شوف تشوف

الرئيسية

كيف نعيش بمسؤولية؟

أحمد الراقي
الحديث الثالث والثمانون بعد المائة الثانية (283)

عن ابن عمرَ رضي اللَّهُ عنهما عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: «كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسؤولٌ عنْ رعِيَّتِهِ، والأَمِيرُ رَاعٍ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أَهْلِ بَيْتِهِ، والمرْأَةُ راعِيةٌ على بيْتِ زَوْجِها وولَدِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسؤولٌ عنْ رعِيَّتِهِ» متفقٌ عليه.
بداية لنتأمل جماليات الأداء الأسلوبي في حديث اليوم، خاصة في استعمال مصطلح «الراعي» وهو مستعار من مستلزمات البيئة، حيث لا تجد أشد من حرص الراعي على غنمه وماشيته فهو يحفظها من التلف والسرقة ويحرص على إشباعها وأمنها، فمسؤولية الراعي ثابتة ومؤكدة.
المسؤولية من القضايا المهمة في ديننا الإسلامي، وسيسأل كل إنسان عما استرعاه الله، وهذه المسؤولية إما أن يناط بها الفرد أو تناط بها الجماعة، ومن أهم مراكز المسؤولية الأسرة والمجتمع، فالمسلم راع في بيته، ومسؤول عن رعيته. عزيزي القارئ أنت راع في بيتك، مسؤول على زوجتك، على أولادك من بنين وبنات، وعلى من تحت من يدك من أخوات وإخوان صغار فأنت راع ومسؤول عن رعيتك، فأنت أولا مأمور بأن تؤدب أبناءك الأدب الحسن، بأن تربيهم على معرفة ربهم، ونبيهم ودينهم، وعلى العقيدة الصافية، مأمور بأن تحثهم على الأوامر الشرعية للقيام بها، يقول الله: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) [طـه: 132]. ويقول صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ». وأنت مأمور بأن تحثهم على آداب الإسلام، من رد السلام، واحترام الكبار، ورحمة الصغار، والتخلق بالأخلاق الكريمة، والبعد عن السباب، وتخلقهم بالأخلاق الفاضلة، مأمور بأن تنهاهم عن الأخلاق السيئة، مأمور بأن تراعي شأنهم، وتبحث عن جلسائهم، ومن يصاحبهم، ومن يخالطهم، فكم من شباب صالح خالط أصدقاء منحرفين، فكان سيئا في أخلاقه ومعاملاته،
المرأة المسلمة، راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، ترعى أبنائها وبناتها، وتعين الأب على التربية والتوجيه، وكلما غفل الأب عن شيء، فإن الأم تقوم مقامه، فتوجه الأبناء والبنات توجيها سليما، ترشدهم على الخير، وتحثهم عليه، المرأة المسلمة في بيتها عونا لزوجها على بر أبويه، عونا لزوجها على صلة رحمه، عونا لزوجها على كل خلق كريم. وبعض النساء، تفرق بينه وبين أبويه، وبينه وبين إخوانه وأخواته، وبينه وبين أرحامه، أما المرأة الطيبة، فهي امرأة صالحة، تؤلف، وتجمع، وتوفق، وتسعى في الخير جهدها، هذه المرأة الصالحة بركة على زوجها، وعلى بيتها، وعلى أولادها، وعلى الأسرة جميعا.
وفي مـا يلي عددٌ من النصائح التي لا شك أنها ستُعين – بإذن الله تعالى – في أداء المسؤولية على الوجه المطلوب وبالصورة الإيجابية ومنها:
– أخلص نيتك مهما كانت مسؤوليتك لله تعالى وأصلحها، واتق الله سبحانه في ما أنت مسؤولٌ عنه، وأعلم أن المسؤولية أمانةٌ لا يُمكن أن تؤديها إلاّ بعونٍ من الله تعالى وتوفيقٍ وتسديد.
– اعرف تفاصيل المسؤولية التي يجب عليك القيام بها لأنك بذلك تتفاعل مع أدائها بصورةٍ أكثر لأنك تعرف ماذا يراد منك، ومتى عرفت أهمية ذلك وأدركته على وجه التحديد سعيت بجدٍ وإخلاصٍ لتحقيقه وإنجازه.
– كن مشغولاً بمـا أنت مسؤولٌ عنه، فمن اشتغل بغير الـمهم ضيّع الأهم، وليكن في علمك أنه ليس في الحياة متّسعٌ للهوامش والتوافه من الأمور؛ فلا تؤجِّل القيام بمـا عليك القيام به من المسؤوليات لأنّها حينئذٍ تتراكم وتكثُر، وقد تُهمل أو تُنسى فيصعُب عليك القيام بها، وعندئذٍ تؤاخذ على تقصيرك.
– اعلم أن الروتين والرتابة يقتلان روح المسؤولية، فحاول أن تُجدِّد في أسلوب التعامل مع مسؤولياتك، ولا تكن نمطياً أو جامداً على حالةٍ واحدة، فالركود والتقليد الأعمى يحولان المسؤوليات إلى أعباء لا يطيق الكاهل حملها.واعلم أن شعور من حولك ومن يتعامل معك بكفاءتك وحرصك على توزيع المسؤوليات بإشراكك لهم في تحمُلها سيُشعرهم بالاطمئنان، ويزيد ثقتهم بك، ويُشجعهم على جميل التجاوب معك.
– كن مُحباً لعملك ومسؤوليتك، وأجتهد في أن تُقبل على ذلك كله بنفس راضيةٍ وهمةٍ عاليةٍ، لتجد في ذلك الـمُتعة والأُنس والتسلية والسعادة. وعليك أن تهتم كثيراً بالعلاقات الإنسانية بينك وبين من حولك ومن تتعامل معهم من خلال مُراعاة مشاعر الزملاء، والتلطف مع العاملين، وتقدير الظروف، واحترام الصداقة، وغرس الثقة، والاتصاف بالمرونة اللازمة في التعامل مع الأفراد والمواقف.
– لا تنس أن أداء المسؤولية بروح الجماعة يُساعد كثيراً في القيام بالمسؤوليات، ويعمل على التخفيف من ثقلها، ويؤدي إلى الإبداع في إنجازها، فاحرص على روح الجماعة في أدائك لمسؤوليتك، واجتهد في كسب احترام من معك، وتأكد أنك ستكون مُبدعاً وناجـحاً لو تمكنت من ذلك؛ لأنهم حينها سيكونون أول من سيتبنى رأيك، وأكثر من يحرصون على نـجاحه لأنهم يعدون القرار قرارهم جميعاً، ويرون أن المسؤولية مُشتركة بينكم.
– استشعر أن المسؤولية تكليفٌ وليست تشـريفا، وهذا يفرض عليك أن تكون قوياً أميناً مصداقاً لقوله تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) القصص: من الآية 26. وهذا يعني أن من الواجب عليك أن تُراقب الله تعالى في كل شأنٍ من شؤونك، وأن تكون أميناً في تحملك للمسؤولية، مُخلصاً في أداء واجباتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى