شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

مات في ميغاراما

حسن البصري

مساء أول أمس الثلاثاء، كنت أتابع في المجمع السينمائي “ميغاراما” بالدار البيضاء، العرض ما قبل الأول لفيلم “قصة وفاء”. في القاعة المكتظة بالمدعوين عدد من الأسرى الذين قضوا سنوات طويلة في سجون البوليساريو.

قصة الفيلم تختلف عن سابقاتها، لأن الأسير كان شخصا في وضعية إعاقة، اختطفته ميليشيات جبهة الانفصال، أثناء حفل زفاف في مدينة طانطان وقضى سنوات في مخيمات العار.

كان الأسرى السابقون يحاولون مصادرة دموعهم وهم يتابعون أطوار قصة الفيلم، التي قد تختلف عن قصتهم لكنها تحرك في دواخلهم رعب الزمان والمكان.

إلى جانبي جلس صديقي بوشعيب لمباركي اللاعب الدولي السابق، يوزع اهتمامه بين “قصة وفاء” وبين “قصة عشق للرجاء” وهو يداعب هاتفا ينقل له وقائع مباراة الرجاء الرياضي والجيش الملكي.

حين انتهت الجولة الأولى من الفيلم ومن المباراة، تلقيت مكالمة هاتفية من صديق آثرت ألا أرد عليها، فالمكان لا يسمح بالرد على المكالمات، أمام إصرار المخاطب على الحديث أشعرته عبر رسالة هاتفية بوجودي في قاعة السينما ووعدته بمكالمة مباشرة بعد انتهاء العرض السينمائي.

سيشعرني صاحبي بوفاة علي نجاب، الطيار الذي سقطت طائرته في مربع عمليات البوليساريو، والذي سيقضي ربع قرن من حياته في الأسر. يا لهول الصدفة فقد مات الطيار الأسير حين كان الجمهور يتابع طلقة رصاص على قفا العريس المختطف..

مات صديقي علي الذي كان قيد حياته، حريصا على جمع أشلاء مرويات برنامج “عائدون من الجحيم” في كتاب، مات معد معاناة مع المرض في إحدى مصحات العاصمة الرباط.

كلما حل علي نجاب بالدار البيضاء، إلا وأصر على زيارة ثانوية الخوارزمي في درب السلطان، وهي المؤسسة التي حصل فيها على شهادة البكالوريا شعبة الرياضيات التقنية.

حين توقفنا ذات يوم أمام الثانوية، شرع في ترويض الذاكرة واستحضار أسماء الطلبة الذين كانوا بالأمس زملاء وانتهى بهم المطاف وزراء وخداما للدولة.

كان علي يدرس جنبا إلى جنب مع إدريس جطو، الوزير السابق والرئيس الأسبق للمجلس الأعلى للحسابات، لكن لكل حساباته المستقبلية فقد اختار علي التحليق في الأجواء وقصف تجمعات الانفصاليين، بينما فضل جطو الغوص في الحسابات وقصف مواقع الفساد المالي.

كشف لي علي عن محاولة الانضمام لصفوف شبان الرجاء البيضاوي، قال مازحا: “كنت موهوبا في كرة القدم لكن صعب الجمع بين الرياضيات والرياضة”. مات علي في يوم تجرع فيه فريق الرجاء هزيمة أمام الجيش الملكي، يا لمكر الصدف.

مات الرجل الذي يملك إصرارا رهيبا على ركوب الأهوال. قال إن علاقته بالطيران بدأت من صورة طيار أمريكي قام بإلصاقها في دفتره، وحين باغتته والدته بعتابها ولومها وهي تسأله عن هذا الشخص النصراني الذي يهتم بصورته.

 لم يقنعها جواب ابنها ودعته للاهتمام بواجباته الدراسية، لكن ستمر الأيام وستكتشف أن حلمه يسكن قاعدة جوية، وحين ذهب إلى أمريكا لاستكمال دراسته في مجال الطيران الحربي، أصر على أن يحاكي الطيار الأمريكي في صورته وهو يهم بصعود درج الطائرة ثم أرسلها إلى والدته، وحين عاد إلى المغرب اكتشف أن والدته قد وضعت الصورة إلى جانب صورة الطيار الأمريكي النصراني.

عندما كان الطيار المغربي تحت التعذيب في سجون البوليساريو، قامت زوجته عتيقة، بتأليف ديوان شعر حمل عنوان: “العيون الثلاثة تدمع..معاناة زوجة أسير”. العين الأولى للطفلة ابنته التي تحمل اسم علا، والعين الثانية هي لزوجته عتيقة، والعين الثالثة هي عين علي الأسير. في بيته تعايشت القوافي مع الطيران الحربي.

نم قرير العين وارقد بسلام فأنت بطل من أبطال قصة وفاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى