لماذا هبطت أسعار البترول ومن يقررها؟ ومن الخاسر والرابح؟
الأسباب التي دعت الولايات المتحدة للجوء إلى زلزال اقتصادي هي في الأساس سببان:
– هبوط الأسعار بهذا الشكل يهدف إلى «زلزلة» اقتصاد أعداء الولايات المتحدة وهم روسيا وفنزويلا وإيران لكن البلد المستهدف أساساً هو الاقتصاد الروسي وبالتالي ما ينتج عنه من زلزال سياسي.
– الاقتصاد العالمي والأمريكي لم يشف لتاريخه من الأزمة المالية لسنة 2008 ونتائجها، وهناك تباطؤ اقتصادي في أوروبا وحتى في الصين وهبوط الأسعار يساعد على تحفيز تلك الاقتصادات والخاسر الأكبر هنا هي الدول المنتجة.
كانت نتيجة تدهور الأسعار أن خسر حزب شافيز الانتخابات في 6/12/2015 ووصل إلى السلطة معارضوه والذين صرحوا بنيتهم شطب إصلاحات شافيز. وكان التقدير أن يحدث زلزال السعر الشيء نفسه في روسيا. فتم اختيار سعر 50$ في البداية باعتبار أن أكثر أنواع الإنتاج غير التقليدي (زيت صخري، زيت رملي، زيت ثقيل، أعالي البحار) يمكن له البقاء والاستمرار على ذلك السعر. المفاجأة كانت بصمود وتكييف الاقتصاد الروسي على ذلك الزلزال، بعد انهيار الروبل. ومما زاد الطين بلة العقوبات المروضة على روسيا بعد أزمة أوكرانيا والتي أوقفت إمكانية اللجوء المؤقت للشبكة المالية العالمية. تم اختيار توقيت ضربة عملة الروبل الروسية في ديسمبر 2014 حيث كان على روسيا دين خارجي ذلك الشهر قدره 70 مليار دولار وحوالي 40 مليار في الشهر الذي يليه. تصرف البنك المركزي الروسي بشكل استوعب الضربة التي كان يؤمل أن تكون الضربة القاضية، وتكيف الاقتصاد الروسي إلى حد كبير وبأقل الخسائر الممكنة.
المحافظون الجدد الذين يديرون العالم عبر أذرع الولايات المتحدة العسكرية والمخابراتية أصيبوا بصدمة صمود روسيا وكان عليهم استئناف حربهم تلك.
قامت المؤسسات الأمريكية الحكومية والخاصة بدراسة الخطوة اللازمة لتركيع روسيا. في دراسة أجرتها (مؤسسة Bloomberg) كانت النتيجة أن 15 من أصل 27 تم سؤالهم عن سعر النفط الذي سيزلزل الاقتصاد الروسي فكانت إجابتهم أن سعر «الزلزال» هو 30$ للبرميل وأن روسيا غير مستعدة ولا مؤهلة لاحتمال هذه الصدمة الثانية! اعتقد هؤلاء أن هذا السعر سوف يهز النظام المالي والبنكي وسوف يعرض الروبل إلى هبوط حاد آخر. وهكذا قررت أمريكا هبوط الأسعار إلى 30 دولاراً.
صرح وزير المالية الروسي في 25/11/2015 أن روسيا تأقلمت مع هبوط الأسعار وأن هبوطا حتى 40$ لن يؤثر كثيراً على روسيا، البنك المركزي الروسي قام بدراسة نتائج سعر أقل من 40 (30$ مثلاً) فخرج بنتيجة أن الاقتصاد الروسي سوف يتقلص بمقدار 3 في المائة وأن أسعار السلع ستزيد حوالي 7 في المائة. كما تم تدمير الاتحاد السوفيتي بهبوط أسعار النفط إلى أقل من 10 دولار وحرب ثقيلة في أفغانستان، يأمل القابضون على السلطة في العالم الرأسمالي إعادة التاريخ مرّة ثانية لسقوط نظام بوتين عن طريق ضرب الاقتصاد الروسي وحروب استنزاف أينما أمكن.
قبل أن أبدي وجهة نظري أنقل ما تنبأت به وكالة الطاقة الدولية (IEA) حيث تنبأت أن سعر النفط سيصل ما بين 50-60 $ من الآن وحتى سنة 2020 وتصل إلى 85$ بحلول سنة 2040. أعتقد أن هذه النبوءة مُسيَسَة.
من الناحية الفنية فقط سأورد استقرائي لموضوع الأسعار علماً أنّ الموضوع تتداخله السياسة بقوة. فلو تمّ تغيير سياسة الولايات المتحدة والدول العربية المنتجة للنفط لخفض الإنتاج فسترتفع الأسعار بأسرع مما ذكر من الناحية الفنية فقط .
كان إنتاج الولايات المتحدة من النفط في شهر يناير 2010 هو 5.5 مليون برميل باليوم وأصبح 9.6 مليون برميل باليوم في يوليو 2015 – وكل هذه الزيادة جاءت من الزيت الصخري الذي لا يمكن إنتاجه بأسعار 30$. إذا خرج من السوق حوالي 4 مليون برميل أمريكي باليوم ومليون آخر من الآبار المنتجة بالمساعدة الثانوية والثلاثية سيرجع الإنتاج الأمريكي إلى أقل ما كان عليه سنة 2010 وهذا سيرفع الأسعار رغم أنف الولايات المتحدة، خصوصاً لو أضفنا إلى ذلك هبوط إنتاج نفط الزيت الرملي من كندا أضف إلى ذلك هبوط الآبار المنتجة بما يسمى (depletion rate) بحدود 3 في المائة أي هبوط إنتاج بــ3 ملايين برميل. الاحتمال الأكبر أن مجموع هذه الانخفاضات ستمسح الفائض في المخزون العالمي خلال سنة لترتفع الأسعار إلى 50-60 دولارا. المنتجون في قطاع إنتاج النفط غير التقليدي الأمريكي يألمون وكذلك اقتصاد روسيا بأكمله في لعبة عض الأصابع ومن يصرخ أولاً.
ما يجري الآن هو حرب عالمية بكل معنى الكلمة بين الولايات المتحدة ووكلائها وأتباعها، وبين روسيا ودول البريكس عموماً، والرأسمالية المتوحشة لم تجد حرجاً لشن حرب عالمية ثانية كان حصادها مقتل 50 مليون إنسان وتدمير بلدان بأكملها، وهي اليوم تدير حربا عالمية أخرى – حرب طحن عظام – ليخرج منها العالم بشكل مختلف عن الشكل الذي بدأ به.
الشعب العربي يدفع فواتير هذه الحروب من بترودولارات ومن بشر ومن حجر ونحن مسرح رئيسي من مسارح هذه الحرب.
مستشار ومؤلف وباحث