كيف نقرأ الصحافة الإسرائيلية
معن البياري
أن يطالع الباحثون العرب من أهل الاختصاص الأكاديمي بإسرائيل صحافتها، وأن يتابعوا عموم الإعلام فيها، لذلك ضرورته في جوانب معينة، وفي إنتاج دراسات في الشأن الإسرائيلي. وطيب أن يتعرف العاملون في الصحافات العربية، وكذا كتاب الرأي والتعليق، على أهم مضامين ذلك الإعلام وتلك الصحافة.
وكثيرا ما تصادف لدى كثيرين أنهم يسلحون وجهات نظرهم في هذه المسألة أو تلك بما كتبه المعلق الإسرائيلي، فلان الفلاني، في «هآرتس»، أو بما قاله علان العلاني لقناة تلفزيونية إسرائيلية، ويعتدون به شاهدا على رجاحة ما يكتبون أو يقولون. هؤلاء الزملاء، في حالهم هذا، يقيمون على خطأ شنيع.
الصحافة الإسرائيلية متقدمة مهنيا، لكنها لا تتفوق على كثير من الأمريكية والأوروبية. وتحوز حرية واسعة، مع حضور لمحاذير عسكرية وأمنية. ومصادر المعلومات للعاملين فيها متاحة إلى حد جيد. وكتاب الرأي فيها يشرقون ويغربون براحتهم، بل ومنهم من يكتب باستعراضية ظاهرة. وللحق، تجد، أنت الصحافي العربي، في أحيان، ما تغبطهم عليه، وتجد حاجة إلى أن تعرف تفاصيل تخص وقائع عربية مما يكتبون عنه ويتقصون فيه، ومما تعطى لهم من معلومات.
لا يعني التسليم بما سبق أن يقدم أي منا على صحافات إسرائيل بعيني المنبهر، المنجذب إلى ما قد يظنه فائضا من الصدق والشفافية، ذلك أنه، مع توفر صدق وشفافية هنا أو هناك، ثمة أيضا كذب وتدليس وكلام فارغ. وبشأن القضايا العسكرية والأمنية، وبعض القضايا ذات الحساسية الخاصة، يحسن أن نعلم أن بعض التسريب المتعمد قد يكون في هذا الموضع أو ذاك من دوائر رسمية ومخابراتية لأغراض ما، والكذب وارد كما الصدق وارد. ولأن الأخذ والرد في شأن الصحافة الإسرائيلية طويل، كما أن تعيين ما يمكن الإفادة منه في عملنا، نحن الإعلاميين العرب، أو في مصادر المعرفة عند المثقفين العرب، يحتاج درسا تحليليا، وربما تدريبا، فإن ما يلح عليه هذا الإيجاز هنا هو التخفف من أي أوهام بشأن الحقيقة في صحافات إسرائيل والكذب في صحافاتنا. وإذا ما كان بعضنا، ومعه شيء من الحق في مطارح محددة، يأخذ بنكتة دريد لحام قبل 45 عاما «افتح على لندن لنعرف شو عنا»، فهذا يعود إلى نقصان الثقة بالإعلام العربي الرسمي، غير أن خرائط الإعلام العربي ومصادر معرفة الأخبار تشعبت وتنوعت كثيرا، وهذا من بديهيات الدنيا.
ما استدعى الكلام أعلاه، وإن قد يُرى فيه تسرع وارتجال، أن صحيفة «يديعوت أحرونوت» نشرت تقريرا موسعا عن الملف السري للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي (أمان)، وهو من إنجاز فريق مختص، قابل أعضاؤه 15 ضابطا ومتخصصا وباحثا. وهنا، لا جهد للصحيفة المذكورة سوى نشر التقرير المعطى لها، أما ترويجها له، أياما قبل نشره كاملا، فإنه سلوك غير مهني، ذلك أنه ليس منجزا إعلاميا أنتجته، وإنما خلاصات استخبارية. وابتهاجها بما تضمنه من معلومات تنكشف لأول مرة فيجوز حسبانه سقطة للصحيفة، سيما وأن الكثير فيه افتراضات وتصورات غير مؤكدة. قد تنجذب في التقرير إلى ما فيه عن رفض نصر الله اللقاح الأمريكي ضد كورونا، وقلة حركته من بيته، وعدم امتلاكه عقارات، وانشغاله الكثير بدولة إسرائيل، وأنه يفتقر إلى فيتامين «د»، إلا أنك لا تصادف جديدا باهرا، كاشفا، فثمة تأويلات وتحليلات تغلب عليها الخفة و«التبجح».
بعض العوار، وكثير من أوهام من يظن نفسه شحط الذئب من ذيله، في التقرير الأمني عن حسن نصر الله، مقادير مثيلة لهما في تقارير الصحافات الإسرائيلية وتعاليقها.