شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

كواليس طريق الوحدة رجال الظل الذين سهروا على ربط جنوب المغرب بشماله

على الورق كان الهدف الميداني من طريق الوحدة فك العزلة عن الريف ومناطق الشمال، ما جعل الملك محمد الخامس يبادر إلى إعطاء الأولوية لبناء طرق بالأقاليم الشمالية والجنوبية.

حسن البصري

وكان في مقدمة المشاريع المبرمجة إنشاء طريق بشمال الوطن تربط بين تاونات ومركز كتامة على طول 80 كلم أطلق عليها اسم طريق الوحدة، بدلالة رمزية كبرى، تتجاوز الربط بين منطقتي الشمال والجنوب، بل تجعل من المشروع فضاء لتجميع الشباب المتطوعين من مختلف جهات المغرب للمساهمة في بناء وطنهم بحماس منقطع النظير.

تجند لهذا المشروع 12 ألف شاب متطوع للعمل طيلة الأشهر الثلاثة للفترة الصيفية، بمعدل 4 آلاف شاب في كل شهر، ينتمون لسائر أرجاء الوطن. ومثلت أوراش العمل مدارس للتكوين يتلقى فيها المتطوعون دروسا تربوية وتداريب ميدانية وعسكرية، تجعل منهم مواطنين صالحين قادرين على تحقيق مشاريع أخرى في مناطقهم، وذلك تجسيدا لفكرة التجنيد والخدمة المدنية لبناء المغرب الحر المستقل.

لبى هؤلاء النداء الملكي الذي وجهه، في يوم 15 يونيو 1957، الملك محمد الخامس، من مدينة مراكش، داعيا الشباب المغربي إلى التطوع للمشاركة في تنفيذ هذا الورش التنموي الضخم، وكان المغرب آنذاك قد خارجا للتو من حقبة الاستعمار. وكان من بين المساهمين في الإعداد والإشراف على بناء هذه الطريق المهدي بن بركة وعبد الواحد الراضي، إلا أن ولي العهد مولاي الحسن كان في الجبهة الأولى للمتطوعين.

في ظرف زمني قصير نصبت مخيمات المتطوعين الذين تم تجنيدهم للعمل التطوعي مدة ثلاثة أشهر الصيف، بمعدل 4000 شاب شهريا، حيث مثلت أوراش العمل مدارس للتكوين يتلقى فيها المتطوعون دروسا تربوية وتداريب مدنية وعسكرية. وبعد ثلاثة شهور، من يوليوز إلى أكتوبر 1957، انتهت أشغال طريق الوحدة، وألقى محمد الخامس خطابا خلال في حفل استعراض متطوعي الطريق.

عبد الكريم الفلوس رائد الكشفية ينشر الثقافة المسرحية في ورش الوحدة

يعتبر عبد الكريم الفلوس واحدا من رواد الكشفية المغربية الأوائل في المغرب، فقد حرص منذ طفولته على الانخراط في قطاع كان يشكل فسحة للتوعية والتثقيف، لاسيما في ظل وجود هيمنة على الحركة الكشفية من طرف المستعمر الفرنسي الذي كان يخشى أن تتحول إلى مدرسة لإنجاب قيادات معارضة لنظام الحماية.

انخرط مبكرا في حزب الاستقلال وأصبح دراعه الشبابي، في ما يشبه الشبيبة الاستقلالية، واقترب أكثر من رموز المقاومة خاصة محمد الزرقطوني، بل إنه استطاع استقطاب كثير من المقاومين للحركة الكشفية.

كشف عبد الكريم عن مؤهلاته خلال الإعداد لمشروع طريق الوحدة، وانضم لخلية التنظيم التي اتخذت من قرية إيكاون مقرا لها، هناك كتب له أن يلتقي بالملك محمد الخامس في الخامس من يوليوز 1957 وقدم له عرضا حول البعد الوطني لمشروع طريق الوحدة، ورافقه في رحلة تفقدية بمختلف مخيمات المشروع.

كان المهدي بن بركة شعلة من الذكاء ومثالا يحتذى بالنسبة إلى الشباب المغربي والاستقلالي على الخصوص، وهناك من يؤكد أنه مبدع فكرة طريق الوحدة وأن عبد الكريم الفلوس، الكاتب العام للشبيبة الاستقلالية، كان من أهم الأطر المنظمة لها.

التقى عبد الكريم مباشرة بالحسن الثاني وهو حينها وليا للعهد، وتبين لهذا الأخير أن الكشفية مدرسة حقيقية استحقت أن تحمل اسمه. وخلال المؤتمر الكشفي العربي الخامس الذي أقيم بالمغرب سنة 1962.اختير الفلوس عضوا باللجنة الكشفية العربية إلى غاية 1964 وكان له جهده المشكور في إثراء أعمال هذه اللجنة. وفي عام 1980 منحته الهيئة الكشفية العربية قلادة الكشاف العربي نظرا لجهوده البارزة على المستوى العربي والمحلي.

لكن المسرح يظل أبرز اهتمامات الفلوس، حيث كان وراء تغلغله إلى وجدان المغاربة، بل إنه كان وراء تأسيس مدرسة المعمورة من أجل احتراف التمثيل مع فرقة المسرح المغربي التي كان يرأسها، في منتصف الأربعينات.

خلال هذه المحطات التقى عبد الكريم بالملوك الثلاثة، مع محمد الخامس في فترة الإعداد وأثناء تنفيذ ورش طريق الوحدة، وفي الورش مع الحسن الثاني الذي كان وليا للعهد، كما التقى بمحمد السادس وهو لازال طفلا يخطو أولى خطواته في درب الكشفية. وفي كل المحطات يكبر الرجل في عيونهم بفيض طموحه ووطنيته الجارفة، لذا تم تكريمه بإطلاق اسمه على أكبر مركز للكشفية في المغرب.

عبد القادر جلال مدرب الرجاء البيضاوي مؤطرا في مخيم طريق الوحدة

خلافا لما تردده بعض الكتابات التي تؤرخ لتاريخ الرجاء البيضاوي، والتي تصنف عبد القادر جلال في خانة “مؤسسي” النادي، فإن الرجل انضم إلى الرجاء بعد التأسيس وليس قبله، بحكم وجوده ضمن تشكيلة الوداد كحارس مرمى حين كان الفريق الأخضر في طور التأسيس.

لكن عبد القادر لم يكن مجرد حارس مرمى، بل كان قيد حياته مفردا بصيغة الجمع، إذ انخرط في الحركة الوطنية مبكرا، قبل أن يستقطبه الفرنسيون لتأطير قطاع الرياضة والشباب بعد أن لمسوا فيه شعلة متوقدة من الحماس.

أشرف بعد اعتزاله تدريب الرجاء البيضاوي على تأطير الشباب في الأحياء الشعبية، مستلهما أفكاره التقنية من مقاربة جديدة، تجاوزت فيها علاقة المدرب باللاعب حدود المستطيل الأخضر، إذ عمل على إشراك اللاعبين الناشئين في المخيمات الصيفية وضم الشبان منهم لأقسام التكوين المهني.

لا زالت أسرة الراحل تتذكر ما بذله الوالد عبد القادر رفقة مئات الشبان المتطوعين أثناء صيف 1957 من جهود جسيمة، حين دعاهم ولي العهد الأمير مولاي الحسن للعمل في مشروع طريق الوحدة الذي ربط إقليم فاس بإقليم الحسيمة بواسطة طريق فك العزلة عن سكان المنطقة.

حضر عبد القادر لقاء تحضيريا في فاس ترأسه ولي العهد مولاي الحسن والمهدي بن بركة، وتم خلاله تقسيم لجان العمل، حيث انضم عبد القادر للجنة التموين والتغذية، كما تعهد بخلق أجواء محفزة على العمل استنادا لما راكمه من تجربة بين الملاعب ودور الشباب، وكان يشرف على التمارين الصباحية للمتطوعين.

مكنت طريق الوحدة عبد القادر من الاقتراب أكثر من الأمير، وكانا يتحدثان طويلا عن الشأن الكروي، بل إن مولاي الحسن استمتع طويلا بأحاديث جلال عن طرائف الرجاويين والوداديين، واستغرب لقدرته على تحويل منحدر جبلي إلى ملعب لكرة القدم زاد من حماس المشاركين في المشروع، خاصة بعد أن أصر الأمير على الخضوع لتداريب صباحية تحت إشراف مدرب محنك.

في شهر 23 ماي سنة 1989، الذي تزامن مع افتتاح مؤتمر القمة العربي الطارئ بالدار البيضاء، تعرض عبد القادر جلال أحد مؤسسي وأطر الرجاء البيضاوي لحادثة سير مفجعة، حين داسته سيارة أجرة وسط اختناق مروري في حي بوسيجور، وكان حينها متوجها إلى ملعب الرجاء بالوازيس للإشراف على تأطير شبان النادي.

في سنة 1992، قررت الحكومة المغربية بملتمس من عبد اللطيف السملالي، وزير الشباب والرياضة، إرسال عبد القادر إلى ألمانيا قصد العلاج ووضع يد اصطناعية، في نهاية شهر غشت من سنة 1997، توفي مربي أجيال الرجاء وهو يعاني من غصة في القلب بسبب الجحود، مات في صمت تاركا أسرته عرضة للضياع.

أبوبكر الصقلي شاعر الورش وصاحب نشيد طريق الوحدة

شكلت طريق الوحدة حدثا وطنيا بارزا، واعتبرت مع مطلع فجر الاستقلال، احتفاء بأبهى صور العمل التطوعي وأسمى مواقف التضامن التي عبر عنها المغاربة بعد العودة المظفرة لبطل التحرير والاستقلال محمد الخامس طيب الله ثراه، وإعلانه الانصهار في معركة الجهاد الأكبر لبناء المغرب المستقل.

في غمرة التحضير لهذا الحدث الوطني، كان لابد من التفكير في بعض التفاصيل التي تبدو صغيرة لكنها مؤثرة، خاصة نشيد طريق الوحدة الذي سيردده المتطوعون على امتداد فترة بناء هذا المعبر الهام، وخلال الاجتماعات التي ترأسها المهدي بن بركة تم اقتراح نشيد “مغربنا وطننا” إلا أن البعض عارضه وطالب بالاكتفاء بالنشيد الوطني، قبل أن يقدم أحد أعضاء اللجنة التحضيرية مقترحا آخر ويعرض نشيدا كتبه الشاعر أبو بكر الصقلي ولحنه، يستحضر الأبعاد التاريخية والدلالات الرمزية لهذا الحدث يروم ترسيخ ما تعبق به هذه الذكرى ومثيلاتها من دروس وعبر وعظات لتظل حية في أذهان الأجيال الجديدة ولتحفيزها على الانخراط في مسيرة البناء والتنمية.

حظي الصقلي بلقاء الملك محمد الخامس الذي هنأه على مشاركته الأدبية في الورش، نفس التقدير تلقاه من قيادة المشروع التنموي وخاصة ولي العهد مولاي الحسن، حيث أجمعا على أن ترديد النشيد يرفع من معنويات المتطوعين الذين كانوا يحفظن كلماته عن ظهر قلب هذا النشيد في غمرة على طول الطريق وفي ورش غير مسبوق، تسيره لجنة تضم التخصصات التربوية والفنية والعسكرية وشؤون التموين والطبخ والمواصلات، كما كان النشيد مكتوبا بخط جميل ليتمكن كل متطوع من حفظه. كما عهد للمؤطر عبد القادر جلال بتلقينه.

تقول كلمات النشيد:

هيا بنا إلى العمل

نحن الشباب نحن الشباب نحن الأمل

طريقنا وحدتنا

تخليد عهد الاستقلال

يا شباب يا شباب

هيوا بنا إلى العمل

إلى البناء إلى البناء يدا في يد

نحمي حماك نحمي حماك يا بلاد

هيوا بنا هيوا بنا إلى الأمام

يعيش يعيش ملكنا المولى الإمام

قوتنا قدرتنا

عزتنا بين الأمم

أعطى الملك محمد الخامس صباح يوم الجمعة 5 يوليوز 1957، انطلاقة الورش الوطني لطريق الوحدة معاينا على متن سيارة “جيب” معالم الطريق، وفي مسامعه كلمات هذا النشيد.

محمد الحيحي المعلم الذي ارتبط اسمه بجائزة التطوع

ولد محمد الحيحى سنة 1928 بحي المشور بتواركة بمدينة الرباط، وتتلمذ على يد كبار مشايخ عصره وعلى رأسهم شيخ الإسلام مولاي العربي العلوى. في سنة 1940 التحق بثانوية مولاي يوسف بالرباط التي طرد منها سنة 1944 بسبب مشاركته فى انتفاضة التلاميذ في أعقاب تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال خلال ذات السنة. وفي سنة 1947 انخرط محمد الحيحى في سلك التعليم الوطني الحر حيث بادر الى جعل المؤسسة التعليمية تندمج في محيطها الاجتماعي.

أثناء عملية التحضير لورش طريق الوحدة، أسند له المهدى بن بركة مسؤولية تأهيل وتأطير الشباب لإعدادهم لمواجهة تحديات بناء المغرب الجديد، علما أن الزعيم السياسي كان قد تعرف على الحيحي في غمرة التظاهرات المناوئة للنظام الاستعماري، واختاره لقيادة فرقة من الشبيبة الاستقلالية سنة 1950، ومنذ ذلك التاريخ أصبح مسؤولا عن تأهيل الشباب وتكوينهم. كما أشرف سنة 1948 على أول تدريب ينظم باللغة العربية لفائدة الأطر التربوية ضمن التداريب البيداغوجية التي كانت تنظمها إدارة الحماية الفرنسية لفائدة أطر ومدربي المخيمات الصيفية.

مباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال ساهم  محمد الحيحى رفقة المقاوم عبد السلام بناني في تأسيس جمعية “لاميج” وتولى كتابتها العامة وذلك قبل أن يلتحق سنة 1957  بوزارة الشبيبة والرياضة التي تولى فيها المسؤولية نائبا لرئيس قسم الشباب والطفولة.

وحسب الكاتب محمد الحافظ، فإنه خلال ذات السنة تولى الحيحي مسؤوليات في مشروع طريق الوحدة بتوجيه من المهدى بن بركة، “أسندت له مهام الكتابة الإدارية والاشراف على متابعة الدراسات وإعداد الملفات الخاصة بالمتطوعين المرشحين للمشاركة في طريق الوحدة المشروع الوطني الشبابي الكبير. وفى سنة 1958 أسس محمد الحيحي من قدماء متطوعي مشروع طريق الوحدة جمعية أطلق عليها اسم “بناة الاستقلال”، فضلا عن ذلك يرجع للحيحي كذلك الفضل في التأسيس لتجربة أوراش الشباب خاصة منها عمليات التشجير التطوعية للشباب التي ساهمت في احداث غابات في كل من مناطق بوقنادل شمال مدينة سلا وبوسكورة جنوب الدار البيضاء والهرهورة بعمالة تمارة”.

 

بعد عامين شارك في أول إضراب للوظيفة العمومية يوم 25 مارس 1960، تعرض على إثره للطرد التعسفي نتيجة لمواقفه السياسية والنقابية، مما حذا به الى رفع دعوى قضائية بالإدارة، ايمانا منه بمشروعية الاضراب.

اعترافا بجهوده تم تخصيص جائزة محمد الحيحي للتطوع، التي تم تأسيسها سنة 2010، وترمي إلى تشجيع العمل التطوعي وإعادة الاعتبار للأدوار الطلائعية لرواده ورموزه، والتحسيس بالقيم النبيلة للتطوع ودعم العمل الجماعي من أجل المصلحة العامة وإشاعة ثقافة الاعتراف وتكريس روح المواطنة خاصة لدى فئات الشباب.

وتوفي الراحل محمد الحيحي في 11 سبتمبر 1998 بعد مسيرة حافلة من العطاء في العمل الجمعوي والتطوعي، وسبق للفقيد أن ترأس الجمعية المغربية لتربية الشبيبة والجمعية المغربية لحقوق الإنسان كما اشتغل في ميادين التربية والشباب والطفولة.

محمد الركراكي..فقيه ينشر الوعظ والتقوى في ورش الوحدة

كان محمد الركراكي أكثر من فقيه للملكين محمد الخامس والحسن الثاني، بل مستشارهما وهو من ساهم في استوزار العديد من الأسماء، أبرزهم أحمد رضا كديرة، إذ تعرف عليه هذا الأخير على ولي العهد يومئذ الملك الحسن الثاني في مدينة إفران بواسطة الفقيه، وتطورت علاقته بولي العهد إلى صداقة قوية كانت بابه الأوسع لعالم السياسة والمناصب الحكومية، حيث سيتولى مناصب كثيرة ومتعددة، فكان وزير الدولة المسؤول عن المفاوضات المغربية الفرنسية في أول حكومة في مغرب ما بعد الاستقلال، ووزيرا للدفاع الوطني في عهد الملك محمد الخامس، ثم وزيرا للإعلام في حكومة بلافريج، ووزيرا للخارجية في حكومة باحنيني، كما جمع بين وزارتي الداخلية والفلاحة وغيرها من المناصب، وكان أعلاها تعيينه مستشارا للملك الحسن الثاني.

شارك الركراكي في طريق الوحدة بروح تطوعية عالية وكان يقدم للمشاركين دروسا في الوعظ والإرشاد ويحثهم على اتباع الشعائر الدينية، وكان حضوره لافتا في جمعة انطلاق الورش حيث شارك في صلاة الجمعة التي أقيمت في نفطة انطلاق الورش.

لم يكن الفقيه الركراكي وحده الشاهر على الأسن الديني في الورش، إذ تم استقطاب مجموعة من العلماء من بينهم شباب جمعوا بين التطوع المداني والتطوع في مجال الوعظ.

في يوم انطلاقة الورش الذي تزامن مع يوم الجمعة، ارتجل الملك محمد الخامس كلمة أمام وعاظ الورش، وأوصى بالاتحاد وأكد أن المملكة المغربية، هي معقل الوعي الإسلامي الأصيل، “إن ديننا الحنيف قد حض على الطاعة والنظام ضمن العدل، وحث على السكينة واحترام حريات الأفراد، ورعى مصالح الجماعات. فاتحدوا ولا تتخاذلوا واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا”. كما حث الملك وعاظ الورش بإشراك سكان المناطق في كل العمليات التطوعية وعدم إقصائهم من حصص الوعظ والإرشاد.

كان الفقيه الركراكي أول أستاذ للتعليم الديني للأمير المولى الحسن، سيرا على العادة المغربية التقليدية في تعليم الأبناء، على يد فقيه انتقي بعناية، مبادئ اللغة العربية، كما حفظ أجزاء من القرآن الكريم، ومبادئ أولية في الفقه. يذكر الحسن الثاني في “ذاكرة ملك” أنه تلقى ضربات بالعصا في “المسيد”، على غرار كافة الأطفال المغاربة الذين مروا من هذه المرحلة، وأكد أنه كان يسعده أن يتلقى تلك الضربات من والده لا غيره. ولأن محمد الخامس كان يسعى إلى أن ينال أبناؤه مستوى تعليميا عاليا لم يحظ به شخصيا، حرص على أن يتلقوا تكوينا مزدوجا منذ البداية.

كان الفقيه يشرف على تدريس الأميرات أيضا وكانت لبابة من بين التلميذات اللواتي تلقين تعليمهن على يد الفقيه الركراكي الذي درسها إلى جانب الأميرات، وهو الذي كان يكلف من طرف الملك الراحل الحسن الثاني لإخبارها ببعض القرارات، بل إن الفقيه هو من اتصل بها ليقترح عليها استوزار زوجها المعطي في منصب الوزير الأول.

عبد السلام بناني..تحمل تبعات المرض للمشاركة في ورش وطني

ولد عبد السلام بناني في العاشر من أبريل سنة 1917 بفاس، وتابع دراسته الابتدائية فيها، وانتقل إلى الرباط لينضم إلى المدرسة الثانوية مولاي ادريس في الفترة ما بين 1931 و 1933، في هذه المؤسسة انخرط في الحركة الوطنية، ودشن عمله النضالي بالمشاركة في المظاهرة ضد الظهير البربري وحكم علي بشهر واحد سجنا.

في كتابه “الأب الهادئ” الذي لم يسعفه المرض لاستكمال أوراقه، والذي أعاد ترميمه عبد الكبير بن المهدي الفاسي، يرصد رفيق دربه مختلف المحطات النضالية لعبد السلام بناني، وتنقلاته بين طنجة وباريس وسجون المغرب، وكيف عاشت زوجته عائشة هذه المحنة، يحكي عبد السلام عن مرض القلب الذي داهمه وجد من تحركاته ودور عائشة زوجته ورفاق دربه النضالي فيقول: “في سنة 1952 أصبت بمرض في عضلات القلب وعالجني الطبيبان محمد بن المختار وعبد الكريم الخطيب، وتقرر إرسالي إلى باريس في مستشفي بوبينيي الخاص بالأفارقة، وحين وصلت الى باريس وجدت في استقبالي بمطار أورلي الأخ الهادي الديوري والدكتوران محمد الحلو ومحمد بناني وحملوني إلى المستشفى، وبمجرد ما وصل خبر وجودي بالمستشفى إلى العمال المغاربة قاموا جميعا بزيارتي بالتناوب في كل أسبوع، وغادرت المصحة في أول يناير 1953 وفي 15 يناير سلم لي الأخ ادريس الفلاح برقية من أحمد بلا فريج يأمرني فيها بالدخول إلى طنجة إذا سمحت بذلك حالتي الصحية فقبلت الفكرة”.

رغم النوبات القلبية التي كانت تنتابه بين الفينة والأخرى إلا أن عبد السلام أصر على المشاركة في بناء طريقة الوحدة، ويقول صهره أبو بكر اجضاهيم إن الأطباء والممرضين الذين ترددوا على الورش كانوا يزورونه باستمرار في خيمته، ويعاتبونه على إجاد نفسه وإصراره على السهر إلى ساعات متأخرة من الليل.

ويقول صديقه عبد الكبير بن المهدي الفاسي: “كان في آخر أيامه مريضا جدا، لكنه حاول جمع مذكراته في كناش فيه كثير من المعلومات عن انبثاق شرارة المقاومة المغربية وفيه جل أسماء المقاومين وكثير من الخونة، وأوصى حرمه الأخت عائشة في حالة ما إذا فوجئ بالموت قبل إتمام كتابه أن تدفع لي هذا الكناش” لأنه في نظره، لا يمكن أن ينوب عنه أحد في هذه المهمة سوى عبد الكبير بن المهدي الفاسي”.

تبقى الإشارة إلى أنه حين توفي عبد السلام، تزامنت الفاجعة مع يوم ذكرى عيد العرش سنة 1975، حينها طلب الحسن الثاني تأجيل وصول جثمان الفقيد من فرنسا إلى المغرب، كي يخصص له حفل رسمي، وكي لا يختلط الحزن بالفرح. دفن جثمانه الطاهر في مقبرة الشهداء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى