلى الشرق الأوسط وبعض دول الخليج العربي، في شهر أكتوبر 1992، فإن الوفد الإعلامي توقف طويلا عند زيارة الملك إلى سوريا، حيث يقول: «عند وصولنا إلى سوريا، حدث شيء لم يكن متوقعا في بروتوكول الزيارة الملكية في آخر لحظة، ذلك أنه كان من المفروض أن يكون الرئيس السوري حافظ الأسد في مقدمة المستقبلين لجلالة الملك، لكن هذا لم يحدث، وتم الاكتفاء بحضور وزير الخارجية الأسبق آنذاك فاروق الشرع، لم يستسغ الحسن الثاني الأمر، لكن بدهائه المعهود غير جلالته برنامج البروتوكول المسطر وقرر بعد نزوله من الطائرة، التوجه مباشرة إلى مقبرة الشهداء بالقنيطرة للترحم على أرواح جنودنا المغاربة البواسل، الذين دافعوا بأرواحهم عن الأراضي السورية». ساد ارتباك في صفوف السلطات السورية، بعدما «تبين أن الحسن الثاني توجه إلى مقبرة الشهداء، للترحم على أرواح الجنود المغاربة قبل المباحثات الرسمية، تأكيدا على التزام الملك بالقضية الفلسطينية وبالتضامن العربي، وفي هذا إحراج للرئيس السوري حافظ الأسد الذي غدر بالجنود المغاربة».
وقف الملك الحسن الثاني أمام مقابر الجنود المغاربة في لحظة تأثر شديد، بمقبرة الشهداء بالقنيطرة السورية، وصلى عليهم بخشوع، وكان تعبيرا صادقا منه إزاء الرعايا المغاربة، الذين ضحوا بأرواحهم فداء لنداء قائدهم الأعلى.
ومن مفارقات هذه الزيارة، أن قائد طائرة الخطوط الملكية المغربية من طراز «بوينغ 727»، المخصصة للوفد الصحفي المغربي وبعض مرافقي الملك، هو أخ لجندي شهيد دفن بمقبرة الشهداء بالقنيطرة، «أثناء وجودنا بدمشق لم يكف هذا الربان الشاب واسمه حميد عن البكاء، تقدمت عنده وسألته عن السبب، فأخبرني أن مسؤولا عن الوفد لم يسمح له بالذهاب مع الوفد إلى مقبرة الشهداء. توسط الزميل محمد الأشهب له عند مولاي أحمد العلوي، فرافقنا الربان إلى المقبرة وترحم على أخيه وعلى الجنود المغاربة الآخرين».
ساد ارتباك في صفوف السلطات السورية، بعدما تبين أن الحسن الثاني توجه إلى مقبرة الشهداء، للترحم على أرواح الجنود المغاربة قبل المباحثات الرسمية
حين أطلق النقيب ميلود رصاصة على قدميه كي يعفى من الجبهة
في رواية اختار لها الدكتور محمد طعنان كعنوان «ما باحت به سارة»، تنقلنا سطورها لحكاية لاجئ فلسطيني يدعى طارق من مواليد عكا عام 1948، اختار الهروب صوب مخيم الرشيدية في جنوب لبنان، كان مهووسا بخطب جمال عبد الناصر الحماسية، مدمنا على أخبار الإذاعة البريطانية. في أحد فصول الرواية يتحدث الكاتب عن رفاقه وهو الذي شب في فلسطين، وسافر إلى بلغاريا لدراسة الطب. وفي أثناء ذلك تندلع حرب 1967، ويهزم جمال عبد الناصر، ويسافر الطبيب الفلسطيني إلى المغرب، وهناك يكتشف الاختلاف الثقافي، هناك سيلتقي سارة اليهودية الفرنسية التي ولدت في الجزائر وما برحت تمتلك حنينا هائلا إلى أرض طفولتها، وسامي اليهودي المؤيد لإسرائيل، والنقيب ميلود الذي قاتل في الجولان وأصيب بجروح في رجله وآخرين. وفي تلك الديار البعيدة يكتشف أن في المغرب مدينة تدعى الرشيدية، فيتطوع للعمل طبيبا لسكانها البسطاء، بينما كانت سارة اليهودية ناشطة اجتماعية، كما ورد في الرواية.
رغم أن الرواية تركز أكثر على سارة التي كانت تحن إلى مدينة بشار الحدودية، بينما يجد زوجها صعوبة في دخول الجزائر، قبل أن يصبح طبيبا أخصائيا اجتماعيا يتعايش مع آلام ومشاكل السكان، ويحمله الحنين كل يوم إلى بلده. بدأ طارق الرحلة من مدينة الرباط، إلا أن النقيب المغربي ميلود كان حاضرا في دروب مسار هذا الطبيب، إذ ظل يعيده إلى ذكريات حرب الجولان التي شارك فيها، والتي قال إنه أطلق عيارا ناريا على قدميه كي يعفى من الوجود في الجبهة الأمامية.
وحسب صلاح أحمد فاخوري، فإن الرواية ترمز إلى العجز عن تحرير فلسطين مع أن الدواء معروف تماما، أي الوحدة العربية. وهي رواية الخداع المبتذل. «فالنقيب ميلود، بطل حرب أكتوبر 1973، والذي جرح في معارك الجولان، يعترف في لحظة ثرثرة وغضب وحشيش بأنه هو من أطلق النار على رجله، كي يسحب من مواقع القتال».
بدأ طارق الرحلة من الرباط، إلا أن النقيب المغربي ميلود كان حاضرا في مسار هذا الطبيب، إذ ظل يعيده إلى ذكريات حرب الجولان التي شارك فيها
محمد أمنزو.. ملازم مغربي عائد من جحيم جبل الشيخ
في شهادته على المعركة، تحدث الملازم المغربي محمد أمنزو الناجي من القصف الإسرائيلي الرهيب، الحاصل على وسام الشجاعة، عن أهمية لواء المدرعات الذي أرسله الراحل الحسن الثاني إلى سوريا، مبرزا أن تجميع الجنود تم في قاعدة رباط الخير «هرمومو»، بقيادة اللواء أحمد الصفريوي ونائبه العقيد البرنيشي والعقيد العلام، «كنت حينها ممرضا عسكريا بالفرقة الخامسة، قضينا ثلاثة أشهر من التداريب العسكرية قبل التوجه إلى ميدان الحرب، وعلى مدى أربعة أيام تجمعت التجريدة بمدينة وجدة، حيث استقلينا القطار متوجهين إلى الجزائر العاصمة، قضينا هناك يوما وعدنا إلى ميناء وهران، ومن هناك استقلينا سفنا حربية تابعة للاتحاد السوفياتي. قضينا في هذه الرحلة البحرية سبعة أيام، وفي عرض الأبيض المتوسط قبالة سواحل جزيرة قبرص توصلنا بإنذار يفيد بأن الجيش الإسرائيلي سيقصفنا بالطائرات الحربية، هذا التهديد خلق حالة استنفار في صفوف الجنود المغاربة، بعدها حلقت طائرات قبرصية في عرض سواحلها، ومن ثم وصلنا إلى الساحل السوري في ميناء طرطوس. تم إنزال التجريدة العسكرية والعتاد الحربي، قضينا ليلة هناك، وفي الصباح استقلينا حافلات سورية، حيث مررنا بحلب وحمص والحسكة ثم دمشق، حيث استقررنا بضواحي العاصمة وأنجزنا هناك تداريب ميدانية لمدة شهر، منها كيفية مواجهة الغازات السامة والنار الحارقة من خلال ألبسة واقية».
ثم تم تقسيم خطوط المواجهة، فتم تخصيص خط جبل الشيخ بالجولان للمغاربة لدرايتهم وخبرتهم في الحرب البرية، فيما ظلت القوات العراقية الأكثر عددا وعدة على الحدود في حالة استنفار قصوى.
«أصبت في اليوم الثامن من الحرب بجروح نتيجة شظايا قنابل انفجرت بجانبي، حينما كنت أقدم إسعافات للجنود المغاربة في خط المواجهة. حيث ردت القوات الإسرائيلية عبر هجوم جوي كاسح وهجوم ميداني لقوات «غولاني» العالية التدريب، فاستعادت جبل الشيخ وأجزاء مهمة من هضبة الجولان وتقريبا كل مدينة القنيطرة السورية، والسبب هو تراجع الطيران السوري عن حماية المنجزات المتحققة على الأرض من قبل القوات المدرعة المغربية والسورية».
وإلى اليوم هناك مقبرة كبيرة في القنيطرة وفي ضواحي دمشق تضم رفات أولئك الجنود المغاربة الأبطال، بأسمائهم وصفاتهم ورتبهم.
«تم تخصيص خط جبل الشيخ بالجولان للمغاربة لدرايتهم وخبرتهم في الحرب البرية، فيما ظلت القوات العراقية الأكثر عددا وعدة على الحدود في حالة استنفار»