كورونا والسجناء المسنون
رشيد وهابي
يوم الثلاثاء الماضي وأنا أمر بقرب المحكمة الابتدائية بالجديدة حوالي الساعة الرابعة بعد الزوال، تأثرت كثيرا من بكاء شديد لبنت عمرها جاوز الثلاثين، وبقربها يجلس أخوها الذي يصغرها سنا وهو يبكي بحرقة لا توصف، وكلاهما يردد بشكل هستيري بأن الأب الذي جاوز عمره الثمانين والذي أدين ببضعة أشهر من أجل إهمال الأسرة، سيموت بكورونا في السجن.
حاولت جاهدا أن أخفف من روعهما، لكني فشلت لأنهما متيقنان بسبب ما يسمعانه عن هذا الوباء الفتاك، خصوصا لكبار السن بأن الأب سيقضي نحبه في السجن. هالني ما سمعت وتأثرت بشكل كبير بوضعية هذا الأب المسن، وتذكرت الكتاب النبيل والمهم الصادر يوم 18 مارس 2020 من السيد رئيس النيابة العامة إلى السادة الوكلاء العامين والسادة وكلاء الملك، والرامي إلى مراجعة وضعية الأحداث نزلاء مراكز حماية الطفولة، بسب فيروس كورونا.
وبما أنني كنت شاهدا على إدانة عجوز عمره جاوز 80 سنة من أجل جنحة إهمال الأسرة بالحبس النافذ، والتي هي ليست بالجنحة الخطيرة. وبما أنني أعيش وأسمع كل دقيقة بما يفعله هذا الوباء الفتاك بكبار السن في كل بقاع العالم، وبما أن السجن هو مؤسسة للإصلاح والتهذيب ومتى أصبح أو سيصبح مكانا يهدد حياة بعض ساكنيه، فعلى الدولة والمسؤولين أن يتدخلوا لكي يدرؤوا العقوبات كلما كانت تهدد حياة بعضهم، بالعفو أو المتابعة في حالة سراح لآخرين.
وبما أن الكثير من المسنين المعتقلين احتياطيا من أجل جنح، أو المدانين من أجلها والموجودين بسجون المملكة المغربية يتجاوز عمرهم الخامسة والستين أو السبعين سنة، وبسبب هول ما نسمعه على مدار الساعة من كون هذا الوباء يفتك بشكل كبير ومريب بحياة كبار السن لم تنجح في إيقافه حتى الدول المتقدمة، قررت أن أحرر هذا المقال ملتمسا فيه من عاهل البلاد الملك محمد السادس، أمير المؤمنين حفظه الله أن يصدر تعليماته السامية بالعفو عن هذه الفئة من المعتقلين احتياطيا أو تستمر محاكمتهم في حالة سراح، وكذا العفو عن المدانين من كبار السن من أجل الجنح، لأن مناعتهم ضعيفة، وكل انتشار لهذا الفيروس بين السجناء سيفتك بهذه الفئة بشكل سريع، ولن يترك لهم فرصة للنجاة.
ولدينا قدوة حكيمة في ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين عطل حد السرقة (وهي جناية وجريمة خطيرة)، في سنة كانت سنة مجاعة.
حفظ الله بلدنا من هذا الوباء وقلل من خسائره.