حسن البصري
منتهى الغباء أن يفكر لاعب دولي في الهجرة السرية ويعلن نفسه «حاركَا»، في زمن تدر الكرة مالا وفيرا على نجومها.
منتهى العبث أن تخطط لاعبة مقبلة على خوض مونديال في أستراليا للهروب في إيطاليا وهي على موعد مع الشهرة والجاه والاحتراف.
منتهى الرعونة أن تبادر فتاة إلى الهروب من «دار العرس» وهي مقبلة على وضع حناء الوجاهة في كفيها.
منتهى الخسة أن نتقاسم خبر اختفاء لاعبات الفريق الوطني النسوي، عبر منصات التواصل الاجتماعي، دون سند إلا سند «البوووز».
في فصل الصيف يخرج باعة الإشاعة بالتقسيط من جحورهم، يعرضون بضاعتهم في مواقع الإثارة ويحصدون «اللايكات»، دون اعتبار للمضاعفات النفسية والاجتماعية لخبر زائف.
كانت بعثة المنتخب المغربي النسوي تستعد لمغادرة إيطاليا صوب سويسرا، حين تداول أعضاء الوفد الرياضي خبر «فرار لاعبات»، أعاد القائمون على الفريق الوطني النسوي إحصاء اللاعبات وتأكدوا من حضور نوايا الصدق وحسن السريرة وغياب سبق الإصرار والترصد.
بعد ساعات أصدرت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بلاغا فيه شجب وتنديد وتكذيب ووعد ووعيد، بـ«المغالطات التي روج لها البعض على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، نقلا عن إحدى الصفحات المزورة لأحد المواقع الإلكترونية المغربية، للنيل من سمعة منتخبنا الوطني لكرة القدم النسوية المقبل على المشاركة في نهائيات كأس العالم».
تعالوا نناقش القضية بهدوء ونتساءل من تكون هذه «الصكَعة» التي اجتاحتها فكرة الهروب من معسكر المنتخب وهي تعلم أن مجرد مشاركتها في المونديال ستمكنها من مبلغ مالي لا يقل عن 30 ألف دولار. علما أن غالبية لاعبات المنتخب نفخن حساباتهن البنكية بمنحة التأهل لكأس العالم، وغالبية عناصر الفريق الوطني العسكريات جمعن المجد المالي من كل أطرافه بالزعامة القارية على مستوى النادي والتأهل للمونديال على مستوى المنتخب.
يقال «ما يحسب غير المزلوط» لكن رغم اتهام المزاليط بتدقيق الحسابات، فإن هذا الاتهام باطل لا يتجاوز حدود القول المأثور، لأنه لو كان البسطاء يجيدون فن الحساب لتمردوا على فقرهم، لذا يقول المعتدلون إن «لحساب صابون»، لا يهم إن كان مسحوقا أو صلبا أو سائلا، وفي حالة المنتخب لابد من الحساب مادام «الحريكَ» هو محاولة للانفلات من الفقر والخصاص والهشاشة.
ولأن الأمر يتعلق بالمونديال، فإنه لابأس من إحصاء حصيلة لاعبينا المحليين من هذه الملحمة، فقد توصل نادي الوداد بمنحة مشاركة لاعبيه الثلاثة في مونديال قطر وقدرها مليار و390 مليون سنتيم. وتعويض الفيفا لإصابة الحارس التكناوتي بقرابة مليون دولار، وإن عطس لاعب في كأس العالم فله مقابل مالي، لأن الاتحاد الدولي لا يتكلم اليوم إلا لغة المال.
هل سمعتم لاعبا «حركَ» وهو في طريقه إلى المونديال؟
على اللاعبات المبشرات بالمونديال أن يستحضرن «جدبة» كأس العالم بقطر، وأن يحلمن بلقاء الملك مصحوبات بأمهاتهن، أن يفكرن في يوم يتجولن بشوارع العاصمة على هودج حافلة. هذه الأحلام أشبه بمضاد حيوي ضد «لحريكَ».
لكن لابد من التوقف عند هجرة معكوسة و«حريكَ» معكوس من الدوريات الأوربية إلى البطولة المغربية، بالرغم من أعطابها. في كل فريق مغربي لاعب اختار ختم المسار الكروي في المغرب بدل أوربا، بل إن بطولتنا بكل حروف العلة التي تسكنها تغري اللاعبين الجزائريين والمدربين التونسيين بالانضمام للفرق المغربية حتى وإن كانت غارقة في ديونها.
قد يبدو للبعض أن المغرب ليس بالوجهة المناسبة للبحث عن عمل بناتج محلي إجمالي هش، لكن في قطاع كرة القدم هناك «حريكَ» ينسج سرا باسم تغيير الأجواء، وتدفق خارجي ملحوظ يهدد بسريان القول المأثور «خبز الدار ياكلو البراني».