لدواع أمنية
حسن البصري
ترسخت لدى كثير من مشجعي الفرق الرياضية خرافة تقول إن «الصحافي والشرطي خصمان إلى أن يثبت العكس»، وفي أدبيات فصائل «الإلتراس» قصائد تدين رجال الأمن وتكيل الشتائم لرجال الإعلام، وحين ينتابها وخز الضمير تردد لازمة «تحية رياضية للشرطة الوطنية»، وأحيانا ينسى الأنصار خصما في الملعب يواجه فريقهم فيعاملونه بمنطق «لعداوة ثابتة والصواب يكون».
لا يعلم كثير من أبناء الجيل الحالي للمشجعين أن منتخبا مغربيا للشرطة كان يصنع مجد الكرة المغربية في نهاية الستينات، وأن أندية مغربية للأمن الوطني كانت تشارك في مختلف التظاهرات، كالنجم المراكشي واتحاد الشرطة الذي ترأس مكتبه المديري حسن الصفريوي الذي شغل عدة مناصب قيادية في جهاز الأمن بالرباط والدار البيضاء، قبل أن تنقرض هذه الفرق وينمحي المنتخب الأمني.
في نهاية السبعينات، شارك منتخب الشرطة المغربي في أول بطولة مغاربية بطرابلس، وفاز المغاربة أداء ونتيجة، قبل أن يصبح هذا المنتخب رافدا من روافد الفريق الوطني «المدني»، بعدما تم تشغيل عدد من عناصره في سلك الشرطة.
كانت الشرطة في خدمة الرياضة والمواطن، قبل أن يصبح جهاز الأمن في خدمة «الإلتراس» يتابع حركاتهم وسكناتهم، يتفحص مضامين لافتاتهم ويقرأ سطور «كلاشاتهم» قبل النشر، يرافقهم في تنقلاتهم إلى المدن، ويطفئ لهيب الاحتقان في المدرجات والأزقة والشوارع، ويحافظ على سلامة محيط تجمعاتهم، ويرسل عيونه لترصد «تبييض» التذاكر والدعوات..
اليوم ينعم زعماء فصائل «الإلتراس» بإجازة، وينكب الرفاق في خلوتهم على إخضاع عتادهم الحربي للصيانة، فقد أضحى «الوي كلو» فرصة لزيارة المعتقلين منهم، وإعادة ترتيب البيت من الداخل وإعادة رسم «طاغات» على الجدران الرطبة.
في زمن كورونا ينعم السكان المجاورون للملاعب بالراحة، يمكن لأبنائهم أن يركضوا أمام منازلهم دون أن يخضعوا للاعتقال الإجباري كلما لاح في الأفق موعد كروي. في بطولة «كوفيد» يفتح الباعة دكاكينهم في يوم المباراة دون أن يخشوا لومة مقدم، وتفتح المقاهي في وجه زبناء نهاية الأسبوع ويتحرك النادل بكل حرية، دون أن يستطلع أحوال الطقس الكروي أو يتلقى إشعارا بغارة وشيكة كما اعتاد في أيام المباريات الحارقة.
في بطولة الوباء الاحترافية، سينعم الأمن بالراحة والطمأنينة وهم يحرسون كراسي ملونة. لن يقتادوا أحدا إلى المخفر، لن يحرروا محاضر ضد مشجع يعاني من فقر الروح الرياضية، ليسوا في حاجة إلى كلاب مدربة ودروع واقية ورصاص مطاطي وقنابل مسيلة للدموع وجياد في حالة استنفار.
أمن الملاعب ليس بحاجة اليوم إلى حماية الحكام من صفير الاستهجان، لأن بإمكانهم أن يغادروا دون أن تطوقهم القوات الأمنية، بإمكانهم اليوم تناول فنجان قهوة قبالة الملعب، قبل الانصراف دون أن يعبث مشجع بخلوتهم.
لقد عشنا وشفنا زمنا انسحب فيه من محيط الملاعب باعة المأكولات ولم يعد في جوانب الفضاء الرياضي متسع لباركينغ عشوائي، واختفى باعة التذاكر من السوق السوداء، وحل محلهم باعة الكمامات وعليها شعارات الفرق وألوانها، لكن الأمن ظل حاضرا في ملاعب أخرى يطارد مشجعين في الفضاء الأزرق، ظهرت عليهم أعراض العنف وحفروا في الجبهات المتقدمة من مواقع التواصل الاجتماعي خنادق تحسبا لمعارك يومية مع خصوم افتراضيين.
من المفارقات العجيبة، في البطولة المغربية، أن المباريات لا تنطلق إلا إذا حضر رجال الأمن وسيارة إسعاف، وبدونهما لا تدور الكرة حول نفسها. لكن الطبيب والشرطي هما الأقل دخلا من بين مكونات المباراة، فالأول يحرص على صحة اللاعب والثاني يسهر على حمايته. وفي نهاية المباراة يركب اللاعبون أفخم السيارات ويعود البوليس إلى قواعده في زحمة «ستافيت»، ويختفي الطبيب في أحشاء سيارة إسعاف وسط رائحة «بيتادين».