مأزق النهضة ومرامي رئيس تونس
خالد فتحي
سكت الرئيس التونسي عشرة أيام منذ الإطاحة بالفخفاخ، ثم نطق بعدها مفاجئا كل الكتل المتصارعة بالبرلمان، معينا رئيس حكومة من حوارييه المخلصين: هشام مشيشي، الذي ليس سوى مريد منقطع لخدمة الأستاذ الجامعي والرئيس، الذي جلبه معه إلى قصر قرطاج ليرقيه في غضون ستة أشهر من مستشار بقصر الرئاسة إلى وزير للداخلية، ثم إلى رئيس حكومة.
قيس سعيد ظل بهذا الاختيار وفيا لطريقته الأولى في تعيين رئيس الحكومة. فمرة أخرى ومثلما فعل عند التعيين الأول، ينتقيه من العينة نفسها وبالأسلوب ذاته. أي مقربا من الحساسية اليسارية العمالية، وبلا أي سند شعبي، إلا السند الذي تمثله شرعية الرئيس نفسه.
ونكاد نجزم بأن هذا الخبير الدستوري الذي صار حاكما لقصر قرطاج يجرب وصفة دستورية على تونس، بحيث يريد أن ينشئ بقوة الواقع وتهافت الأحزاب نظاما رئاسيا يخلف هذا النظام شبه البرلماني. النظام الحالي الذي أثبت أنه غير مستقر، لا يضمن حكومة مطمئنة، ولا يفرز أغلبية واضحة يمكنها أن تقود البلاد باقتدار في مواجهة المخاطر الوبائية، والصعاب الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الإقليمية.
هذا التعيين، الذي يأتي خارج كل اقتراحات الأحزاب، هو إدانة لها جميعها، بعد الصراعات التي انخرطت فيها غير مبالية بما تتطلبه دقة المرحلة. وهو انتشال للديمقراطية من براثن أحزاب تسيطر عليها نخبة سياسية متباعدة عن هموم المواطن، وتركيز للشرعية وللمبادرة في يد الرئيس، الذي يرسل لكل الفرقاء رسائل واضحة مفادها أنه ينأى باختياراته عنها جميعا، خصوصا بعد أن لم تتورع عن إسقاط الحكومة في ظرف حساس داخليا وخارجيا، وتربصها فوق ذلك من أجل أن تسقط رئاسة البرلمان في جلسة وشيكة.
التعيين فيه رسائل خاصة بالنهضة. فمشيشي هو أيضا وزير الداخلية، الذي رفض أن ينهي اعتصام الدستوري الحر وزعيمته عبير موسي بمجلس النواب التونسي، الوزير الذي يكون الآن قد اطلع على الملفات السرية التي يلوح بها خصوم الغنوشي كملفي اغتيال كل من شكري بلعيد والبراهمي، وهو أيضا الخيار الذي يبقى بالنسبة إلى النهضة في النسق نفسه الذي سبق وتم به اختيار سلفه الفخفاخ. فالنهضة في حال انخراطها في هذا الاقتراح الجديد، وقبولها الدخول في ائتلاف تحت رئاسته، تكون قد استبدلت فخفاخا بفخفاخ آخر منقحا لا غير. وفي حال ذهابها نحو المعارضة، ستكون قد خلقت بيدها تحالفا وأغلبية مناهضة لها، مما يعجل بجعلها تفقد حتى رئاسة البرلمان. أما إذا تسببت في فشل رئيس الحكومة المعين في تكوين فريقه، فستجر البلاد كلها لانتخابات مبكرة مكلفة، ستضيع على التونسيين وقتا ثمينا. انتخابات قد يتعرض فيها حزب الغنوشي لعقاب قاس من طرف الناخب، الذي سيسعى إلى تمكين الرئيس سعيد من حكومة تنسجم معه.
النهضة توجد الآن في مأزق كبير، وربما تتعرض لامتحان ولاءات خانق، بحيث ستخرج خاسرة كيفما كان موقفها من الحكومة المرتقبة.
الرئيس التونسي له عدة أوراق بجعبته يسعى إلى أن يدجن بها النهضة لصالحه، خصوصا وأن له شرعية تفوق شرعيتها، مادام ينحدر من اقتراع مباشر لمنصب الرئاسة واجه فيه مرشحا للنهضة. وهذا يؤهله أكثر من الرئيس السبسي لإنجاز هذا الهدف. فهل يخضع الرئيس الكل لسلطته ويستأثر بالقرار السيادي كما ينص على ذلك الدستور، مضيفا إليه القرار الاقتصادي والاجتماعي من خلال حكومة مشيشي، أم تراه سيقلب الطاولة على الجميع ويمهد بكل هذه الحركات المدروسة أو العفوية لتغيير النظام السياسي لتونس، من نظام شبه برلماني إلى نظام رئاسي في المستقبل القريب؟