ما تخافوش..
يونس جنوحي
لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب قلبها على المغاربة، وأصدرت بيانا تؤكد فيه أن المادة 247 مكرر في التعديل الأخير الذي صوتوا له، لن تمس الهبات التي قدمها المواطنون المغاربة لصندوق كورونا، خلال فترة الحجر الصحي.
ولكي نكون أكثر وضوحا، يتعلق الأمر بمادة بموجبها سوف تحصل الشركات التي سبق لها التبرع لصندوق كورونا على عائدات من الصندوق نفسه، وسوف تفوق تلك الأموال التي ستحصل عليها بقوة القانون، ما تبرعت به للصندوق أصلا.
تمسكوا بكراسيكم جيدا، واقرؤوا ما يلي. حزب العدالة والتنمية عارض هذه المادة كما جاءت بها الحكومة، ودعا إلى إلغائها في مجلس النواب. لكن الحزب نفسه في مجلس المستشارين من خلال فريقه، ناقض المنطق وبدا واضحا قدر التخبط الذي يوجد فيه مستشاروه، فهم تارة ضد المادة وتارة معها، وفي الأخير صوتوا لفائدتها في الجلسة العامة.
التطمينات القادمة من الرباط، وحسب البلاغ الذي أصدره عبد الله بوانو بصفته رئيس لجنة المالية، تؤكد أن تبرعات المواطنين للصندوق لن يتم لمسها، أي إنها لن تذهب إلى جيوب الباطرونا، مدراء الشركات وأصحاب رؤوس الأموال.
جميل أن يكون قلب الحكومة على المنشآت الاقتصادية التي توظف العباد، لكن هذه العملية قد يحتار جهابذة الاقتصاد في العالم لفهمها. لماذا يكون هناك مقابل لتبرع الشركات لصندوق الجائحة؟ لا يجب أن يكون الحس الوطني المفروض أن يُظهره الجميع في هذه الظروف خاضعا لمنطق «العصا والجزرة». السيولة في الأخير خرجت من جيوب ملاك الشركات العملاقة والمتوسطة، وسوف تعود إليها على شكل إعفاءات من الضرائب، وهو ما سوف يؤثر على خزينة الدولة.
لماذا لم يقوموا بما تقوم به جل دول العالم، التي راكمت تجارب كبرى في عالم الكوارث والأزمات، وبنت اقتصادها القوي على أنقاض الحروب والكوارث. هناك دول قامت بعد أن سبحت فوقها لافا البراكين، وأخرى وصلت إلى قمة الدول العشر الأقوى اقتصاديا، بعد أن كانت حطاما قبل نصف قرن فقط. الوصفة الوحيدة لهذا الإقلاع الاقتصادي هي التضحية، وعدم التساهل في استخلاص الضرائب، وارتفاع الحس الوطني وهو الأهم.
الحس الوطني في المغرب لا يوجد إلا في فقرة النشيد الوطني قبل المباريات، التي تنتهي بكسر الكؤوس والطاولات. الناس يدفعون الرشاوى لكي يتوظف أبناؤهم في صفوف الأمن الخاص أمام المركبات التجارية والقاعات. ولا يزال هناك مواطنون يؤمنون أن الطريقة الوحيدة لولوج الماستر والالتحاق بالوظيفة العمومية، هي بيع الأم لنصيبها في الإرث، والدفع لمسؤول في إدارة ما لكي يمرر «الضوسي».
الأغلبية التي تفكر بهذه الطريقة، لا يمكن أن تقنعها بأن ما يقع في البرلمان يعد كارثة سياسية بكل المقاييس.
التدبير العشوائي لموارد صندوق أحدث أساسا لإنقاذ البلاد وبث الأمان في نفوس المواطنين، الذين فقدوا مورد رزقهم الوحيد في هذه الجائحة، لن يقود إلا إلى مزيد من إفقاد الثقة في العمل السياسي، الذي يقوده أمثال هؤلاء السياسيين الذين يضحكون مع الأغلبية ويبكون مع المعارضة.
لماذا لا يتم اعتبار صندوق كورونا خطا أحمر وامتحانا حقيقيا للوطنية؟ الذين تبرعوا في البداية لم يتحدثوا لنا عن هذه «التخريجة»، التي جعلتنا جميعا مصدومين لا نرى إلا وجه السيد بوانو مطمئنا. أما الذين يدرسون العلوم السياسية، نقول لكم هذا دليل على وجود إمكانية لـ«موقفين» في موقف واحد، وليس فقط النفاق السياسي. في النهاية، لا أحد يتذكر.
ألم يخرج رئيس الحكومة العام الماضي ليتحدث عن ضريبة الحماية ضد الكوارث؟ لماذا لم يتحدث عنها أحد خلال فترة كورونا؟