كما يقال، القهوة رمز الكرم عند العرب، وذلك لفوائدها الهائلة في الحفاظ على الصحة وتحسين المزاج، شريطة استهلاكها باعتدال، لأنها قد تسبب آثارا ضارة في حال الإفراط في تناولها. سوف نتعرف في «دليل الصحة النفسية» لهذا الأسبوع عن فوائد الكافيين في تحسين المزاج ومحاربة أعراض الاكتئاب، ويوجد بصفة أساسية بالمشروبات مثل القهوة والشاي.
إعداد: أميمة سليم
+++++++++
معلومات هامة عن الكافيين
على الرغم من أن الكافيين مرتبط بالقهوة التي يأخذ اسمه منها، إلا أن هذا المركب شبه قلوي موجود في مجموعة من المنتجات. يحتوي كل من الشاي والشوكولاتة عليه، ويوجد بكميات كبيرة في النباتات مثل جوز الكولا وغورانا والمتة. يوجد أيضًا في مجموعة متنوعة من المشروبات الغازية (بما في ذلك الكولا) ومشروبات الطاقة وألواح الحلوى والعديد من الأدوية، بما في ذلك مسكنات الألم والأدوية لتخفيف أعراض البرد والإنفلونزا.
ما هو الكافيين؟
يعتبر الكافيين من المنبهات التي تزيد من سرعة عمل الجهاز العصبي. يتم استخدامه في صناعة الأدوية في جميع أنحاء العالم. يوجد في شكله الطبيعي في القهوة والشاي والشوكولاتة والمشروبات الغازية المحتوية على الكولا. بالإضافة إلى ذلك، يتم إضافته إلى بعض الأدوية التي تصرف دون وصفة طبية، بما في ذلك أدوية السعال والبرد والألم. قد تحتوي مشروبات الطاقة على مادة الكافيين، والتي يمكن العثور عليها بشكل طبيعي أو كمواد مضافة.
من أين يأتي الكافيين؟
الكلمتان «قهوة» و «كافيين» مشتقتان من الكلمة العربية «قهوة»، ثم اقترضت من التركية وتنطق «كهفه». يرجع أصل الكلمة إلى رحلة القهوة، من شمال شرق إفريقيا حيث تمت زراعتها منذ القرن السادس، عبر شبه الجزيرة العربية وتركيا حاليًا، حتى وصولها إلى أوروبا الغربية في القرن السابع عشر. بحلول القرن الثامن عشر، تم إنشاء مزارع البن الأولى في إندونيسيا وجزر الهند الغربية، وأخيرًا، بحلول القرن العشرين، أصبحت القهوة أهم محصول نقدي في العالم.
تم عزل الكافيين لأول مرة في عام 1819 من حبوب البن. وتحتوي هاته الحبوب على كميات متفاوتة من الكافيين، اعتمادًا على نوع النبات. تحتوي حبة البن العربي، المزروعة بشكل رئيسي في أمريكا الوسطى والجنوبية، على حوالي 1.1 بالمائة من الكافيين. يحتوي نبات كافيا كانيفورا (روبوستا)، المزروع بشكل رئيسي في فيتنام، على حوالي 2.2 بالمائة من الكافيين. ويكون الكافيين الخام على شكل مسحوق أبيض ذي طعم مر.
تأثيرات الكافيين
الكافيين يحفز الدماغ. له تأثير إيجابي على المزاج ويؤخر التعب. كما أنه يساعدك على أداء المهام الإدراكية البسيطة والمهام الجسدية التي تتطلب التحمل بشكل أفضل، ولكن ليس تلك التي تتطلب مهارة يدوية كبيرة (إذ يسبب رعاش الكافيين). عندما تستهلك الكافيين قبل الذهاب إلى الفراش، فمن المحتمل أن تواجه اضطرابات في النوم.
يساعد الكافيين في التغلب على النعاس، لكن ليس له تأثير على التنسيق والقدرة على التركيز.
ويمكن أن يسبب تناول الكثير من الكافيين الصداع وآلام المعدة أو العصبية ويؤخر النوم. يمكن أن يكون للكافيين أيضًا تأثير مدر للبول، مما يتسبب في احمرار الوجه، وارتعاش العضلات اللاإرادي، والأرق.
عند بعض الأشخاص، لا يتطلب الأمر سوى كمية صغيرة جدًا من الكافيين حتى تحدث هذه التأثيرات.
يمكن أن تتسبب كمية كبيرة من الكافيين – خاصةً لدى الأشخاص غير المعتادين عليه – في تسارع ضربات القلب ونوبات صرع وحتى الهذيان.
إلى متى يستمر مفعول الكافيين؟
عند تناوله كمشروب، يبدأ الكافيين في العمل في غضون خمس دقائق ويسري مفعوله في غضون نصف ساعة تقريبًا. يستغرق الجسم حوالي أربع ساعات لاستقلاب نصف كمية معينة من الكافيين. عادة، يستقلب الجسم تقريبًا كل الكافيين الذي يتم تناوله ولا يوجد تراكم أحيائي.
الكافيين والإدمان
يمكن أن يؤدي الاستهلاك المنتظم للكافيين إلى اعتماد جسدي على الكافيين: عندما تتوقف فجأة عن تناول المنتجات المحتوية على الكافيين، فقد تعاني من التهيج والتعب والصداع الشديد. تظهر هذه الأعراض عادة بعد 18 إلى 24 ساعة من آخر تناول للكافيين وتتلاشى تدريجيًا خلال الأسبوع التالي.
هل هناك مخاطر؟
نادراً ما يكون للكمية المعتدلة من الكافيين، بحد أقصى 400 ملغ في اليوم (ما يعادل ثلاثة أكواب من القهوة)، آثار ضارة على البالغين الأصحاء. ولكن عندما تشرب بانتظام أكثر من ستة إلى ثمانية أكواب من القهوة – أو عندما يتجاوز تناول الكافيين اليومي من جميع المصادر 600 ملغ – فإنك تتعرض لاضطرابات في النوم، وقد تعاني من القلق والأرق. عند تناول جرعات أعلى، يمكن أن يسبب الكافيين قلقًا شديدًا والرعشة وكذلك ضربات القلب السريعة وغير المنتظمة.
يجب عدم الخلط بين مشروبات الطاقة التي تحتوي على مادة الكافيين ومشروبات الطاقة الرياضية، حيث يتم تناول هذه الأخيرة خلال فترات النشاط البدني المكثف وتروي العطش، بينما تسبب مشروبات الطاقة الجفاف.
لم يثبت أن الكافيين يسبب تشوهات خلقية، لكن تناول الكثير من الكافيين أثناء الحمل يزيد من خطر الإجهاض أو ولادة طفل ناقص الوزن. لا يُنصح أيضًا بالاستهلاك المفرط أثناء الرضاعة الطبيعية لأن الكافيين، الذي يمر عبر حليب الثدي، يمكن أن يجعل الأطفال ينزعجون ويزعج نومهم. يوصى بألا تستهلك النساء الحوامل والمرضعات أكثر من 300 ملغ (أقل بقليل من فنجانين من القهوة) يوميا من الكافيين.
الآثار طويلة المدى
في البالغين الأصحاء، لا يبدو أن تناول كمية معتدلة من الكافيين يوميا له آثار طويلة المدى.
في المقابل، فإن تناول الكافيين لفترات طويلة وبكثافة (أي أربعة أكواب أو أكثر من القهوة يوميًا) يحمل خطر الإصابة بهشاشة العظام، أي فقدان كثافة العظام، وتكون المخاطر عالية بشكل خاص عند النساء بعد سن اليأس.
علاقة الكافيين بالاكتئاب
هل تعلم أن الاكتئاب واستهلاك الكافيين يمكن أن يكونا مرتبطين؟
لا يستطيع الكثير من الناس الاستيقاظ دون تناول الكافيين. كيف يؤثر الكافيين على الصحة العقلية؟ لقد أثارت هذه القضية نقاشًا كبيرًا، ولا تزال إلى حدود الساعة. من ناحية، يعتقد الكثير أن الكافيين يمكن أن يساعد في علاج الاكتئاب. فيما يعتقد البعض الآخر أنه من الممكن أن يزيده حدة ويجعله مزمنًا. في هذه المقالة سوف نناقش آثار الكافيين على الاكتئاب.
والكافيين مادة يمكن أن تؤثر على المزاج. وتوجد في أشهر المشروبات في العالم. يوجد الكافيين في كل مكان ويعتبر مخدرا له تأثير نفسي. بمعنى آخر، إنه يؤثر على وظائف المخ والمزاج والسلوك.
القهوة: الكافيين وتقليل مخاطر الاكتئاب
هناك الكثير من المؤلفات التي تدعم الفرضية القائلة بأن الكافيين مفيد في تقليل مخاطر الإصابة بالاكتئاب. على سبيل المثال، وجد تحليل تلوي رئيسي – مع أكثر من 346000 مشارك – والذي حقق في الصلة بين الكافيين والاكتئاب، وبشكل أكثر تحديدًا القهوة، ووجد مؤلفو الدراسة أن الكافيين يقي من الاكتئاب. وأظهر هذا التحليل أيضًا أن القهوة لها تأثير إيجابي ضد الاكتئاب أكثر من الشاي، وأن هذا قد يرجع إلى انخفاض محتوى الكافيين في الشاي.
توصل تحليل تلوي آخر – تم إجراؤه على 330 ألف مشارك – إلى نفس النتيجة. كما أظهرت دراسات أخرى أن خطر الإصابة بالاكتئاب بعد تناول الكافيين ينخفض بشكل كبير عندما يأخذ الشخص جرعته اليومية.
لذا، إذا كان يبدو أن القهوة تعمل بشكل أفضل من الشاي، فذلك لأن بعض مكوناتها يمكنها مواجهة الآثار السلبية للاكتئاب. تحتوي القهوة على حمض الكلوروجينيك وحمض الفيروليك وحمض الكافيين. قد تقلل هذه الأحماض الالتهاب في الخلايا العصبية لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب.
إضافة إلى خصائص مضادات الأكسدة الطبيعية للكافيين، قد تعمل القهوة كمضاد للالتهابات في الأجزاء المصابة من الدماغ. هذا يمكن أن يخفف جزئيًا من الانزعاج والقلق الناجمين عن الاكتئاب.
الشاي: فعالية الكافيين في محاربة الاكتئاب
الشاي الأخضر، بفضل خصائصه المضادة للأكسدة الفائقة، يمكن أن يعمل بشكل فعال مثل القهوة في محاربة الاكتئاب. يحتوي الشاي الأخضر أيضًا على حمض الفوليك (فيتامين ب 9) والبوليفينول والثيانين.
المواد التي يمكن أن تساعد في التعامل مع الاكتئاب:
-يُعتقد أن حمض الفوليك معزز إيجابي للمزاج
-تحتوي أحماض الفيروليك على خصائص مضادة للاكتئاب
-ثبت أن الثيانين يزيد من مستويات الدوبامين والسيروتونين في الدماغ
كيف يخفف الكافيين من أعراض الاكتئاب؟
هناك شيء واحد مؤكد: الكافيين هو جزيء يتمتع بقدرة رائعة على تغيير كيمياء الدماغ. النقطة المهمة هي أنه ليس لدينا كل الإجابات عن علاقته بالاكتئاب. تدعم النظريات السائدة فكرة أن الاكتئاب ناتج عن:
-اختلال التوازن الكيميائي (النواقل العصبية)
-التهاب الدماغ
-الظروف الصحية الأساسية
-اتجاه وراثي
-الصدمة العاطفية
-ظروف الحياة العصيبة
أهمية القهوة في مكافحة الاكتئاب
لا يؤثر الكافيين على جميع الأسباب المحتملة للاكتئاب. يقوم بذلك بطريقتين مهمتين في مكافحة الاكتئاب. من ناحية أخرى، يزيد الكافيين من المواد الكيميائية في الدماغ التي تحفز الحالة الذهنية. من ناحية أخرى، يصل الكافيين بسهولة إلى الدماغ، حيث يغير نشاط ناقلتين عصبيتين لهما أهمية خاصة للاكتئاب، الدوبامين والسيروتونين.
السيروتونين هو الناقل العصبي الأكثر ارتباطًا بالاكتئاب. ومع ذلك، فقد ثبت أن الاستهلاك المنتظم للكافيين يخفض مستويات السيروتونين. قد لا يكون استهلاك الكافيين بانتظام استراتيجية طويلة الأمد جيدة لعلاج الاكتئاب القائم على السيروتونين.
يزيد الكافيين أيضًا من الدوبامين، وهو الناقل العصبي الأكثر ارتباطًا بالتحفيز والتركيز والإنتاجية. من ناحية أخرى، يمكن أن تكون مستويات الدوبامين غير الطبيعية أيضًا سببًا للاكتئاب. الكافيين له تأثيرات على الاكتئاب، طالما أنه يستهلك بانتظام.
التأثير المضاد للالتهابات للكافيين
نظرية أخرى تعارض نظرية عدم التوازن الكيميائي. وتقول إن الاكتئاب هو نتيجة التهاب مزمن في الدماغ، حيث يمتلك الدماغ جهاز المناعة الخاص به، والذي يمكن للنواقل، السيتوكينات، تنشيط الالتهاب في الدماغ، وتدمير الأنسجة وإعاقة وظائف المخ.
يمكن أن يساهم إطلاق السيتوكينات المؤيدة للالتهابات في الإصابة بالاكتئاب والقلق وفقدان الذاكرة وعدم القدرة على التركيز والفصام والاضطراب ثنائي القطب وارتفاع مخاطر الانتحار.
تحتوي القهوة على كمية عالية من المركبات المضادة للالتهابات التي يمكن أن تقلل الالتهاب في الدماغ المرتبط بالاكتئاب. على سبيل المثال، حمض الكلوروجينيك وحمض الفيروليك وحمض الكافيين وحمض النيكوتين وتريغونيلين وحمض الكينولينيك وحمض التانيك وأخيرًا البيروغالول.
دراسة
حلل باحثون في «كلية الصحة العامة» بجامعة هارفارد ومستشفى «بريغهام النسائي» بيانات تم تجميعها من عينة تشمل 51 ألف امرأة شاركن في «دراسة صحة الممرضات» غير المصابات بالاكتئاب عام 1996. ورصد الباحثون آنذاك عدد السيدات اللاتي عانين من الاكتئاب بعد مرور عشر سنوات، وعقدوا مقارنة بين كمية الكافيين التي يتناولنها لمعرفة ما إذا كانت تؤثر على هذا الأمر. كذلك نظروا في العوامل الأخرى المتعلقة بالصحة ونمط الحياة مثل الوزن وتدخين التبغ والتمرينات الرياضية. ووجد الباحثون أنه بحلول عام 2006، أصيبت 2607 سيدات بالاكتئاب أو بدأن يتناولن عقاقير مضادة للاكتئاب. واكتشفوا علاقة عكسية بين كمية الكافيين والمزاج خلال فترة الدراسة، حيث كلما زادت كمية ما تتناوله السيدة من كافيين يوميا، قلت احتمالات إصابتها بالاكتئاب. وكانت احتمالات إصابة السيدات اللاتي تناولن أكبر كمية من الكافيين في القهوة، أقل بنسبة 20 في المائة من السيدات اللاتي يشربن قهوة تحتوي على كميات أقل من الكافيين. ولم يكن للمصادر الأخرى للكافيين مثل الشاي والمياه الغازية والشكولاتة أي تأثير على الاكتئاب. ويعزو الباحثون هذا الأمر إلى احتواء هذه المواد على نسبة من الكافيين أقل من تلك الموجودة في القهوة.