شوف تشوف

الرأي

لماذا أقرأ ابن عربي في زمن كورونا؟ 2.2

لحسن حداد

من يدري، ربما هناك حق لا ندركه في هذه الوقفة المدوية عبر المعمور، سر سندركه بعد انجلاء الغم والغيم، وسيلة لتحقيق ذواتنا غابت عنا قبل أن يصيبنا البلاء. خامسا، مقولة «البرزخ» عند ابن عربي جاءت لتجيب عن سؤال إبستيمولوجي حير الفلاسفة، منذ أرسطو وحتى رورتي: كيف تصل إلى الحقيقة الربانية وأنت بشر مفروض فيك أنك محدد زمانا ومكانا، وليست لك قدرة على فهم الخلود الرباني اللامتناهي؟ والبرزخ هو الحد كما في سورة الرحمان: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقيانِ. بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ». يقول ابن عربي إن البرزخ «هو العالم المشهود بين عالم المعاني وعالم الأجسام» و«هو أمر فاصل بين معلوم وغير معلوم، وبين معدوم وموجود…فإنك إذا أدركته وكنت عاقلا، تعلم أنك أدركت شيئا وجوديا وقع بصرك عليه» (إحالات فاطمة حسن الجعفرى «لسان الحال أبْيَن من لسان المقال»، مستشهدة كذلك بالدكتورة سعاد الحكيم. من أجل دراسة فلسفية عميقة لمقولة «البرزخ»، انظر سلمان بشير «برزخ ابن عربي: مفهوم الحدود والعلاقة بين الله والعالم» منشورات جامعة نيويورك). البرزخ، خيال، طيف فاصل، إدراك غَيْرَ إدراك المعلوم واستبطان المجهول، لحظة شاعرية ولكنها شذرة عرفان وحلول، معرفة ما لا يمكن إدراكه. في زمن حاصرنا فيه وباء غير مرئي أرتكنُ إلى التفكير والتأمل في أسرار الكون، أنتظر برزخا، رؤيا تعطيني جوابا، أملا وترقبا في لطف ورحمة ستنزل بردا وسلاما على الخلق والعباد. سادسا، يقول ابن عربي: «لن تبلغ من الدين شيئا حتى توقر جميع الخلائق». كيف نقول بالإيمان والتدين ونعيث في الطبيعة تدميرا: نضرب البهيم، ونستضعف المطي، ونرجم ونعذب خلق الله قططا وكلابا وحميرا، ونقتل الفيلة من أجل قرونها والنمور من أجل جلدها والدببة من أجل فروها، ونقتلع الأشجار ونحرق الغابات، ونلوث الأرض والماء…عجرفة الإنسان ظانا أنه سيد الطبيعة وهو جزء منها؛ غرور وجبروت…عدو صغير، مجهري، فتاك، جعلنا، رغما عنا، نتساوى في الحجر، ندخل البيوت لتنعم المخلوقات الأخرى بالحرية من بطش الإنسان، من سوطه القاسي على البهيم، على خلق الله. لن تبلغ من الإيمان شيئا حتى تؤمن بوقار ما خلق الله. سابعا وأخيرا، يقول ابن عربي: «الحُكْم نتيجة الحِكمة، والعلم نتيجة المعرفة، فمن لا حكمة له لا حُكْمَ له، ومن لا معرفة له لا علم له». المتهورون والمتعجرفون والمغرورون من الحكام جروا ويلات على شعوبهم، وذوو الحكمة غلبوا مصلحة الأوطان والعباد. الوباء عدو قاتل وليس بالخطب الرنانة ولا بالوقوف أمام عدسات الكاميرات نقاتله، ولكن بالتروي وتغليب مصلحة العباد، بالرحمة والمغفرة وسداد الرأي. وليس بالأخبار الكاذبة ولا الحلول المشعوذة نقاربه، ولكن بالعلم والعلم والعلم. «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا»، (الإسراء، 85). صدق الله العظيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى