شوف تشوف

الرئيسيةخاص

ليس كل المغاربة انتحاريين

أبطال حتمت عليهم الصدفة مواجهة الإرهاب منهم من مات فداء للوطن ومنهم من أصيب بإعاقة دائمة
في التاريخ المكتوب، الرسمي وحتى غير الرسمي، لم تكن هناك إشارات واضحة حول المغاربة الذين وهبوا حياتهم لصد انتحاريين، قد يكون الحديث عن التطرف ضربا من الخيال في تلك الحقبة، لكن المختار السوسي في كتابه «حول مائدة الغذاء»، يروي كيف أن أحد أفراد عائلة عريقة في مراكش، تقلب أفرادها في المناصب المخزنية، التحق بالجيش في بلاد الشام عندما كان في طريق العودة من موسم الحج، ووقف في وجه الصليبيين.
حارب مغاربة آخرون من أجل فرنسا وحلفائها في الحرب العالمية الثانية، فكتب المهتمون كثيرا عن قصصهم، وشكلوا وجها من أوجه المشاركة المغربية في حروب أجنبية، كتب لها أن تغير مجرى التاريخ وتعيد كتابته.
بعيدا عن مشاركة المغاربة في الكتائب العسكرية للفرنسيين والإسبان، وفي هيآت أممية حيث خاضوا حروبا بعيدا عن البلاد، وبعيدا أيضا عن الانضمام إلى التحالف العسكري الدولي للقضاء على تنظيم الحوتيين بوضع طائرات إف 16 رهن التحالف والتي سبق وأن اقتناها منذ سنوات من الولايات المتحدة الأميركية، لتكون عملية الحزم آخر مساهمات القوات المغربية في مساندة دولة خارجية.
تحاول «الأخبار» في هذا الملف رصد تدخلات مغاربة كلفتهم أرواحهم أو أطرافا من أجسادهم، وتعيد ترتيب حكايات شجعان تصدوا للإرهاب والإرهابيين.

مغربي وموريتاني ينقذان ملعب سان دوني من كارثة
تعددت الروايات حول الحارس الخصوصي الذي كان يقف في الممر المؤدي إلى مدرجات ملعب سان دوني، أثناء المباراة الودية بين منتخبي فرنسا وألمانيا، يوم الجمعة الأسود، فقد تحدثت صحيفة «لوفيغارو» عن شاب مغربي يدعى زهير وقالت إنه منقذ 80 ألف شخص من بينهم فرانسوا هولاند، رئيس جمهورية فرنسا، من الموت المحقق، بعدما تمكن من منع أحد الإرهابيين من دخول «سطاد دو فرانس» وتفجيره.
حسب رواية الصحيفة الفرنسية، فإن زهير «اشتبه أثناء عمله في حراسة البوابة الخارجية للملعب في وجود ارتباك وتردد لدى أحد المشجعين، وحين راوده الشك في مظهره وحركاته قرر توقيفه، قبل أن يهرب من فحص الأجهزة الأمنية، ليتم الكشف بعدها بالفعل عن ارتداء هذا الرجل سترة ناسفة، حيث قام بتفجيرها أثناء محاولته الهرب».
اعتقد زهير أن العمل الإرهابي كان منفردا، لكنه علم بأن سلسلة من التفجيرات هزت العاصمة باريس في تلك اللحظات، علما أن الانتحاري قد حل بالملعب في حدود منتصف الجولة الأولى من المباراة، وقد زال الضغط والاختناق على الأبواب. لكن صحفا أخرى تحدثت عن شخص آخر، اعتبرته منقذ سان دوني، ويتعلق الأمر بشاب مسلم مغاربي يدعى سالم تورابالي، المهاجر البالغ من العمر 42 سنة الذي يعيش في شقة بسيطة ضواحي «لو بلان ميسنيل»، رفقة زوجته وابنتهما يزا البالغة من العمر 15 عاما. وقالت صحيفة «ميل أون صنداي» إن سالم هو المنقذ وليس زهير، دون أن تنفي وجود الشاب المغربي ضمن الحرس الخاص للمنفذ الشمالي الذي حاول الانتحاري بلال حديفي التسرب منه.
قال سالم لمراسل الصحيفة: «أنا لست بطلا لقد قمت بواجبي، لاحظت أن شابا يتردد في الدخول وينتظر حشودا لينسل وسطها وكان يجرى مكالمات هاتفية، ليحاول بعدها الدخول من بوابة أخرى، فاندفعت نحوه وحذرته من مغبة الانسلال لكنه اختفى عن الأنظار. لو سحمت له بالدخول، لكنت شعرت أنني شريك في قتل كل هؤلاء الناس الأبرياء»، لكن تواضع الرجل لا يخفي دوره في منع قيام فاجعة تاريخية.
زهير وسالم عنصران من ضمن 150 رجلا وامرأة كانوا يؤمنون الحراسة الخاصة للولوجيات الإلكترونية، قالا إنهما يعينان لأول مرة في هذه المهمة، لذا حلا منذ الصباح للتدرب على العصا الإلكترونية، وتلقيا تعليمات بإخضاع الجميع لهذا الإجراء الاحترازي.
استقبل رئيس البلدية زهير وسالم وثلاثة عناصر من عمال النظافة الأفارقة أصيبوا خلال الحادث، الذي هز محيط الملعب، وكانت علامات القلق بادية على الجميع، من خلال صور تؤرخ للتكريم الرمزي.

عمر.. مغربي يخلص رهائن «راديسون»

وجد عمر صبوح نفسه فجأة ضمن لائحة القوات الفرنسية التي عهد إليها بالتحرك صوب فندق رادسيون بوسط باماكو لتحرير رهائن يزيد عددهم عن 170 شخصا أغلبهم من الأجانب.
حين التحق عمر بالفندق علم أن إدارة «راديسون» أشعرت قائد الفيلق بأن حوالي 138 شخصا لا يزالون داخل الفندق، كما علم أن القوات الخاصة المالية اقتحمت المكان في وقت مبكر، في محاولة لإنقاذ الرهائن مما أزهق كثيرا من الأرواح.
كان عمر المغربي الأصول الفرنسي الجنسية، قلقا لطول مدة تواجده في مالي ضمن القوات الفرنسية الخاصة للتدخل في العديد من القضايا المتعلقة بمختلف دول منطقة الساحل، في محاولة لمكافحة الإرهاب.
«كنا في النيجر نقوم بعمليات تهم منطقة الساحل وبشكل سري أحيانا. ومع ذلك فإن وزير الدفاع الفرنسي اضطر إلى الاعتراف بأن القوات الخاصة الفرنسية قد تدخلت بطلب من الرئيس النيجري ممادو إيسوفو للسيطرة على ما تبقى من المسلحين الذين نفذوا عمليات إرهابية وتأمين مناجم شركة آريفا الفرنسية في النيجر. كما تتكفل هذه القوات بعمليات تدريب للوحدات العسكرية بعدد من دول الساحل كما هو الحال في موريتانيا مثلا، قبل أن ننتقل إلى مالي ونتدخل ميدانيا في الهجوم المسلح على فندق بباماكو».
يروي عمر الواقعة: «طرقت باب غرفة «كوبل» فرنسي فارتمت سيدة تبلغ من العمر حوالي الستين، في حضني وطلبت مني إخراجها من الورطة، بينما كان زوجها يبحث عن نظارتيه ويطلب منا الانتظار، تعرفت على مغربي خارج للتو من غرفته وقمت باقتياد عدد من المفرج عنهم نحو أماكن آمنة فيما عهد للقوات المالية بتطهير الفندق من المسلحين».
ضحك عمر كثيرا وهو يستمع لرواية محتجز مغربي كان من ضمن الناجين، إذ علم عبر المستثمر المغربي أن حراس الفندق كانوا نياما في حدود الساعة العاشرة ليلا، بل إنهم كانوا يرقدون وهم يضعون رشاشاتهم جانبا، حينها تبين له بأن الفندق تحت رحمة الإله.

المظلي المغربي الذي قتل على يد متطرف في تولوز
في شهر مارس من سنة 2012، استأثرت مدينة المضيق شمال المغرب باهتمام وسائل الإعلام الفرنسية، التي رابطت في مقبرة «رينكون» لتنقل للرأي العام تفاصيل وصول جثمان الجندي عماد بن زياتن، الذي قتل في مدينة تولوز على يد فرنسي من أصل جزائري يدعى محمد مراح. وبالرغم من أن بن زياتن مظلي في القوات الفرنسية، إلا أن أهله أصروا على دفنه في مسقط رأسه بالمغرب، بعد أن مات بنيران صديقة، من مسلح ينتمي إلى بلد جار تجمعه بالمغرب قواسم الدين والتاريخ والجغرافيا والمصير المشترك.
بإلحاح من عائلة المظلي المغربي تقرر دفن جثمانه في بلدته، وحرصت الحكومة الفرنسية على إقامة مراسيم دفن وفق البروتوكول العسكري الفرنسي، وعرفت جنازة الراحل حضور عدد كبير من المسؤولين الفرنسيين وهيآت للمجتمع المدني في منطقة «نورماندي»، بالإضافة إلى مسؤولين مغاربة. وفي المغرب أيضا تلقت عائلة بن زياتن خبر مقتله بصدمة وحزن بالغين.
بالعودة إلى تفاصيل الفاجعة، سنقف على حجم الاستخفاف بأرواح الناس، إذ كانت مدينة تولوز الفرنسية مسرحا لجريمة قتل على يد مسلح كان على متن دراجة نارية. القصة تبدو غريبة إلى حد ما، فقد وضع الجندي الفرنسي المغربي الأصل إعلانا على أحد مواقع الأنترنت يعرض فيه دراجته النارية للبيع، إلى هنا يبدو الأمر عاديا وتافها، أشار بن زياتن في مضمون الإعلان إلى طبيعة عمله وأنه يشتغل رقيبا في القوات الفرنسية. بعد ساعات توصل بمكالمة هاتفية من الجاني لتحديد موعد، «وفي المكان المتفق عليه، اغتيل عماد بعدما أطلق عليه الشخص، الذي اتفق معه على الموعد، أي محمد مراح، رصاصة في الرأس قبل أن يلوذ بالفرار». في جريمة حضر فيها سبق الإصرار والترصد بشكل كبير.
كان الجاني متطرفا ناقما على الجيش، يملك سوابق في سفك الدماء، حيث سبق له أن أجهز على ستة أشخاص آخرين من بينهم جنديان آخران، بالإضافة إلى أربعة أشخاص يهود وثلاثة أطفال، قبل أن يتم قتله من طرف الشرطة الفرنسية. وتقول روايات صحف فرنسية إن الهدف الرئيسي للجاني كان هو «الاستيلاء على دراجة زياتن لينفذ بها عمليات إرهابية أخرى»، أي أن الدافع هو السرقة وليس القتل.
كان الفقيد يزور مدينة المضيق بانتظام، ويحرص على نسج علاقات متينة مع أصدقاء طفولته، رغم أنه ولد في فرنسا وانضم عن سن العشرين إلى القوات المسلحة الفرنسية كمظلي برتبة رقيب.
لكن قبل انتقال الجثمان إلى المغرب، حرصت القوات المسلحة الفرنسية على إقامة مراسيم تأبين للراحل ترأسه الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، في ثكنة «موتوبان» (جنوب فرنسا). وبعد ترحمه على أرواح الضحايا٬ نوه الرئيس السابق ساركوزي بمسار المظلي عماد٬ قائلا إنه كان «مظليا متميزا»، قدم في أقل من ثماني سنوات من عمله خدمات مشرفة في مختلف مواقع العمليات بالغابون وإفريقيا الوسطى وتشاد وكوت ديفوار. وقد تم استقبال أسرة عماد بعد مراسيم التأبين من قبل الرئيس.

مرابط.. المغربي الذي مات دفاعا عن «شارلي إيبدو»
ووري جثمان الشرطي الفرنسي أحمد مرابط في مقبرة للمسلمين ببلدة «بوبيني» شرق باريس، في حفل جنائزي رهيب حضره عدد كبير من رجال الأمن وزملائه في العمل وأفراد العائلة. خيم الحزن على الفضاء وحل التوجس بالمكان، سيما في ظل وجود إشاعات عن انسلال المتطرفين بين المشيعين.
شاءت الأقدار أن يموت أحمد مرابط، في الهجوم المسلح الذي استهدف مجلة «شارلي إيبدو» برفقة زميل آخر كان يقتسم معه المداومة الأمنية بباريس. لم يتوقف أفراد الأسرة عن البكاء، وسمعت آهات المصلين الذين صلوا عليه صلاة الجنازة.
قالت أمه في تصريحات صحفية نقلها التلفزيون الفرنسي مباشرة، إن دم ابنها لم يذهب هدرا، «لقد قتل من أجل الحرية والكرامة»، داعية شبان الأحياء الفقيرة إلى الاقتداء بسيرة ابنها والعمل من أجل احترام ذكراه. مضيفة بأن الإسلام لا يدعو إلى قتل الناس، وحرمانهم من الحق في الحياة، «أحمد كان شخصا معتدلا وبسيطا يحترم الجميع وينبذ العنف والكراهية».
شارك في مراسيم تشيع جنازة أحمد مرابط ممثلون عن قوات الأمن الفرنسية، إضافة إلى مسؤولين في بلدية «بوبيني» وعدد من خطباء المساجد في فرنسا، من بينهم دليل بوبكر، رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، بينما سجل غياب المسؤولين الحكوميين المغاربة والتمثيلية الديبلوماسية المغربية في فرنسا.
أعاد التاريخ نفسه في قضية مرابط، فقد شاءت الأقدار أن يكون شرطي مسلم من بين ضحايا متطرف «مسلم» أيضا، وتشاء الظروف أن يلقى تمييزا فاضحا مقارنة بالضحايا الآخرين. فقد أجمعت الكتابات الصادرة في الإعلام العربي المغترب على وجود تمييز في التأبين، «لم يكلف أحد من الوزراء الفرنسيين نفسه عناء الانتقال إلى مدينة بوبيني، في الضاحية الباريسية القريبة، لحضور جنازته. كان العالم كله، وبحضور شخصيات سامية ورسمية، يتابع جنازات وتأبين رسامي «شارلي إيبدو»، التي لم تنظم في يوم واحد، ولم ينتبه أحد إلى أحد موظفي الدولة وأحد المحافظين على أمنها. وكأن أحمد مرابط مات مرتين، وكان عزاؤه الوحيد أن حضر 3 آلاف شخص الصلاة على روحه».

«مول السيبير» الذي احتجز انتحاريين
في منتصف شهر مارس سنة 2007، اهتز محل للإنترنيت بشارع الأدارسة بحي سيدي مومن في الدار البيضاء، إثر انفجار عبوة ناسفة، من بين اثنتين، كان انتحاريان مفترضان يحملانهما تحت ملابسهما، قتل منفذ العملية وأصيب أربعة أشخاص بجروح متفاوتة الخطورة، من بينهم الانتحاري الثاني الذي كان يشارك في العملية.
لم يكن الانتحاريان يعتزمان تفجير «السيبير» بل كانا يودان الاطلاع على مواقع جهادية تقدم آخر التعليمات، قبل التوجه إلى المكان المستهدف. لكن نشوب شجار مع ابن مالك محل الإنترنت، منع الانتحاريين المفترضين من الاطلاع على المواقع الجهادية.
أصيب نجل صاحب مقهى الأنترنيت ويدعى محمد فايز، من مواليد سنة 1978، بجروح في وجهه، كما تعرض شخصان من زبناء المحل لجروح بليغة على مستوى الوجه. وحسب إفادة شاهد عيان، فإن شابا يدعى عبد الجليل من أبناء الحي هو من عثر على الحزام الناسف ملقى بالقرب من المحل، ويتعلق بحزام رماه الإرهابي الثاني الذي لم يفجر نفسه، «حمل عبد الجليل الحزام وسلمه إلى قائد المقاطعة الذي كان يعاين الحادث، وحين تبين له أن الأمر يتعلق بحزام أطلق القائد ساقيه للريح».
كادت فاتورة الفاجعة أن تكون أكبر، بعد أن قام ابن صاحب المحل بإغلاق باب «السيبير» في وجه الانتحاريين، دون أن يعرف بأنهما يحملان مواد متفجرة قادرة على مسح المحل من خريطة الحي، إذ عمل الشاب الذي يتميز ببنية جسمانية رياضية قوية، على إغلاق المحل، واستدعاء الشرطة، ما دفع الانتحاريين إلى الدخول معه في شجار من أجل الفرار، بيد أن محاولاتهما باءت بالفشل، لينتهي النزال بتفجير هز المكان.
قال ابن مالك المحل إنه كان يتوفر على «مفتاح يمنع ولوج المواقع المحظورة، ما دفع المشتبهين إلى الدخول معه في شجار، الشيء الذي اضطر صاحب المحل إلى إغلاق الأبواب، وطلب النجدة».
وصف عمل محمد فايز بالبطولي، حيث أنقذ مرافق أخرى من عمل إرهابي كان يخطط له في نفس الليلة، وتلقى الشاب بعد مغادرته المستشفى التهاني من المواطنين والمسؤولين، ونسج البعض حكايات استفادته من مأذونيات للنقل العمومي، وهو ما نفاه الرجل جملة وتفصيلا.

باعروب.. الرجل الذي تنبأ بالهجوم فسخر منه رفاقه

قبل تنفيذ الهجوم الانتحاري على دار إسبانيا، نبه حارس المؤسسة إلى وجود شخص مشتبه فيه يتردد على المطعم بين الفينة والأخرى، وقال العربي كرومي الملقب بـ«با عروب» إن زبونا مشبوها يتردد على الفضاء ويمسح بعينيه المكان وكأنه بصدد التخطيط لعمل ما، كان النادل يقدم له وجبة «بايلا» على مضض، فقد كان هندامه يدفع العمال إلى توخي الحيطة من زبون قد لا يدفع الحساب، لكن التحذيرات لم تجد آذانا مصغية، ليتبين في ليلة 16 ماي أن هذا الشاب هو الذي سيقوم بذبح العربي حارس بوابة الدار قبل أن يلج المكان ويفجره. تبين أن الحارس منع الشاب من ولوج الدار، لكن هذا الأخير باغت الضحية وطعنه في بطنه، قبل أن يذبحه من الوريد إلى الوريد، ويدخل الدار ركضا.
تقول شهادة إحدى العاملات في المطعم بأن «با عروب» سخر من رئيس المطعم حين اكتشف وجود وجبة الكسكس ضمن لائحة الوجبات المقدمة في يوم الجمعة الذي عرف ليله مداهمة مفجعة، وظل هذا المستجد موضوعا رئيسيا لأحاديثه، إذ لم يسبق لدار إسبانيا أن هيأت الكسكس للزبناء، وكأن القدر يكشف عن وجبة ارتبطت بالمآثم، لذا ظل يردد، وهو يتفحص لائحة الوجبات، «ديرين الكسكس مالنا عندنا لعزا».
كاد العربي أن ينجو من الفاجعة، فقبل لحظات من زيارة الانتحاري، طلبت منه عاملة نظافة الذهاب إلى دكان مجاور للبحث عن مسامير لإصلاح «كراطة» تعطلت، لكن الحارس رفض وقال له إن مسؤوليته تحتم عليه عدم مغادرة البوابة، خرجت المنظفة تبحث عن وسيلة لإصلاحها، وكأن القدر شاء أن ينجيها من الفاجعة، كما نجت المحاسبة بعد أن غادرت مكتبها ودخلت إلى المطعم لتناول بعض الأكلات.

عاطف وقريب وبلعيد.. ثلاثي إنقاذ الفرح
‎لازال طيف حسن قريب وعاطف أحمد، رجلا الأمن الخصوصي بفندق فرح، حاضرا في نفوس موظفي وأعوان ومالكي فندق فرح بالدار البيضاء. لقد قاما، إلى جانب بلعيد، الذي كتب له عمر جديد، بعمل بطولي، حين وقفوا سدا منيعا أمام المهاجمين وضحوا بحياتهم لمنعهم من دخوله، وتصدوا للانتحاريين عند بوابة الفندق، ليلة 16 ماي 2003 الرهيبة. بل وحاولوا دون إصابة أي زبون.
وقف هذا الثلاثي أمام ثلاث انتحاريين في هيأة شبان بملابس وأحذية رياضية حاولوا دخول الفندق في تلك الليلة من بابه الرئيسي، فأثاروا انتباه موظفي أمن الفندق، حسن قريب وعاطف أحمد اللذين كانا واقفين عند المدخل.
استفسر حسن الشبان عن أسباب النزول، وعن وجهتهم والغاية من ولوج المنشأة الفندقية، فإذا بأحدهم يخرج سكينا ويطعنه به، عند ذلك تدخل موظف آخر اسمه حسن بولعيد واشتبك مع صاحب السكين بينما قام عاطف أحمد بإلقاء نفسه على أحد المهاجمين الذي فجر نفسه، في حين تمكن المهاجم الثالث من ولوج بهو الفندق، غير أن صدمة الانفجار الأول أوقعته أرضا قبل أن يتمكن من تفجير نفسه. قتل الحارسان حسن قريب وعاطف أحمد، بينما أصيب حسن بولعيد بحروق وجروح بليغة وفقد عينيه، كما روى الطباخ الرئيسي للفندق.
قال أسطوان محمد مدير فندق فرح (سفير سابقا) منوها بشجاعة حراس الأمن، «إن ما يجعلنا نشعر بالافتخار حقا، هو ما أبداه موظفو الفندق الذين وقفوا سدا منيعا أمام المهاجمين وضحوا بحياتهم لمنعهم من دخوله، الأمر الذي حصر الخسائر عند الباب ولم يحدث مكروه لأي زبون».
وكشف الطباخ عبد القادر عسال، عن اللحظات الأخيرة من المداهمة وقال في تصريح صحفي عقب النكبة، «خرجت مسرعا، بعد الانفجار، لأرى ما حصل، وفي بهو الفندق صادفت ذلك الشخص ملقى على الأرض بدون حركة وفي الباب رأيت منظرا في منتهى البشاعة حيث انتشرت أشلاء أجساد ورؤوس وأطراف ممزقة. فجأة سمعت من يصرخ «اقبضوا عليه، إنه يهرب… اقبضوا عليه» فرأيت ذلك الشخص الذي صادفته ملقى على الأرض يركض خارجا، فتبعته جاريا وضربته بقدمي على ساقه فسقط وارتطم بسيارة كانت واقفة أمام الفندق ليلحق بنا بعض الموظفين في الفندق وشرطيان بلباس مدني ويسيطروا عليه».

بطاقة النقابة تنقذ أسرة ضحية أركانة من التشرد
كانت مقهى أركانة، قبل الانفجار الذي هزها، تشغل حوالي 60 مستخدما، أغلبهم نوادل يقدمون خدماتهم للزبائن، وفق نظام مداومة، يؤدون مهام مختلفة ويشرف عليهم المسؤول المفوض له من طرف الشريف صاحب المقهى. أغلب المستخدمين يتعاقدون مع رب العمل وفق عقد تشغيل مؤقت لا يتجاوز ستة أشهر، حيث يتم تجديده كلما انتهت المدة.
كان ياسين البوزيدي نادلا حديث العهد بالمقهى، وكان قبل لحظة قصيرة من التفجير الذي هز المكان، يتجول بين الزبائن، قبل أن يتحول إلى أشلاء متناثرة، نظرا لأنه كان الأقرب إلى المادة المتفجرة.
عانت زوجة البوزيدي كثيرا، طرقت جميع البواب بعد أن أصبحت عرضة للتشرد، لاسيما أن زوجها الفقيد ترك في رحمها مولودا، خرج إلى الوجود بعد الخراب الذي ضرب المطعم، لكن بطاقة انخراط هذا النادل في نقابة الاتحاد العام للشغالين التابعة لحزب الاستقلال، مكنت الأرملة المكلومة من الانفلات من حبل التشرد الذي كان سيلف حول عنقها.
منح الصندوق الاجتماعي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب شقة لزوجة ضحية أركانا النادل البوزيدي، وأصر حميد شباط الأمين العام للحزب والنقابة على تسليم العقد الذي يؤكد ملكية الشقة للزوجة وابنتها ياسمين، وكذا المولودة التي كانت حينها جنينا.
استغل شباط الحادث، وعقد ندوة صحافية بمقر نقابته بمراكش تحدث فيها عن حيثيات اقتناء شقة لفائدة زوجة ياسين البوزيدي، وعن أهمية مسيرة إدانة الإرهاب، مستغلا العمل الإرهابي في رسم صورة جديدة لنقابة «إنسانية» موجها صفعة غير مباشرة لنقابات تتنفس الاحتجاج.
لكن إذا كانت زوجة البوزيدي قد حصلت على شقة، فإن المستخدمين الناجين من الفاجعة، وعددهم يصل إلى 54 مستخدما كانوا أيضا ضحايا التفجير حيث وجدوا أنفسهم مصطفين في طوابير الاحتجاج.

المحجوب.. الحارس الذي وقف في واجه مداهمي مطعم إيطالي
لم يكن المحجوب الحريم يعلم أن مهامه كحارس لعمارة قبالة مطعم «بوسيتانو»، ستقوده إلى التوجه دون سابق إشعار لمنع انتحاريين من ولوج المطعم، رغم أنه ليس من صميم اختصاصاته، لكن الرغبة في مساعدة حارس المطعم والوازع الوطني حولاه من حارس عمارة إلى حارس مطعم مهدد.
في مطعم «بوسيتانو» المقابل للقنصلية البلجيكية بزنقة الفارابي، كان المحجوب يتوصل بين الفينة والأخرى بوجبات غذائية من رئيس المطبخ، لذا اعتبر نفسه من حماة هذا المرفق السياحي الذي كان يقدم وجبات إيطالية ويتردد عليه الأجانب بشكل لافت للنظر، خاصة اليهود، بل إن صاحبه هو ميشيل ليفي يهودي الديانة، والذي باعه لمستثمر آخر في أعقاب غارة 16 ماي قبل أن يغير المالك الجديد اسم ومحتوى المطعم.
قال الحارس، بصفته شاهدا على الفاجعة، إن الانفجار كان قويا حيث ساد الاعتقاد في البداية أن الأمر يتعلق بانفجار إحدى قنينات الغاز، قبل أن يكتشف الصدمة ويعرف بأن الأمر يتعلق بعملية إرهابية.
«شاهدت الحراس يمنعون دخول شخصين كان كل واحد منهما يحمل حقيبة على ظهره قبل أن يفجرا نفسيهما أمام مدخل المطعم. تمزقا إلى قطع في الحال وأصيب الحراس بجروح خطيرة، بينما أصيبت سيارة من نوع مرسيدس بخسائر جسيمة. كنت على بعد أمتار من موقع الحدث إلى جانب شرطيين مداومين على مراقبة القنصلية البلجيكية القريبة. والأقدار وحدها أنقذتنا من الموت».
روى المحجوب للقناة الثانية لحظة المداهمة، وقال: «لاحظت سجالا بين حارس أمن وشابين يهمان بولوج المطعم، فاقتربت منهما وشرعت في الدفاع عن قرار الحارس، وحين تراجعت إلى الوراء قليلا، لأبحث عن عصا أدافع بها سمعت دوي انفجار، فانبطحت أرضا اعتقادا مني أن قنينة غاز انفجرت في الداخل، لكن حين التفتت وجدث أشلاء جسد ممزق فأغمي علي، ومنذ ذلك الحين وأنا أعيش بفك مهترئ وأصابع لازالت بداخلها مسامير تناثرت من شدة الانفجار».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى