يونس جنوحي
بعد انتشار واسع لتصريحات خبراء فرنسيين في الاقتصاد عن عمليات النهب الممنهج، طوال عقود، لثروات القارة الإفريقية، ها هي صحيفة في زيمبابوي تخرج قبل أيام بخبر يؤكد إغلاق شركة صينية مُتهمة بنهب كميات من «الليثيوم».
شركة «ليبيكيتا مينيرالز» الصينية، إحدى كبريات شركات التنقيب، وصاحبة أكبر منجم لاستخراج الليثيوم في زيمبابوي، تلقت أوامر تقضي بوقف عمليات التنقيب لمدة سبعة أيام، للتحقيق في المزاعم التي تروج حول نهب الشركة لكميات من «الليثيوم» دون التصريح به.
هذا الاتهام صادر أساسا عن هيئة رقابية محلية. مصادر مقربة من وزارة المعادن في زيمبابوي أكدت أن عملية نهب ضخمة تمت في يوم 2 ماي الماضي.
هناك 42 شاحنة محملة بأطنان من «الليثيوم» تغادر موقع التنقيب يوميا. ممثلو العمال في الشرطة خاطبوا مواطني بلادهم، حسب ما نقلته صحيفة «نيوز داي» الصادرة في زيمبابوي، بالقول : «أيها الزيمبابويون، وصل نهب معادننا في بيكيتا مينيرالز إلى مستوى آخر. إنهم يعالجون 754 طنا عالية التركيز يوميا».
هذه الكمية تعتبر من أكبر الكميات في العالم، إذ أن الشركة الصينية موضوع الاتهام، تشتغل في منطقة يتوفر بها احتياطي عالمي هو الأكبر في العالم، يصل إلى 11 مليون طن من مادة «الليثيوم». ولا توظف الشركة سوى 860 عاملا فقط بينهم مهندسون صينيون.
أي أن الشركة لا تساهم في امتصاص البطالة التي تغرق فيها البلاد رغم أنها تستخرج الأطنان يوميا من مادة حيوية تُستعمل في صناعة بطاريات الأدوات الإلكترونية، وتعتبر أساسية في سوق الهواتف النقالة، الذي يعتبر من أكبر الأسواق العالمية حاليا.
صفقة استغلال الموقع الذي تتركز فيه مادة «الليثيوم»، كلفت الشركة الصينية 180 مليون دولار، أدتها لحكومة زيمبابوي العام الماضي.
وهم رقم صغير مقارنة مع الإيرادات المهمة التي تراكمها الشركة بفضل عمليات الاستخراج المكثفة.
الخبراء الدوليون، حسب دراسات مستقلة، أكدوا أن كميات الليثيوم المتوفرة في زيمبابوي كافية جدا لإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها طوال عقود مستمرة.
الشركة الصينية استثمرت 200 مليون دولار أمريكي لتوسيع عمليات الاستخراج، وبناء مصنعين لمعالجة «الليثيوم»، حتى يمكنها إنتاج ما قدره 250 ألف طن من مادة أخرى هي «الإسبودومين» المركز، و480 ألف طن أخرى من مادة «البلاتيت» سنويا.
وهذا يعني أن الشركة لم توسع نشاطها فحسب، بل ضاعفت كميات الإنتاج وبدأت في تحويل المواد الخام وتصنيعها دون الحاجة إلى إرسالها إلى مقر الشركة الأم. وهو ما يعني إعفاء المُنتجين من مصاريف نقل أطنان من «الليثيوم»، بحرا، لإعادة تصنيعه.
هذه المواد كلها تُستعمل في صناعة البطاريات. والمعروف أن الصين تسيطر حاليا على سوق صناعة البطاريات في العالم. بل إن كبريات الشركات الأمريكية مثل «آبل» و«سوني» اليابانية، كلها تفوض للمصانع الصينية، عملية تصنيع البطاريات التي تستعملها لتشغيل ملايين الأجهزة الإلكترونية بالغة الدقة وعالية الجودة.
الشركة الصينية أصدرت قبل أيام بلاغا تعد فيه بأنها تسعى إلى حل المشكل مع حكومة زيمبابوي، وهو ما اعتبرته الصحافة المحلية اعترافا ضمنيا بصحة الاتهامات الموجهة للشركة، خصوصا وأنها وعدت بفتح تحقيق داخلي للوقوف على كل دقة وصحة كل الملابسات المحيطة بالموضوع. كما أن هناك اتهامات أخرى بتعرض بعض العمال لسوء المعاملة، والإقامة في مرافق لا تحترم الشروط الصحية، وعدم تسجيلهم في سجلات الضمان الاجتماعي.
قبل عشر سنوات، نشرت الصحافة الأمريكية تقريرا مطولا عن تعرض قرى بأكملها في الجنوب الإفريقي لاستغلال بشع من طرف شركات متعددة الجنسيات. ورغم أن المنظمات الإنسانية أثارت زوبعة من الانتقادات وطالبت بمحاكمة مسؤولي تلك الشركات التي أثارها التقرير، إلا أنه لا شيء تغير.
كل ما هناك أن بعض الشركات أغلقت أبوابها، وغادر أصحابها دون مُساءلة، وفُتحت شركات أخرى لممارسة نفس الأنشطة، وغالبا بنفس الطريقة. والنتيجة كما ترون.