شوف تشوف

الرأي

لماذا التمويل معضلة حقيقية؟

مسألة تمويل إصلاح منظومة التعليم معضلة حقيقية، لذلك تحتاج أن تناقش بنزاهة وتجرد، وفي نفس الوقت بواقعية بعيدة عن رومانسية الشعارات. ولننطلق من الواقع. لنتبين المأمول.
أولا؛ هناك إجماع على أن التعليم هو قضية ذات أولوية وطنية، والحديث عن كونه قضية ثانية بعد قضية الوحدة الترابية، هو ترتيب حكيم. بحيث تصبح وحدة الأرض منطلقا لتنمية الإنسان. لذلك لا سبيل للحديث عن نموذج تنموي مغربي دون استقلالية القرار التعليمي والتربوي، في كل مستويات منظومة التربية والتكوين. لكن المشكلة هنا، هي أن الاختيارات الإصلاحية التي تبناها المغرب لإصلاح تعليمه، كانت تفرض عليه التعويل كثيرا على الممولين الدوليين، سواء عبر قروض أو منح أو هبات. وبغض النظر عن الاختلالات المزمنة على مستوى الحكامة، فإن أي حديث عن مساهمة التعليم في إحداث التنمية المغربية المنشودة لا يمكن أن يتأتى دون أن يكون التمويل وطنيا، على الأقل في الشق الأكبر منه. حيث تصبح الاستعانة بالخبرات الأجنبية خاضعة لأجندة وطنية محددة، ولا يمكن السماح للممولين بانتهاك حق المغاربة في بلورة نظام تعليمي تنموي جيد، مبني بالأساس على خصوصية الشعب المغربي، سياسيا واجتماعيا وثقافيا. بمعنى آخر فضمان الطابع السيادي للتعليم يمر بالضرورة عبر وطنية التمويل. لذلك فاستقلالية التمويل تبقى، شئنا أو أبينا، خطا أحمر، على الحكومة احترامه.
ثانيا؛ في مقابل الإجماع حول أهمية التعليم، هناك أيضا إجماع حول وجود اختلالات مزمنة في القطاع، وهذا الإجماع، بالنسبة للأسر المغربية، يعني البحث عن طرق أخرى لتعليم أبنائهم تعليما جيدا، إما عبر تسجيلهم في المدارس الخصوصية، لذلك ترتفع سنويا نسبة المتمدرسين في هذا القطاع، أو باللجوء للساعات الإضافية المؤدى عنها، والتي تكلف الأسر المغربية أمولا طائلة، خصوصا في المستويات التي تشهد امتحانات إشهادية. يكفي التذكير هنا بآلاف الأسر التي يكلفها تعليم الأبناء ما يفوق خمسة آلاف درهم شهريا، مخصصة للساعات الإضافية فقط. وهذه حقيقة غير مبالغ فيها. وبالتالي لا مندوحة من إشراك الأسر في الحل، أخذا بعين الاعتبار مؤشرات اقتصادية واجتماعية تملكها الدولة من خلال مؤسسات الإحصاء الكثيرة التي تعج بها الوزارات ذات العلاقة بالتعليم.
ثالثا؛ إذا كانت استمرارية فشل المدرسة تتحمل تبعاته الأسر المغربية العادية، فإن الحقيقة الأخرى هي أن تنمية الوطن تتحقق بأغلبية متعلمة وليس بنخب استفادت من تعليم يسمح لها بإعادة إنتاج غنى أسرها فقط. فالتنمية ستتحقق بأبناء الأسر المغربية العادية، لكون الأسر الغنية دوما ما كانت خارج هذا النقاش، وذلك منذ الاستقلال. وأبناؤها تمت تربيتهم ليكونوا «مواطنين عالميين» ولا يهمهم سؤال الوطن. وإلا هل لنا أن نعرف أين هو الآن ابن الملياردير عثمان بنجلون، وهو خريج الجامعات الأمريكية؟ إنه في سفرياته السياحية التي تنتهي عبر العالم، وأخر محطاتها استمتاعه بغابات الأمازون ضمن مخيم أنشأه هناك، منقطعا عن العالم فبالأحرى عن وطنه. وطبعا لن نضطر لسؤاله عن آخر مستجدات القضية الوطنية، أو تأثير الجفاف على القدرات الشرائية. فهذه قضية لا تعنيه، حتى ولو أمطرت سماء المغرب بصلا. إذن، فمن يتحمل هواجس الوطن وإشكالاته، هم أبناء الشعب، خريجو مدرسته الوطنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى