شوف تشوف

الرأي

كورونا.. نحتاج علماء لا مشعوذين

محمد أمين

وباء كورونا العابر للقارات أثبت أن رأس المال الحقيقي هو العلم، فمن يملك اليوم عقلا بشريا وينتج لقاحا ضد هذا الوباء، ستدين له البشرية وملياراتها.
وعلى عكس اتجاه الغرب، في التسابق نحو إيجاد لقاح لمواجهة هذا الوباء، يتبارى بعض الشيوخ في العالم العربي والإسلامي في توزيع الفتاوى والاستخلاصات، بين أن هذا غضب من الله على الكرة الأرضية، ومنهم من ذهب مذهبا آخر بأن هذا الفيروس من جنود الله يستهدف به حصرا أعداء الله، ومنهم من خصص أكثر وقال، إن هذا الوباء هو غضب من الله حصريا على المسلمين، وأن الله عز وجل يقول للمسلمين »لا أريد أن أرى وجوهكم»، ويعتقد الشيخ صاحب هذا الرأي الذي يحمل درجة دكتوراه في الشريعة أنه الأرجح.
وبينما ينبري أحدهم ليعلن أنه هو المهدي المنتظر، يتواضع آخر فلا يعلن نفسه مهديا منتظرا، بل يكتفي بالقول إن كورونا هي آخر العلامات التي تسبق ظهوره.
وفي الوقت الذي يتيه فيه شيوخ ليسوا علماء، نفتقد العلماء الحقيقيين، العلماء في الشريعة ومقاصدها، لتفعيل التوجيهات الربانية والنبوية الحقيقية، في التعامل مع هذا الوباء، وجنبا إلى جنب مع غياب علماء الشريعة نفتقد كذلك الأطباء والباحثين في العالم العربي، وجهودهم في البحث عن لقاح، لكن لماذا لا يوجد مثلهم في العالم العربي والإسلامي؟
إن واجب علماء الدين والشيوخ الحقيقيين هو إرشاد الناس إلى كيفية مواجهة هذا الوباء، وليس الإطناب في تفسير أسبابه، وصرف الوقت في جدل أفلاطوني لا طائل منه حول المقصود منه وبه، فيما يموت الناس من حولهم وأثناء جدلهم اللامنهجي، ويغيب عنهم أن الرسول الكريم هو الذي قال «لكل داء دواء»، وحثّ على السعي للتداوي والذهاب للأطباء، واتباع كل السبل لحصر الوباء واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع انتشاره، وكذلك صحابته، حيث لم ينشغل سيدنا عمر في تفسير أسباب الطاعون، لكنه أخذ التدابير اللازمة لمواجهته، بعدم السفر للبلد الذي انتشر فيه، والدعاء لله والتضرع اليه بأن يرفع الوباء.
هذه القصة نوردها هنا بالتفصيل، فبمقابل تشدق بعض المشايخ بأن إغلاق بيوت الله هي معصية ومحاربة لدين الله، فقد قرر الرسول صلى الله عليه وسلم مبادئ الحجر الصحي وبين مشروعيته في الإسلام.
انتشار الوباء يوجب على الفرد أن يفرض على نفسه نوعا من الحجر، كما يجب ذلك على الدولة، وهو ما طبقه الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه، حيث كان في سفر متجها إلى الشام وبرفقته وفد رفيع المستوى، يضم عددا من كبار الصحابة، فلما اقترب من البلد المقصود، استقبله أحد الأمراء وقال إن في البلد طاعونا، فاستشار الصحابة فقالوا له: ندخل إلا عبد الرحمن بن عوف قال: لا ندخل. واستدل بالحديث، فأخذ عمر برأي عبد الرحمن لوضوح دليله، فقيل له: «أتفر من قدر الله»؟ فقال: «نفر من قدر الله إلى قدر الله»، وفي هذا تأكيد على ما هو متقرر في الإسلام، من أن اتخاذ أسباب الوقاية والعلاج لا يتنافى مع الإيمان، بل إنه الأولوية والمقصد، وليس الإبحار في تفسير أسباب الوباء دينيا.
نحن في العالم العربي والإسلامي، إضافة إلى كورونا أصبنا بوباءين: منظري ورواد نظرية المؤامرة الكونية، ومشايخ قالوا عن كورونا كل شيء، بقي فقط أن يفاجئونا بأن في القرآن الكريم آية خاصة بكورونا..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى