شوف تشوف

الرأيالرئيسية

ما حدث في بكين

مصحوبا بمفوضة الاتحاد الأوروبي فون دير لاين، وفي رحلة الذهاب ضجت وسائل الإعلام العالمية بالتحذيرات الأوروبية التي أطلقها الرئيس الفرنسي للصين من التجرؤ على إمداد روسيا بالسلاح، لأن هذا يعتبر مخالفة للقانون الدولي، مع العلم أنه لا يوجد قانون دولي يمنع الدول من تجارة السلاح، وإلا لكانت كل الدول التي قدمت الأسلحة لأوكرانيا مخالفة للقانون الدولي؛ على اعتبار المساواة بين روسيا وأوكرانيا في الوضع الدولي كدولتين ذات سيادة، وفي حالة حرب.

مقالات ذات صلة

ورجع الرئيس ماكرون من الصين حاملا هموم فرنسا وأوروبا، وخائفا على أمنهما، ومستقبلهما الذي يوشك أن تهدده مغامرات أمريكية بالمواجهة مع الصين حول تايوان، وداعيا إلى تحرير أوروبا من التبعية لأمريكا، ومحرضا على الاستقلال الاستراتيجي عن أمريكا، والتحرر من هيمنة السلاح والدولار الأمريكي على أوروبا. 3 أيام أعيد فيها تشكيل وعي الرئيس الفرنسي شديد الذكاء، وتحولت أفكاره إلى الضد. وهنا اختفى تماما صوت المفوضة الأوروبية.

هل من المعقول أن تتغير رؤية رئيس فرنسا، بلد القانون والدستور والثورات، في 3 أيام؟ وهل يعقل أن تنقلب مواقف الرئيس الفرنسي بهذه الحدة؟ وهنا يمكن أن نطرح عددا من السيناريوهات التي يفرضها الواقع العالمي الحالي.

أولا: إن الرئيس ماكرون شغل قبل توليه الرئاسة عدة مناصب بمجموعة روتشيلد الاقتصادية العالمية التي تدور حولها أساطير؛ لا يمكن تأكيدها، وفي الوقت نفسه لا يمكن نفيها، ومن هو على اتصال بالنخبة الاقتصادية التي تدير العالم سيرى العالم على حقيقته، والحقيقة الآن تقول إن هناك عالما جديدا يتشكل، تتراجع فيه أدوار الدول أمام رأس المال، أو أمام النخبة المالية العالمية التي لا تؤمن بالدول ولا بالحدود، وتتحرك مع القوة الاقتصادية في مساحة مفتوحة، وكأن العالم كله هو ملعب غولف بالنسبة إليها، وهذه النخبة بدأت منذ عقدين في نقل مراكزها المالية تدريجيا من الولايات المتحدة إلى الصين، وبالتأكيد لن تسمح هذه النخبة بأن تنهض الصين، وتحتل مركز صدارة الاقتصاد العالمي، دون أن تكون هي في مركز الصدارة بالاقتصاد الصيني ذاته.

ثانيا: أن أوروبا أرهقت من الإدارة البائسة للحرب بأوكرانيا، تلك الإدارة التي تتولاها الولايات المتحدة، والتي وضعت أهدافا غير قابلة للتحقيق؛ وهي هزيمة روسيا، أو عدم السماح لها بتحقيق النصر. هذا الهدف السريالي لا يمكن أن يتحقق في ضوء معادلة القوة على الأرض، وفي ضوء الأوزان النسبية لكل من روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفياتي، وأوكرانيا الجمهورية السوفياتية المستقلة حديثا. فما قاله ماكرون هو رأي الاتحاد الأوروبي، وتولت حمله القيادة الفرنسية، لأنها تشعر بالإهانة من التدخل الأمريكي لإلغاء صفقة الغواصات النووية التي تعاقدت أستراليا على شرائها من فرنسا، وتم إلغاء الصفقة قبل موعد تسليمها بوقت قصير، مما أحدث أضرارا جسيمة بالاقتصاد الفرنسي.

ثالثا: المواجهة بين أمريكا والصين بإفريقيا أحدثت أضرارا في غاية التأثير على فرنسا، حيث تم نقل القاعدة وداعش، أو تمكينهما من منطقة الساحل الإفريقي وغرب إفريقيا لإجهاض النفوذ الاقتصادي الصيني بإفريقيا، وعلى إثر ذلك أنشأت الولايات المتحدة قيادة جديدة لقواتها بالخارج تحت مسمى «أفريكوم»، وهذا كله على حساب مناطق النفوذ التاريخي الفرنسي بإفريقيا.

من المؤكد أن واحدا من السيناريوهات الثلاثة كان بعقل الرئيس الفرنسي، أو على طاولة المفاوضات مع الرئيس الصيني، أو أن هذه السيناريوهات جميعا كانت بجانب الشاي الصيني على طاولة اللقاء غير الرسمي الذي ظهر فيه الرئيسان الصيني والفرنسي على كراسي البامبو وبدون ربطة عنق. والله أعلم.

نصر محمد عارف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى