شوف تشوف

الرأي

لقد سألوا الغواص عن صدفاتي

بيير لوي ريمون

نِعمَ الصفقة عندما تتكلل الخطوة بنجاح… وبئس العملية عندما تمنى بانتكاسة… لكن نادرا ما تفضي الصفقات المبرمجة أصلا إلى انتكاسات، من حجم تلك التي منيت بها فرنسا، بعدما تحول مصير «صفقة القرن» إلى فشل ذريع.
استمعت إلى التعليقات، التي وجدت في تصرف المسؤولين الفرنسيين «طفولية»، وقدّرتها وتفهمتها: فهي تعتبر أن العامل التجاري وحده أملى على الطرف الأمريكي انتزاع الأفضلية في الصفقة من فرنسا، بموجب تحكم أنسب بمعايير العرض والطلب. ولو انطلقت من هنا، لربما أمكن لك أن تنسجم مع هذا الموقف فعلا، إلا أن هناك على الأقل عاملين يدخلان أيضا في الاعتبار، أحدهما دبلوماسي، وثانيهما أخلاقي.
العامل الدبلوماسي أن فرنسا تسعى بشكل متزايد إلى تحجيم النفوذ الأمريكي بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، أساسا بتكثيف تقاربها مع الصين. وما العمل التفاوضي الفرنسي الدؤوب مع أستراليا، والمستمر منذ سنوات سوى طريق فرعي لتثبيت مكانة فرنسا بعالم متعدد الأقطاب، عبر التموقع في منطقة تملك فيها أراض من ناحية، ومن ناحية أخرى منطقة تجد فيها دولا تقف على درجة من عدم الانحياز، بحيث لم يعد مضمونا للولايات المتحدة أنها ستكون قادرة على جرها إلى مدارها جرا.
أستراليا، مبدئيا، من هذه الدول، وعلى هذا الأساس، يتعاظم الإحباط الفرنسي من إعادة تكوين محور أنكلوساكسوني بدعم بريطاني جاء في اللحظة الأخيرة، جعل من أمريكا وبريطانيا وأستراليا آلية تدق ناقوس الخطر، لتكسير عظم ثلاثية الهند وإيران وباكستان التي تطمح، معززة بانتمائها بشكل أو بآخر إلى «النادي النووي»، إلى تشكيل رافعة يقوم عليها نظام عالمي متعدد الأقطاب.
أما العامل الأخلاقي فمرده إلى السلوك الأمريكي المخالف لأصول الدبلوماسية، والتعقيب هنا ليس لي، وإنما لمرجع في الدبلوماسية الفرنسية، وزير الخارجية الأسبق هوبرت فيدرين، الذي تساءل عن أسباب عدم إبلاغ جو بايدن نظيره الفرنسي بنيته الاستحواذ على الصفقة، قبل أن يجيب فيدرين نفسه عن السؤال: تغليب منطق «أمريكا فيرست» بقطع النظر عن الإدارة، ديمقراطية كانت أم جمهورية، تطويق مطامح المداراة الآتية من القوى الأخرى، خاصة باتجاه الصين، ثم تغليف الضربتين القاضيتين بعبارات تودد ومداهنة، تنسي الذي جرى.. بعد حسن تدبير للذي جرى بسبق إصرار وتعمد. نعم تعجب البعض من استدعاء السفراء، وحاورني الإعلام العربي صراحة في الموضوع هذا الأسبوع. وهنا لن يسعني إلا الاقتباس من فيدرين مرة أخرى، حينما اعتبر أن فرنسا لم يكن في وسعها اعتماد خيار آخر، ولم يكن بد من إشعار «العم سام» بأن يفكر في المرة المقبلة مرتين، قبل معاملة أحد أقوى حلفائه التقليديين بهذه الطريقة (أو إن أردنا الدقة، بهذه اللاطريقة). لم تحترم الأصول، ولم تحترم على أساس متجاوز، فلم يعد في مقدور أمريكا الهيمنة على القرار الدولي، كما دأبت على فعله في أزمنة سابقة على بروز قوى صاعدة مثل الصين والهند وحتى باكستان. أجل، يبدو أن كثيرين يتهافتون على مساءلة الغواصة عن صدفات المحيطين الهندي والهادئ، لكن لم يعد أحد تقرييا يرى أن الدر كامن في أحشاء السياسة الخارجية الأمريكية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى