شوف تشوف

الرأي

ما هي ملامح الصفقة السورية التركية الجديدة؟

إذا صحت الأنباء التي تقول بأن الحكومة السورية قررت إغلاق جميع مقراتها الرسمية في مدينة الحسكة التي باتت تخضع لسيطرة قوات “الأسايش” الكردية، لرفع العلم الكردي فوقها، ونهب محتوياتها، ومنع الموظفين من دخولها، وهي تبدو صحيحة، فإن هذا يعني أن الأشقاء الأكراد يقدمون على خطيئة كبرى، وينسفون تحالفا صمد خمس سنوات، ووضعوا أنفسهم في مواجهة انتحارية مع العرب والأتراك معا.
الأكراد كانوا ضيوفا أعزاء، ومواطنين لهم حقوقهم الكاملة، أو معظمها، في سورية، وتجاوبت حكومتها مع غالبية مطالبهم في بداية الثورة، عندما جنست أكثر من ربع مليون منهم دفعة واحدة. وإعلانهم التمرد، ورفع أعلامهم على مقر الهيئة المركزية للرقابة، والتفتيش وسط المدينة، وتحويله إلى مقر لقيادة الأمن العام، خطوة غير مأمونة العواقب، لأن خسارتهم لن تقتصر على النظام، وإنما على الشعب السوري أو معظمه، سواء كان مواليا أو معارضا.
ندرك جيدا أن قوات “الأسايش” الكردية تحظى بدعم قوات أمريكية يزيد تعدادها عن 300 جندي، وغطاء جوي أمريكي، ولكن الحماية الحقيقية تأتي من خلال التعايش، وحسن الجوار، واحترام الاتفاقات التي جرى التوصل إليها في قاعدة “حميميم” قرب اللاذقية وبوساطة روسية، وأهم بنودها احترام المقرات الرسمية السورية، والهوية العربية السورية للمدينة.
الأتراك الأعداء الأكثر شراسة للأكراد لا يترددون لحظة في استغلال هذا العداء العربي الكردي المتصاعد الذي يغذيه الأمريكان في الوقت الراهن، تماما مثلما بذروا بذور الطائفية في العراق والمنطقة بأسرها فور احتلالهم لبغداد، وسمعنا نعمان كورتملوش نائب رئيس الوزراء التركي يؤكد أمس “أن الهدف من العملية العسكرية الكردية في مدينة جرابلس وجوارها (درع الفرات) هو تطهير المنطقة من “الدولة الاسلامية”، ومنع وحدات حماية الشعب الكردي من إقامة ممر متصل لمنع تقسيم سورية”، ونجزم أن “الدولة الاسلامية” كانت ذريعة وغطاء فقط.
الأمريكان الذين يراهن الأشقاء الأكراد على دعمهم لن يترددوا لحظة في التخلي عنهم، مثلما تخلى أصدقاؤهم البريطانيون والفرنسيون عن معاهدة “سيفر” التي أعطتهم دولة مستقلة عام 1920، عن أشقائهم في العراق وقائدهم مصطفى البرزاني، ولا نعتقد أنهم إذا خيروا، أي الأمريكان، بينهم وبين التحالف الايراني العراقي السوري التركي الجديد سيختارونهم، ويخوضون حربا إقليمية أو عالمية من أجلهم.
المنطق يقول أنه بعد خمس سنوات من سفك الدماء على الأرض السورية، وفشل جميع الأطراف المتقاتلة في حسمها عسكريا لصالحها، من المفترض أن يتم التوصل إلى حلول سياسية تحقن الدماء، بعد أن أنهكت الأطراف المتحاربة، ولكن ما يحدث، وبسبب التدخلات الاقليمية والدولية، قد يؤدي للعكس تماما، وباتت خريطة التحالفات تتغير بسرعة، وبما يؤدي إلى إطالة أمد الأزمة.
التوغل التركي المتصاعد داخل الأراضي السورية تحت ذريعة محاربة “الدولة الاسلامية”، يعني فتح جبهة جديدة ضد الأكراد غرب الفرات، وربما الدخول في عملية مقايضة مع السلطات السورية عنوانها تغيير أولويات الحرب، للمرة الثالثة: الأولى، كانت إسقاط النظام، والثانية اجتثاث “الدولة الاسلامية”، والثالثة، إجهاض طموحات الأكراد في إقامة ممر متصل من ديار بكر وحتى مياه البحر الأبيض المتوسط، شمال الحدود السورية مع تركيا.
عمليات التحريض ضد الأكراد، وتوظيف فصائل معارضة سورية عربية موالية لتركيا في هذا الإطار، بدأت، وسمعنا السيد مولود جاويش أوغلو يتهم وحدات حماية الشعب الكردي بأنها تمارس التطهير العرقي لـ”العرب”، في مناطق سيطرت عليها، وتسعى للاستيلاء على أراضي لا يوجد فيها إلا نسبة ضئيلة من الأكراد (منبج وجرابلس)، ويقومون بتوطين غير عرب (أكراد) فيها.
الحديث يتصاعد أيضا هذه الأيام عن صفقة تركية سورية مدعومة إيرانيا وعراقيا، وبدرجة أقل من روسيا، تتحدث عن عودة حلب للسيادة الرسمية السورية، مقابل إطلاق يد قوات (درع الفرات) ضد الأكراد، وأن هذه الصفقة تبلورت في اجتماعات بين قيادات استخبارية تركية سورية على أعلى المستويات في بغداد وطهران ودمشق وأنقرة أيضا.
الصراع في سورية، في نظر البعض، بدأ سنيا شيعيا، إسلاميا علمانيا، والآن يتحول إلى صراع ذا طابع قومي، أي عربي كردي، وتركي كردي، وفارسي كردي، وعلى ضوء هذا التحول، قد يتم رسم خريطة التحالفات الجديدة أو هكذا نتوقع إذا سارت الأمور في هذا الاتجاه وفق المخطط المرسوم. لا شيء يمكن استغرابه في الأزمة السورية، ومثلما نلمس تبلور التحالف السوري الرسمي التركي بشكل متسارع هذه الايام، لن نفاجأ إذا ما وجدنا فصائل المعارضة السورية “المعتدلة” الموالية لتركيا في خندق النظام السوري جنبا إلى جنب مع قوات “درع الفرات” فعملية الفصل بين المعارضة “المعتدلة» والأخرى “المتشددة” أي “الارهابية” تسير على قدم وساق، والأيام والأسابيع المقبلة حافلة بالمفاجآت.
الحكومة السورية تبدو هي الكاسب الأكبر، أو هكذا يعتقد كثيرون، فأعداء الأمس باتوا يطلبون ودها، والتحالف معها، والمغامرة التركية بالتدخل عسكريا عسكريا في سورية محفوفة بالمخاطر، والعرب الذين ضخوا المليارات، وآلاف أطنان الأسلحة في سورية، ومئات الآلاف من ساعات البث التلفزيوني، باتوا مهمشين، وفي ذروة الخوف والقلق، ولا نقول أكثر من ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى