ما هي خطط الحرب الأمريكية القانونية الابتزازية؟ (1/2)
كبريات شركات المحاماة في الولايات المتحدة الأمريكية بدأت قبل شهر تحضير العرائض التي ستتقدم بها إلى المحاكم الأمريكية لرفع دعاوى تعويض ضد الحكومة السعودية، وأمراء في الأسرة الحاكمة، ورجال أعمال، وربما شيوخ في دول خليجية أخرى، تطبيقا لقانون “العدالة لرعاة الإرهاب” الذي أقره كل من مجلسي النواب والشيوخ قبل أسبوع، ويسمح لأهالي ضحايا هجمات الحادي عشر من شتنبر باللجوء إلى القضاء الأمريكي طلبا للتعويضات.
ليس هناك أكثر جشعا وانتهازية من معظم شركات المحاماة الأمريكية في العالم، فهؤلاء يبحثون عن فرصة لمقاضاة أي طرف يقع بين براثنهم لابتزازه وإفلاسه، خاصة إذا كان عربيا أو مسلما، غنيا أو ينتمي إلى دولة غنية.
في أمريكا هناك مجموعة من المحامين يطلق عليهم Class Action Lawyers، لها مكاتب في كل مدينة أو بلدة، وتعلن يوميا في محطات التلفزة عن خدماتها في رفع دعاوى تعويض، وتحرض المواطنين مهما كانت إصاباتهم للجوء إليها دون أن يدفعوا دولارا واحدا كأتعاب، على قاعدةNo Win No Fee على أن تخصم الأتعاب من التعويض النهائي في حال الفوز بالقضية، وبدأت هذه القاعدة تنتقل إلى بريطانيا ودول أوروبية أخرى.
قضية تعويض ضحايا الحادي عشر من شتنبر ستكون صيدا ثمينا لهؤلاء “الهوامير” حسب التوصيف الخليجي، و”الذئاب” حسب التوصيف العالمي، ولا نستبعد أن نصحو يوم غد الاثنين على مئات القضايا مرفوعة ضد المملكة وأمرائها في أكثر من ولاية أمريكية.
أخطر ما كشفت عنه هذه “الواقعة” أنه لا يوجد أي “لوبي عربي” أو بالأحرى “لوبي سعودي” في الولايات المتحدة، رغم أن العرب، والخليجيين منهم بالذات هم الأكثر ثراء في العالم، وتزيد استثماراتهم في الولايات المتحدة عن تريليونين ونصف تريليون دولار، إن لم يكن أكثر تستأثر السعودية وحدها بحوالي ثلثها، فهل يعقل أن لا يصوت في مجلس الشيوخ إلا سيناتور واحد فقط من مئة سيناتور ضد مشروع القانون المذكور؟ وهل يمكن أن نصدق أن الرئيس أوباما الذي استخدم حق “الفيتو” ضده يعارضه فعلا، واستخدم نفوذه وحزبه في المجلسين، وحشد النواب والشيوخ الديمقراطيين لمنع اعتماده؟ لا نعتقد ذلك؟ كان ممثلا بارعا، وما زال.
السعوديون كانوا، مثلما اتضح، يعيشون تحت انطباع خاطيء حول حجم مكانتهم، وقوة نفوذهم، وعمق تحالفهم مع “الصديق” الأمريكي، ويملكون الأسلحة وأدوات التأثير، المالي والاقتصادي في الولايات المتحدة، وها هم يجدون أنفسهم “وحيدين” دون أصدقاء في مواجهة أكبر عملية “ابتزاز″ مالي في تاريخهم، بل وتاريخ العالم بأسره.
ردود الفعل السعودية على هذا الابتزاز كانت تتسم بلغة التهديد والوعيد في البداية، وسمعنا السيد عادل الجبير يهدد بسحب مئات المليارات من الاستثمارات في حال اعتماد هذا القانون، ولكن هذه اللغة تراجعت فور اعتماده، واختفى السيد الجبير من المسرح كليا، ولم نسمع له أي تصريح في هذا الصدد، ولا حتى في قضايا أخرى في الأسبوعين الماضيين، وخيرا فعل.
السلطات السعودية تحشد حاليا العديد من الوزراء والنواب والقيادات الأمنية الأمريكية المتقاعدة لتكوين “لوبي” يدافع عنها في مواجهة هذه الهجمة القانوينة الابتزازية، وبدأ هؤلاء يحجون إلى الرياض فرادى وجماعات لاغتنام الفرصة، وبيع بضاعتهم بأعلى الأثمان، ولكن الوقت ربما يكون متأخرا.
الأمر الغريب أن مسؤولين سعوديين سربوا لصحفهم وأدواتهم الإعلامية الضاربة، معلومات على درجة كبيرة من السذاجة، أبرزها أن هذا القانون لا يستهدف السعودية وإنما إيران، وينسى هؤلاء أن إيران الموضوعة على قائمة الإرهاب الأمريكية منذ ثلاثة عقود لا تحتاج مقاضاتها إلى صدور مثل هذا التشريع، وقد لوحقت إيران أمام المحاكم الأمريكية وصودرت لها أصول وودائع قبل سنوات.
لائحة الدعاوى قد تكون طويلة، ولائحة المدعين قد تكون أطول بعدة أميال، فكل واحد متضرر من هجمات شتنبر يسّن أسنانه، ويشحذ سكاكينه، ابتداء من شركات العقار، ومرورا بأهالي الضحايا وانتهاء بشركات التأمين، وكل شيء مؤمن عليه في أمريكا، وكل من تضرر حتى من غبار التفجيرات، أو تأثر نفسيا، قد يطلب التعويض.
لنأخذ قضية المواطن السعودي ياسين قاضي الذي “جرجرته” المحاكم الأمريكية بتهمة دعم الإرهاب وتقديم تبرعات لتنظيم “القاعدة”، فهذه القضية بدأت قبل 13 عاما ولم تنته، وكلفت صاحبها عشرات الملايين من الدولارات، وضغط نفسي لا يقدر بثمن، بسبب جشع المحامين وشراستهم، فأسلوبهم هو استخدام كل ما في جعبتهم من مدافع قانونية ثقيلة، ويضعونك أمام خيارين: إما الإفلاس ورفع الراية البيضاء، وفي هذه الحالة يفرضون، أو يستصدرون الحكم الذي يريدون، أو تغرق في نزيف مالي في حال إصرارك على الاستمرار.
لنترك الإجراءات القانونية جانبا في الوقت الراهن على الأقل، ونسأل عن الخطوات التي يمكن أن تقدم عليها السلطات السعودية لمواجهة هذه الهجمة غير المتوقعة في شراستها من قبل الحليف الأمريكي الاستراتيجي “السابق” الذي مارس أبشع أنواع الخديعة والغدر ضدها.
قبل الإجابة نقول إنها معركة، بل “أم المعارك” ويجب أن تواجه بقوة وصرامة، والدبلوماسية لم تعد تفيد كثيرا بعد أن أصبحت المسألة قانونية ذات طابع سياسي ابتزازي، ومن هنا نقترح الخطوات التالية:
أولا: أن تتصالح القيادة السعودية مع “أعدائها”، وأن تخرج بأسرع وقت ممكن من حرب اليمن بأقل الخسائر، وتعترف بأخطائها وخطاياها الكارثية، وتراجع مواقفها في الأزمة السورية، وتنفتح على العراق وإيران.
ثانيا: السعودية بحاجة إلى “لوبي” يكسب العرب قبل الأمريكان، من خلال مواقف وطنية جديدة تستميل الشعوب قبل الحكومات، فصورتها في العالم العربي سيئة، بل أكثر سوءا من صورتها في العالم الغربي، ومن يقول غير ذلك يخدع نفسه.
ثالثا: حشد دول الخليج خلفها بإلغاء ارتباط عملاتهم جميعا بالدولار، وتسعير برميل النفط على أساس عملات أخرى غير الأمريكية.
رابعا: إيقاف كل المعاملات بالدولار الأمريكي لتجنب مركز التسويات الأمريكية، ومقره نيويورك، الذي تمر عبره كل هذه المعاملات والتحويلات.
خامسا: سحب كل الاستثمارات والأصول من الولايات المتحدة تدريجيا.
سادسا: توظيف بيوت محاماة دولية، بالتنسيق مع الحكومات العربية التي تضرر مواطنوها، وبناها التحتية من التدخلات العسكرية الأمريكية، مثلما هو الحال في ليبيا والعراق واليمن وسورية، إلى جانب أفغانستان، ومقاضاة الإدارة الأمريكية لطلب آلاف المليارات من الدولارات كتعويضات لأهالي الضحايا والدمار المادي الذي لحق بهذه البلاد.
سابعا: وقف كل أنواع التنسيق مع الإدارة الأمريكية حول إنتاج وتسعير النفط، مثلما جرى عليه الحال طوال السنوات الأربعين الماضية.
ثامنا: إغلاق القواعد الأمريكية في المنطقة، ووقف كل أنواع التنسيق الأمني وأعمال مكافحة الإرهاب مع واشنطن.
اقتراحنا لهذ النقاط لا يعني أن السلطات السعودية ستعمل بها، أو تستطيع أن تعمل بها، ولكنها مجرد “خريطة طريق”، وسط حقول من الألغام الأمريكية والغربية، يمكن الأخذ بها كليا أو جزئيا، أو إهمالها كليا، فمن واجنبا أن نحلل ونجتهد، لأننا مسؤولون أمام القراء الذين هم أهلنا وأشقاؤنا الذين نقف في خندقهم دائما.
السعودية تقف أمام حرب شرسة أعلنتها عليها الولايات المتحدة، وقد يتطلب الأمر لاحقا، وبأمر القانون، فتح كل خزائن مخابراتها، ووزارة داخليتها أمام المحامين والمحققين في هذه القضايا، لتقديم وثائق متعلقة بالإرهاب وهجمات شتنبر والمتورطين فيها، فهذا القانون يلاحق الممول والمنفذ، والمشارك في التمويل، أو التحريض، أو من ساعد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وقدم خدمات للمنفذين.
لا نعتقد أن السلطات السعودية ستستمع إلينا أو إلى أمثالنا من العرب وهذا لا يضيرنا ولا نسعى إليه مطلقا، وإنما إلى “نصائح” أمثال دينيس روس، ومارتن أنديك، وتشاس فريمان، واستشاراتهم توصياتهم، وهنيئا لها ولهم، وسنرى إلى أين سيقودونها، والأيام بيننا فعلا..
ونأمل أن يكتب الله لنا ولهم عمرا لنتعرف على النتائج.