شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

لقمة عيش على الحافة

يونس جنوحي

 

الأحد الماضي كان أطول يوم في حياة سكان أوزيوا الواقعة في إقليم تارودانت. لم يفقد أقارب العالقين في نفق أشغال سد المختار السوسي الأمل في إخراجهم. ومع مرور الساعات، تبدد الأمل ليتحول إلى رجاء في إخراج جثامين شهداء الواجب.

في المساء تأكد الخبر. خيم حزن عميق على المنطقة الهادئة التي يحتلها سد المختار السوسي بجداره الضخم. المنطقة التي حلّ السد المقام بها أزمة جفاف الألفية الجديدة، كثيرا ما استيقظ سكانها على فواجع غرق السباحين على ضفاف السد. لكن خبر وفاة العمال الخمسة تحت أنقاض النفق، بسبب الاختناق وتراكم الأتربة، مما صعب مهمة الوصول إليهم، كان أمّ الفواجع!

هل كان العمال يتوفرون على تأمين ضد مخاطر مزاولة عمل من هذا النوع؟

الصور التي نشرها أقارب الضحايا، تُظهر بوضوح أن الأمر يتعلق بمواطنين محليين من بسطاء المغاربة. من أولئك الذين يضعون حياتهم على المحك يوميا ليس فقط لإطعام أسرهم، ولكن أيضا لإطفاء عطش الآلاف. توزعت أعمارهم بين الكهولة والشباب، وقُدر لهم أن يعيشوا آخر ثوان حياتهم تحت الركام. لم ينج أحد منهم لكي يروي وقائع تلك اللحظات العصيبة، ولا يبدو أن أقاربهم مهتمون كثيرا بفتح تحقيق لتحديد المسؤوليات.

هل يتوفر المسؤولون في إقليم تارودانت على أرقام واضحة بشأن ضحايا عمليات حفر الآبار وتوسعتها في إقليم تارودانت؟

قبل أقل من ثلاثة أشهر توفي شاب في مقتبل العمر عندما انتهى من عملية تنظيف بئر في ضيعة فلاحية. وطبعا، شهيد لقمة العيش الذي يعمل في تنظيف وتوسيع وحفر الآبار، لا يتوفر على تأمين ضد المخاطر المهنية، بل ويعلم وهو يزاول هذه الحرفة الخطيرة أن وفاته واردة في أية لحظة.

بمرارة، يجيب سكان المناطق الفلاحية أن العُمال لا يتوفرون حتى على تأمين لدراجاتهم النارية، صينية الصنع، فما بالك بتأمين على المخاطر المهنية. بل إن عمليات توسيع الآبار في الضيعات المحلية الصغرى غالبا ما تتم خارج القانون، ودون تراخيص من السلطات.

 

قدر بعض الناس أن تُعلق لقمة عيشهم هم وأبناؤهم على الحافة تماما، ويصبح الخطر زميلهم المهني الأول، وربما الوحيد.

الذين يعرفون أخلاق سكان أوزيوا المجاورين لسد المختار السوسي، يُدركون أن الضيف عندهم يُكرم على الطريقة القديمة، حتى لو كلفهم الأمر تبديد آخر مدخراتهم على الضيافة.

جيران سد أوزيوا يعرفون جيدا مخاطر اتخاذ خزان ضخم للمياه جارا دائما. في فترات الجفاف يصبح الوحل والركام خطرا يهدد حياتهم، وفي سنوات الرخاء، على قلتها، يقض كابوس غرق أبنائهم في مياه السد مضجعهم.

عندما اهتزت المنطقة بأكملها في الثامن من شتنبر قبل عامين، كان خوف أهالي أوزيوا مضاعفا. وقبل أن يتفقدوا منازلهم، كانت أبصارهم في تلك الليلة المظلمة شاخصة في اتجاه بحيرة السد وجداره الاسمنتي الشاهق، إذ إن انفجاره يعني كارثة مضاعفة تفوق خطورتها خطورة الزلزال بمراحل.

شهداء لقمة العيش طابور انتظار طويل لم يبدأ مع فاجعة سد أوزيوا. الضحايا الخمس، آخر من حجزوا تذكرة على متنه لينضموا إلى لائحة أسماء طويلة قضوا جميعا في عمليات حفر الآبار ودخول الأنفاق وتنظيف غرف محركات السقي التي يموت ضحاياها اختناقا سنويا، دون أن يتدخل أحد ليضع حدا لهذا المسلسل.

كيف يعقل ألا تكون الخوذة الواقية والتجهيزات وقنينات الأكسجين إجبارية أثناء مزاولة مهام من هذا النوع؟ بل إن هذه التجهيزات لا يراها العُمال إلا في الأفلام ونشرات الأخبار!

كم يلزمنا من تذاكر تُحجز بدون توقف لقطار ضحايا فواجع من هذا النوع، قبل أن يتحرك أحد ما لإنهاء معاناة مزاولي هذه المهن التي تتخذ الموت زميلا لكل محترفيها؟ لا بد أن يجيبنا أحد.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى